كيف تحول الحجاب لأداة سياسية بيد الجماعات المتشددة؟
أخبار مصرية | سكاي نيوز عربية
الثلاثاء ١٤ اغسطس ٢٠١٨
بين التحرر والقمع والعبادة والعادة وحماية المرأة أو طمس هويتها، كانت رحلة قطعة من القماش أخذت دورا كبيرا في تاريخ المنطقة العربية والشرق الأوسط، حتى أصبحت موضع استغلال ومثار جدل، وابتعدت كثيرا عن رمزيتها وهدفها.
وعبر هذا المسار، تحول الحجاب إلى لعبة بيد التيارات المتطرفة والمتشددة في المنطقة، تستخدمها عند الحاجة، وبات أحد أقوى وأكثر الطرق للوصول للجماهير والتأثير عليهم، ومؤشرا على تأييد الشارع.
ومؤخرا، وصف بعض الراصدين للتحولات الاجتماعية في العالم العربي على مدار 5 عقود مضت، الحجاب بـ"الظاهرة المستوردة"، التي أثارت الجدل والانقسامات.
ومن إيشارب إلى برقع مرورا بالطرحة والشادور، اتخذ الحجاب في المنطقة أشكالا عدة، ليعكس كل شكل مرحلة لعبت فيها التطورات السياسية دورا مهما، حتى فرضت تأثيرها على أكثر العلاقات خصوصية بين الإنسان وربه.
اتخذ الحجاب في المنطقة أشكالا عدة
"أدبيات" إخوانية
بعد ثورة 23 يوليو عام 1952، واجه الرئيس جمال عبد الناصر معارضة شرسة من تنظيم الإخوان، التي كانت تعترض على طريقته في الحكم، وبدأ عناصر الجماعة في إملاء مطالبهم لكي يوافقوا على الوئام مع مصر الثورة.
وكانت المفاجأة طلب مرشدهم آنذاك حسن الهضيبي، بأن يصدر عبد الناصر قرارا بجعل الحجاب إلزاميا على كل فتاة وسيدة مصرية.
لكن رد عبد الناصر كان قويا وحاسما، حين قال في إحدى خطبه الجماهيرية: "يطلبون فرض الحجاب على 10 ملايين فتاة وسيدة في مصر، بينما المرشد لم يستطع أن يجبر ابنته على ارتدائه".
إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه: ماذا يفيد أو يضر الإخوان بمسألة شخصية تتعلق بارتداء الحجاب من عدمه، طالما اختاروا العمل السياسي عوضا عن الدعوي؟
يقول أستاذ علم الاجتماعي السياسي بالجامعة الكندية في القاهرة سعيد صادق، لموقع "سكاي نيوز عربية": "(الإخوان) كانوا ينظرون إليه (إلزام الحجاب) باعتباره نوعا من فرض السيطرة، التي تبدأ بالمرأة الخاضعة للرجل والمطيعة لتوجيهاته والمؤثرة في تكوين الأسرة".
ويعكس هذا النوع من الإملاءات قدرة تيارات الإسلام السياسي على التلقين، واجتذاب أعضاء جدد "تسمع وتطيع" وتقتنع بأعرافها الاجتماعية، تمهيدا لتنفيذ قرارات ذات منحى آخر.
إذا، هي مسألة "أدبيات" ابتدعها المؤسس حسن البنا، وطبقها الإخوان بالحرف، لكنهم في فترة لاحقة سيجدونها "وسيلة" من أجل الوصول لـ"غايتهم".
ففي عام 1967، اتخذت جماعة الإخوان الإرهابية "النكسة" أمام إسرائيل، ذريعة لفرض أفكارها على الساحة المصرية، وخصصت عبر جمعياتها النسوية، خطابا موجها لنشر أفكارهم، وكانت أبرز الوجوه المنوطة بأدلجة النساء زينب الغزالي.
وفي الجامعات، ضجت الكليات بعدد كبير من الشباب والشابات بعد قرارات مجانية التعليم وتكافؤ الفرص بين الأغنياء والفقراء، ولم يضيع الإخوان هذه الفرصة لكسب طبقة شعبية جديدة.
وفي مقطع مصور قديم انتشر مؤخرا، يحكي عصام العريان أحد أبرز قادة الجماعة المسجون حاليا، عن قصته وهو طالب يمثل الإخوان في كلية الطب، وكيف أن "ممارستهم لنشاطهم" ساهمت في انتشار الحجاب بعدما كانت طالبة واحدة فقط هي من ترتديه في دفعته.
وحينها كان شكل الحجاب في مصر مختلفا عما هو عليه الآن، حيث لم تنتشر محال لبيعه، ويقول العريان إنهم لجئوا لأحد المصانع لتفصيل أقمشة اشتروها من المنطقة الحرة ببورسعيد. ثم انتشر "الإيشارب" و"الطرحة".
شكل الحجاب في مصر في التسعينات
ويرصد أستاذ علم الاجتماعي السياسي هذا التحول، بقوله: "هنا اتخذ الحجاب بعدا اجتماعيا واقتصاديا"، خاصة في صعيد مصر والمناطق الشعبية.
ففي هذه المناطق توغل الإخوان، وأصبح وجودهم الأقوى والأكثر تأثيرا في مجتمع تعد الأمية فيه من المشاكل التي تعوق برامج الدولة للتنمية والإصلاح.
ويمكن استنتاج التأثير الاجتماعي للإخوان، بالنظر إلى انتعاش المؤسسات التابعة لهم، لا سيما مدارسهم الخاصة، بعدما قرر الرئيس الراحل محمد أنور السادات إخراجهم من السجون، لمواجهة اليساريين.
ولعبت هذه النوعية من المدارس والجمعيات النسائية دورا في عملية "تلقين سياسي" تحقق "غايات" الإخوان في كسب طبقة شعبية واسعة، أصبح فيها الحجاب "وسيلة" اجتماعية تواجه من تخلعه أو لا ترتديه مضايقات أو تعليقات تتطاول على "قرارها الشخصي" في الأساس.
"دومينو" الخميني
وبينما تشتد المواجهة بين اليساريين والتيارات المتشددة في مصر، استيقظت المنطقة على كابوس سرقة الملالي لثورة 1979 في إيران.
وقبل تصدرهم للمشهد، كانت المرأة في إيران تخطو بثقة نحو مزيد من الحقوق والمساواة، لكن الخميني الذي نصب نفسه مرشدا أعلى لـ"الثورة الإيرانية" أعلن حربا شعواء على كل مظاهر الانفتاح والتحرر، وأسس منهجا نظرت إليه التيارات الأصولية في المنطقة باعتباره النموذج الأمثل للتطبيق.
وبدلا من أن يستهل حكمه بقرارات تنتصر للثورة ومطالبها الاقتصادية في الأساس، ألزم الخميني النساء بارتداء ملابس فضفاضة، على أن يكون الحجاب (الشادور) جزءا منها.
وبطبيعة الحال، غلب "تأثير الدومينو" لأسلوب الخميني في الحكم على دول المنطقة، وبلغ طموح تيارات الإسلام السياسي في مصر منتهاه، وأمعن الإخوان في استغلال الدين في حملاتهم الانتخابية البرلمانية والنقابية، وتحول الحجاب إلى ضحية ليصبح مجرد أداة في نشر أيدولوجية سياسية.
الشادور في إيران
كما استغلت تيارات الإسلام السياسي بعض الفنانات اللاتي تحجبن، كنوع من الدعاية السياسة لها، بحسب ما قاله أستاذ علم الاجتماع السياسي سعيد صادق.
وفي مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير 2011، أصبح ارتداء الحجاب أمرا سياسيا، وفقا لصادق، حيث ازدادت حدة الاستقطابات السياسية.
وتجلت الحاجة لاستغلال الحجاب في مظاهرات 30 يونيو 2013، عندما قابلت الجماعة بمؤيديها وداعميها وأذرعها الإعلامية الملايين المطالبين بتنحي الرئيس الأسبق محمد مرسي، بادعاء إنهم كانوا سببا للسماح للمذيعات المحجبات بالعودة للظهور على شاشات التلفزيون، وكذا المضيفات المحجبات.
حلا شيحة أحدث من خلعت الحجاب
ومثلما لم تخل التظاهرات التي تشهدها إيران، منذ عامين، من خلع متظاهرات للحجاب في تحد للنظام الحاكم، كان الوضع مشابها في مصر إبان حكم الإخوان.
وتقول أستاذة العلوم السياسية في الجامعة الأميركية بالقاهرة نهى بكر، لـ"سكاي نيوز عربية": "صاحب حكم الإخوان في مصر خلع كثير من السيدات للحجاب، إما لأنهن لا يرغبن الانتساب للجماعة بأي شكل أو كرد فعل على القمع الذي مارسه الإخوان ومصادراتهم للحريات".
أما في لبنان، فقد نجحت إيران في إحداث تغيير كبير، حيث رصد معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني دعوة حزب الله، في عام 1985، إلى إقامة نظام مماثل للنظام الإيراني، عبر منهج ولاية الفقيه.
ويبدو أن حزب الله رفع من سقف تأثير "دومينو الخميني" بعد رفض فكرته شعبيا بسبب التعددية التي يتمتع بها لبنان، الأمر الذي يعد بمثابة مقياس على مدى قوته في الشارع، فأخذ يعيد حساباته وقرر الانطلاق اجتماعيا من "الحجاب".
وبحسب معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، فقد أطلقت ميليشيات حزب الله حملاتها لإقناع النساء بارتداء الحجاب في المناطق الخاضعة لسيطرتهم أولا.
بل وصل الأمر إلى إغراء النساء بالمال لارتداء الحجاب، أو ترويعهن كما حدث في مرات عدة، حيث تعرضت شابات غير محجبات للرمي بماء النار.