الأقباط متحدون - من يحاسب الإنسان؟
  • ٠٢:٠٦
  • الأحد , ١٢ اغسطس ٢٠١٨
English version

من يحاسب الإنسان؟

مقالات مختارة | بقلم : عماد جاد

٠١: ٠٧ م +02:00 EET

الأحد ١٢ اغسطس ٢٠١٨

عماد جاد
عماد جاد

 خرجت أوروبا من عصور الظلام عبر حسم عدد من القضايا الجوهرية، على رأسها قضية علاقة الدين بالدولة أو السياسة، فقد عانت القارة الأوروبية من التداخل بين الدين والدولة ومن تديين المجال العام وأيضا السياسة الخارجية، فقد تحالف الحاكم، الملك أو القيصر، مع رجال الدين، ومنحهم السلطات الكاملة على الإنسان فى كل ما يخص عقائده ومعتقداته وكل ما يتصورون أنه يخص علاقة الإنسان بالله، فهم خلفاء الله على الأرض من يدينونه يصبح مدانا ومنبوذا ومن يخلصونه أو يمنحونه صكا لصلاح يصبح مخلصا.

 
بل كانت صكوك الغفران تباع من قبل رجال الدين، وإضافة عليها أيضا قطع من الجنة، فقد كانوا يصدرون حكم البراءة أو الإدانة على الإنسان، وكان لهم فى كثير من الأحيان إصدار الأحكام وتنفيذها، مثل الحكم على جاليليو بالموت حرقا، لأنه قال بكروية الأرض وإنها تدور حول الشمس. فى مقابل ذلك كانوا يبررون للحاكم كل أفعاله وقراراته، بل ويوافقون على نزواته وشهواته، كانت لديهم المبررات لتدجين الشعوب وإقناعهم بالخضوع للحاكم وتقبل قراراته واستخرج آيات من الإنجيل تبرر للحاكم ما يفعل ويقرر، حتى أطلق ماركس مقولته الشهيرة فى هذا المجال، حينما قال إن «الدين أفيون الشعوب» أى يستخدمه رجال الدين لتخدير الشعوب ومنعها من الغضب والثورة على ظلم الحاكم.
 
خرجت أوروبا من عصور الظلام حينما كسرت هذه المعادلة وخرجت عليها، حينما فصلت بين الدين والدولة أو السياسة، وتوقفت عن تديين المجال العام وأيضا السياسة الخارجية. أبرمت الشعوب عقودا اجتماعية تمثلت فى الدستور، أقرت بأن الشعب هو مصدر السيادة، ومن ثم السلطة والتشريع، جعلت الحاكم موظفا عاما لدى الشعب، مكلفا بوظيفة محددة، إن أجاد أمكن التجديد له لفترات محددة دستوريا ووفق طبيعة النظم السياسية من برلمانى أو رئاسى أو مختلط، حدد السلطات فى ثلاث، واحدة لتشريع القوانين وثانية للتطبيق وثالثة للتنفيذ ووضع توازن دقيق بينها على النحو الذى يضمن حسن أداء المهام. وأعطى لهذه السلطات حق ممارسة السلطة والاستخدام المقنن للقوة وفق القانون، ومن ثم فإن التعامل مع المواطن ومحاسبته يكون وفقا لقواعد القانون ولا يجوز الخروج عليها.
 
وخرجت أوروبا من عصور الظلام بعد الفصل بين الدين والسياسة وعاد رجال الدين إلى ممارسة دور روحى لا إلزام ولا إكراه فيه، ولا علاقة لهم بالمجال العام من قريب أو بعيد، لا حق لهم فى إجبار الإنسان على اتباع ديانة أو طائفة معينة ولا سلطة لهم على ضمير المواطن، ولا حق للدولة فى تفضيل ديانة أو طائفة على أخرى، بل تقف على مسافة واحدة من كافة الأديان والعقائد والمعتقدات، ليس من وظيفتها مساعدة الإنسان على دخول الجنة حسب معتقدها، بل هذا أمر متروك لعلاقة الفرد بخالقه وليس من حق الدولة ولا رجل الدين التدخل فى هذه العلاقة.
 
تكشف تجارب شعوب العالم عن أنه لا ديمقراطية دون فصل الدين عن الدولة ولا تطور وتقدم دون ديمقراطية، السؤال هنا: أين نحن من كل ذلك؟ هل هناك رغبة وإرادة حقيقية فى بدء عملية التطور والنهضة؟ يمكن البدء بسن قانون يجرم محاسبة الإنسان من قبل الإنسان على سلوكه الأخلاقى، الروحى، علاقته بالخالق، ومآله بعد الموت، فهذه أمور تخص الخالق وحده لا دخل للإنسان مهما كان موقعه فيها، وتجريم المساس بالعقائد والمعتقدات كما يراها المؤمنون بها والتوقف عن الحكم على عقائد ومعتقدات الغير من أرضية ذاتية أو حسب المعتقد الذاتى.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع