الأقباط متحدون - استمتع بجمال الحاضر
  • ٠١:٤٥
  • الثلاثاء , ١٤ اغسطس ٢٠١٨
English version

استمتع بجمال الحاضر

مقالات مختارة | القس رفعت فكرى

٥٨: ٠٤ م +02:00 EET

الثلاثاء ١٤ اغسطس ٢٠١٨

القس رفعت فكرى
القس رفعت فكرى

فى صباح يوم بارد، وقف رجل فى إحدى محطات المترو فى العاصمة الأمريكية واشنطن.. وبدأ يعزف على الكمان مقاطع من أرقى مقطوعات العبقرى «باخ» لمدة ٤٥ دقيقة، و«لأنها ساعة الذروة» فقد مرّ به حوالى ١١٠٠ شخص معظمهم فى طريقهم إلى العمل.

بعد ٣ دقائق من بدء العزف.. أبطأ رجل فى سيره ثم توقف لبضع ثوانٍ ليستمع للموسيقى.. ثم أسرع فى طريقه، بعدها بدقيقة تلقی عازف الكمان الدولار الأول من امرأة ألقت له المال دون أن تتوقف وواصلت السير.

طفل عمره حوالى ٣ سنوات هو من أظهر أكبر قدر من الاهتمام.. كانت والدته تحثه علی السير لكنه توقف لإلقاء نظرة على عازف الكمان، وأخيرًا واصل الطفل المشى، ملتفتًا برأسه طوال الوقت.. وتكرر هذا الأمر مع العديد من الأطفال.

جميع الأطفال دون استثناء حاولوا التوقف والاستماع.. وجميع أولياء الأمور أجبروا أطفالهم على مواصلة السير.

وخلال ٤٥ دقيقة من عزف الموسيقى.. لم يتوقف ويستمع لمدة من الوقت سوى ٦ أشخاص، وقدم ٢٠ فقط ممن مروا المال للعازف.. ثم واصلوا السير، كانت نهاية ٤٥ دقيقة من العزف مبلغ ٣٢ دولارًا.

عندما أنهى العزف وعمّ الصمت.. لم يلاحظ ذلك أحد. ولم يصفق أحد!، لم يلاحظ أحد أن عازف الكمان هو «جوشو بيل»، واحد من أكبر وأشهر الموسيقيين الموهوبين فى العالم. وأنه عزف مجموعة من القطع الموسيقية الأكثر تعقيدًا. وأنه يعزف علی كمان قيمته ٣.٥ مليون دولار. وأنه قبل يومين من عزفه فى المترو.. بيعت تذكرة حفلته بأحد مسارح بوسطن بمتوسط «١٠٠ دولار».

كان عزف «جوشو بيل» فى محطة المترو ضمن تجربة نظمتها جريدة «واشنطن بوست»، كدراسة اجتماعية حول الإدراك وأولويات البشر.

كانت الفكرة الأساسية هى:
- هل ندرك الجمال فى جو غير مناسب وساعة غير مناسبة؟
- هل نتوقف لنقدره؟
- هل نتعرف على الموهبة فى سياق غير متوقع؟

أحد استنتاجات هذه التجربة هو: إذا لم تكن لدينا لحظة لنتوقف ونستمع لواحد من أفضل الموسيقيين فى العالم يعزف أفضل موسيقى كُتبت لآلة الكمان.. فكم من الأشياء حولنا أثناء مسيرة الحياة تفوتنا.. ونحن لم نستمتع بها؟

وكم تغرنا أحيانًا المظاهر.. فَنُقدر أشياء ونعتبرها جميلة فقط لمجرد أن الناس تراها جميلة. ونتجاهل أشياءً أخرى على الرغم من عظمتها وروعتها. فهل نتعلم أن نستمتع بما حولنا فى اللحظة الراهنة قبل فوات الأوان؟!
نقلا عن الدستور

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع