د. ماجد عزت إسرائيل
دير القديس أنبا مقار يعد علامة بارزة في تاريخ الحياة الرهبانية الديرية،وهذا الدير يقع في الجنوب الشرقي لدير الأنبا بيشوي ودير السريان وتبلغ مساحته نحو فدانين، وينسب هذا الدير للقديس مقاريوس الكبير، وهو أغنى أديرة وادي النطرون بما يحويه من قدسية لدى الرهبان حيث يوجد التابوت الذي يحوي رفات ستة عشر من الآباء البطاركة،كما يوجد أجساد التسعة والأربعين شيخا الشهداء الذين قتلهم البربر مدفونين بكنيسة الشيوخ، كذلك التابوت الرخامي الذي يحمل رفات القديسة هيلاريا ابنة الملك زينون التي تنكرت في زي الرجال وترهبت بهذا الدير ودفنت في أرضية قصره القديم الذي بناه والدها فوق المكان الذي يحوي تابوتها، كما كان البطاركة يجتمعون فيه عندما كانوا يقومون بعملية الميرون المقدس، وأحيانا يدشنون الكنائس والهياكل التي تكون قد شيدت في هذا الدير.
وكان من العادات المتبعة عند انتخاب البطريرك للكرسي أن يتوجه بعدها مباشرة إلى دير الأنبا مقار حيث لابد من إتمام عملية الرسامة والتقديس بالدير المذكور، وهذا دليل على مقدار المكانة المرموقة التي تبوأها ذلك الدير خلال العصور التاريخية المختلفة في كافة أنحاء البلاد المصرية بل وفى جميع أقطار المسكونة وأسبغ هذا بلا شك صفة التقديس للمكان المذكور.
وبين عشية وضحاها تحول
دير أنبا مقار بوادي لأنهار من دموع رهبانه تتدفق في كل أركانه المقدسه،حيث بكي رهبان الدير على رحيل الأنبا أبيفانيوس أسقف ورئيس
دير أنبا مقار ببرية شيهيت بوادى النطرون، منذ 10 مارس 2013م وحتى إستشهاده في صباح يوم الأحد الموافق 29 يوليو 2018م بديره ببرية شيهيت، وقام قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالصلاة على جثمانه الطاهر يوم الثلاثاء الموافق 31 يوليو 2018م،ودخل قداسته في نوبة بكاء شديدة، خلال أداء الصلاة،تأثرًا بفراقه. وذكر عنه قائلاً:" إن الأنبا إبيفانيوس كان يمتاز بوداعة الحكمة وبساطة الحياة، حتى في صمته وابتسامته المريحة، وكان وديعًا في آرائه، دائما يطلب السلامة، ويبحث عن سلام الكنيسة والدير والحياة وكل الموجودين.والحقيقة التاريخية أن الأنبا إبيفانيوس كانت يتمتع بمحبه كبيره من رهبانه بالدير وكل من تعامل معه عن قرب، وأيضا من شعب الكنيسة الذين سمعوا دروسه وعظاته عبر وسائل الإعلام،ولذلك بكي عليه شعب الكنيسة والرهبان معا يوم وداعه الأخيرة.
وبما أن إستشهاد الأنبا إبيفانيوس حالة جنائية فقد تولت النيابة العامة بالبحيرة التحقيقات تحت إشراف النائب العام،وقد شارك 60 محققا في كشف لغز مقتل رئيس
دير أنبا مقار،وقد تم التحقيق مع كل الرهبان والعاملين بالدير،ووضع الأمن سياج أمنياً على الدير،وما بين 29 يوليو وحتى 11 أغسطس 2018م أستطاع فريق التحقيق برئاسة اللواء محمد هندى مدير المباحث، والعميد عبدالغفار الديب رئيس المباحث الجنائية، والعقيد عبدالقوى عمرو رئيس فرع البحث الجنائى، وبعض ضباط فرع الأمن الوطنى والأمن العام ومباحث وادى النطرون بإشراف اللواء جمال الرشيدى مدير أمن البحيرة،حيث توصلوا إلى أن وراء ارتكاب الجريمة كل من الراهب المشلوح أشعياء المقارى (34) عاماً، واسمه العلماني "وائل سعد تاضروس" الذى تم تجريده من الرهبنة والإعلان عن عودته لاسمه المدنى، بمساعدة صديقه الراهب "فلتاؤس المقارى" الذى حاول الانتحار بقطع شرايينه عقب القبض على أشعياء (وائل سعد تاضروس) واعترافه وإرشاده إلى إداة الجريمة،وفي فجر صباح يوم السبت الموافق 11 أغسطس 2018م قام وأئل بتمثيل الجريمة أمام فريق التحقيق ولفيف من رهبان الدير،ومن الجدير بالذكر عندما شاهده رهبان الدير وائل يمثل وقائع الجريمة دخلوا في نوبة بكاء شديد،لأنهم لم يتوقعوا أن أحد أنباء
دير أنبا مقار يقتل رئايسه.
وهنا لابد أن نسجل للتاريخ أن ظاهرة قتل الأنبا إبيفانيوس رئيس
دير أنبا مقار على يد أحد رهبانه "وأئل سعد تواضروس" هي الأولى في تاريخ الأديرة القبطية،صحيح أن التاريخ سجل لنا العديد من حالات قتل الأساقفة،ولكن في كل هذه الحالات لم تكشف التحقيقات الجاني،وبحكم خبرتي في وثائق الأديرة لم نجد وثيقة واحدة تشير إلى حالة قتل حدثت بالأديرة القبطية الأرثوذكسية منذ نشأة الرهبنة القبطية وحتى كتابة هذه السطور،ولذلك تعد حادثة
دير أنبا مقار هي الأولي في تاريخ الأديرة المصرية.
هنا لابد أن نسجل الدوافع التى دفعت المتهمين من التخلص من الأنبا إبيفانيوس رئيس
دير أنبا مقار،حيث كشفت تحريات المباحث وتحقيقات النيابة حسب ما ذكره موقع"البوابة نيوز" قيام المتهم وأئل سعد تواضروس "أشعياء المقارى" بالاتفاق مع المتهم الثانى "فلتاؤس المقاري" بقتل رئيس الدير، بعد أن تفاقمت بينهما حدة الخلافات حول عدم الطاعة، والإلتزام بقواعد وقوانين الحياة الرهبانية،كما قام أوائل بإنشاء جروب على الواتس جمع 33 راهبًا من داخل الدير قاموا من خلاله بمهاجمة سياسة رئيس الدير المجنى عليه، وذلك بمخالفة القوانين الرهبانية.وعندما لم يجدا ردا من الشهيد إبيفانيوس على مطالبهما، اتفقا على التخلص منه، حيث قام أشعياء بتجهيز ماسورة حديد مجوفة طولها حوالى 90 سنتيمترا وزنت 2 كيلومتر وتربصا به أمام القلاية الخاصة به ليلا أثناء خروجه للصلاة بالدير، حيث باغته أشعياء بالضرب على رأسه 3 ضربات متتالية أودت بحياته.وأشار وائل فى اعترافاته إلى قيام فلتاؤس بمراقبة الطريق ومكان الواقعة، حتى لا يشاهدهما أحد من الرهبان.وكشفت التحقيقات أن الراهب المتهم الأول فى الواقعة أشعياء المقارى تخلص من المجنى عليه الأنبا إبيفانيوس رئيس الدير، انتقامًا منه لاعتياده التقدم ضده بشكاوى للجنة شئون الأديرة فى الكنيسة القبطية عن مخالفاته والتى تم رفعها إلى البابا تواضروس، وتم التحقيق معه.كما اعترف المتهم أنه سبق وصدر قرار بإبعاده عن الدير لمدة 3 سنوات، ولكن مجموعة من رهبان ديره وقعوا على التماس طلبوا خلاله العفو عنه والإبقاء عليه بالدير وتعهدوا بمساعدته على تغيير مسلكه الخاطئ. وقدموا الالتماس وقتها لرئيس الدير نيافة الأنبا إبيفانيوس الذى رفع الالتماس بدوره لقداسة البابا مشفوعا بتوسل منه لقداسة البابا بقبول الالتماس.
علينا هنا أن نوجه الشكر والتقدير إلى كل فريق التحقيق والأمن العام،الذي إلتزم الصمت إعلامياً منذ يوم 29 يوليو 2018 وحتى يوم 11 أغسطس 2018م،حيث فرضت السرية التامة ولذلك نجح في التوصل للجاني"وائل سعد تواضروس" وشريكه.
وبالحقيقة نقول أن
دير أنبا مقار ببرية شيهيت هو أحد أهم الأديرة القبطية في مصر والعالم، فقد خرج لنا عبر تاريخيه المشرق الآف من الآباء والرهبان، ومن هذا الدير أيضًا تم رسامةالعديد من الأساقفة والبطاركة،وعلى يد شيوخه الرهبان تلقي العديد من راغبي الحياة الرهبانية دروسهم سواء من داخل مصر وخارجها،وأن أثق أن الله سوف ينظر إلى دموع رهبان
دير أنبا مقار ويعود الدير إلى مكانته الطبيعية ويتمتع بالهدوء والسلام..وهذا ما نتمناه.