الأقباط متحدون - قراءة فى بيان اسقف
  • ٠٩:٢٤
  • السبت , ١٨ اغسطس ٢٠١٨
English version

قراءة فى بيان اسقف

كمال زاخر موسى

مساحة رأي

٤٧: ٠٤ م +02:00 EET

السبت ١٨ اغسطس ٢٠١٨

ارشيفية
ارشيفية

كمال زاخر
يبدو أن الدوائر التى صنعها سقوط حجر مقتل الأنبا ابيفانيوس فى مياه الكنيسة الساكنة ستظل تتوالى وتتسع وقد تكشف عما تمور به الأعماق وما تخبئه من أسرار، يحرص جميع الأطراف على أن تبقى بعيدة عن الأعين.

فمنذ رحيل قداسة البابا شنودة الثالث بشيبة صالحة، وقدوم قداسة البابا تواضروس الثانى وساحات التراشق الإجتماعى تشغى بصفحات مجهولة المصدر تنتمى لعصور منتهية الصلاحية، يعقدون مقارنات فاسدة بين القامتين، من ذهب ومن قدم، وخلف الستار من يمسك بخيوط الماريونيت يحركها ويمولها ويضبط ايقاعها، وهو أمر يمكن تفهمه لمن يحلل طبيعة الإنتقال من مرحلة متمايزة إلى مرحلة متباينة، كانت المرحلة السابقة استثنائية ممتدة لنحو نصف قرن يقودها شخصية استثنائية متفردة تملك خبرات سياسية ودينية وذاكرة حديدية، ومشوار طويل من المعاناة والاشتباك مع الحياة، كان شعاره "استطيع أن اغفر لكننى لا استطيع أن أنسى"، وهو شعار يفسر الكثير من مصادماته وأولوياته، وكان بارعاً فى اطروحاته وتواصله مع الشارع، والتأثير فيه وقيادته، ولعل هذا كان سر تصاعد المواجهة مع السادات والتى انتهت به خلف اسوار الدير متحفظاً عليه، وتكتمل الدراما برحيل الرئيس مغتالاً،

فيما كانت المرحلة اللاحقة تشهد متغيرات متلاحقة انتجتها ثورتين وارتباكات وصراعات حادة خارج اسوار الكنيسة، بينما داخلها تتشكل ملامح اشتباكات وتحالفات ممن كانوا قاب قوسين أو أدنى من موقع القيادة، فإذا بهم يجدون انفسهم فى مقاعد الوصيف، فقد قالت القرعة الهيكلية كلمتها وتتحطم عليها أحلامهم، فتنطلق الكتائب الإلكترونية تسعى زاحفة فى أحراش الكنيسة للإيقاع بالقادم الجديد، والذى كانت خبراته تقف على مشارف ايبارشيته النائية، وذهنيته العلمية المرتبة، ولم يكن له دراية بالمواءمات والتوازنات والتحالفات، فانطلق يعيد ترتيب البيت من الداخل حتى يساير الإنتقال من سياقات مجتمع ما بعد الثورة الصناعية برتابتها إلى معطيات تفرضها الثورة الرقمية والعالم الإفتراضى، الأمر الذى يستوجب الإنتقال من الإدارة بالفرد إلى الإدارة المؤسسية، لتزداد تخوفات من تشكلت واستقرت مصالحهم بامتداد سنوات وعقود من تحريكها وربما خسارتها، فيشكلون "لوبى" مقاوم بخبرات اكتسبوها وعلاقات تكونت فى الداخل والخارج.

تأتى جريمة مقتل اسقف الدير بمثابة الصدمة للشارع القبطى بل والمصرى، فقد انتلقت اخبارها فى لمح البصر بفعل آليات وإمكانات التواصل، وفيها تتأخر المعلومات فتتقدم التكهنات والحكايات والإشاعات، وتنشط الخلايا الإلكترونية والصفحات المجهولة المصدر والتى تحمل اسماء كنسية لافتة، لتستغل الواقعة فى مخطط خلخلة الكنيسة، على أمل أن يقفزوا مجدداً على الموقع الذى فقدوه، واللافت تدنى خطابهم وادواته واستقدام الفاظ لم تكن تستخدم إلا فى "خناقات قاع المدينة" فى مصادمة مع الآداب التى "كانت" تحكم الجدل فى الساحة المسيحية والكنسية. ويتأكد "أن ابناء هذا الدهر احكم من ابناء النور في جيلهم." وبعضهم إكتفوا بجهلهم.
وتتخذ الكنيسة اجراءات احترازية سريعة فى تحرك لحماية منظومة الرهبنة، وكانت اختباراً لما استقر فى ذهنية البابا ومجمع الأساقفة بالتحول من الفرد إلى المؤسسة، فتصدر القرارات من اللجنة المجمعية المختصة بالأديرة والرهبنة ويعتمدها البابا بصفته، ولم تعد "قرارات باباوية" تحمل رقماً مسلسلاً وسنة إصدار تنتسب لسنى حبريته.

ويخرج البابا عن صمته، وصدمته، فى اجتماع الأربعاء اللاحق بعظة اشبه بالبيان يعيد على الأسماع اركان ومحاور الرهبنة الأساسية، ويؤكد ثقة الكنيسة فى منظومتها باعتبارها مخزون الكنيسة اللاهوتى والطقسى والحياتى، ويؤكد على صلابة الكنيسة وصمودها فى مواجهة الأنواء، وخروجها منتصرة، ويبعث برسالة واضحة إلى الكتائب الالكترونية والصفحات المجهولة وداعميها، ويرد حماية الإيمان إلى صاحبه بغير منازع.

كانت حماية الإيمان واحدة من لافتات تلك الكتائب.

وكانت الرسالة واضحة وثقيلة .

وفى ذات السياق كانت واحدة من الفضائيات الكنسية تغطى احتفالات "مولد" العذراء الشهير بأسيوط، فإذا بها تقطع النقل وتنتقل إلى واحدة من ايبارشيات المنيا لتنقل صلوات العشية وكلمة اسقفها، ربما بما يشير إلى توافقات ما.

جاءت الكلمة مرتبة ومحتشدة بالآيات المساندة لمحاورها، وكانت اقرب إلى البيان منها إلى العظة، وكانت ملتزمة بما حملته الأوراق التى قُرأت منها، وانتهت باقتباس لحن كنسى أثير "أيها الرب إله القوات، ارجع واطلع من السماء، انظر وتعهد هذه الكرمة، اصلحها وثبتها، هذه التي غرستها يمينك." وهو لحن يوجز اللحظة الكنسية المعاشة.

اللافت أننا ـ عبر هذه العظة البيان ـ نلتقى للمرة الثالثة خلال ايام قليلة، بعد الكتيبة الالكترونية وكلمة البابا، بمن يتعرض لقضية "حماية الإيمان" ويؤكد على أنها مهمة ملقاة على عاتق الرسل وخلفائهم، وسيسألون عنها أمام الله، وهو فى هذا يلتقى مع ما ذهب اليه قداسة البابا، وربما يفسره ويوثقه، فقد اسند البابا حماية الإيمان إلى رب المجد باعتباره "رئيس الايمان ومكمله"، بينما مد الأسقف الخيط إلى وكلاء سرائر الله، لتبقى الإشكالية فيمن يغتصبون حق الوكلاء بغير سند. بل ويتطاولون عليهم وهم من اعطيت لهم هذه الخدمة الرسولية عبر تسلسل رسولى لم ينقطع، ويشككون فى قانونية الجالس على كرسى مار مرقس الرسول والتى جاءت بنفس الآلية التى جاءت بمن سبقه سواء قداسة البابا شنودة الثالث أو قداسة البابا كيرلس السادس، وما أظن أن التشكيك سيقف عند حدود البابا محل الهجوم منهم.

وقد حرص كاتب العظة -البيان- على أن يغازل الجهات الرسمية فقدم الدور الوطنى للكنيسة والإكليروس على محور الإيمان والعقائد المسيحية، وانتقل إلى الكهنوت الرسولى ورئاسته دون أن يشير الى موقع اسقف الاسكندرية المتقدم بين اخوته بحسب قوانين نيقية، وقدم الكليات والمعاهد الدينية على الرهبنة والتكريس، ولم يشر إلى الليتورجيا التى هى العمود الفقرى للكنيسة وسر بقائها.

ولعل هذا يذكرنا بالمحاضرة التى القاها الشهيد الأنبا ابيفانيوس رئيس دير انبا مقار في إكليريكية البابا شنودة بالنمسا - بفيينٌا، الأحد 25 فبراير 2018، "التمييِّز بين الهرطقة والرأي والعقيدة". والتى تكشف اختلالات كثير ممن يقودون حملات التشكيك فى اللحظة المعاشة ويجيدون خلط الأوراق.
::::::::::::
رابط فيديو محاضرة الأنبا ابيفانيوس

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع