الأقباط متحدون - وزير زاده الخيال!
  • ٠٩:٢٣
  • السبت , ١٨ اغسطس ٢٠١٨
English version

وزير زاده الخيال!

مقالات مختارة | بقلم : مفيد فوزي

٤٤: ١٠ م +02:00 EET

السبت ١٨ اغسطس ٢٠١٨

 مفيد فوزي
مفيد فوزي

 «١»

 
أتاح لى خالقى- عز وجل- أن أعرف وزراء حكومات لعهود خمسة، بعضهم عرفته بمصافحة اليد وبعضهم حاورته بقلمى وبعضهم حاورته أيام كان لى عدسة تكشف المسكوت عنه، وبعضهم لم أعرفه قط وبعضهم صادقته وظللنا أصدقاء بعد هيلمان المنصب. وأشهد أنى فى كل حواراتى- حتى مع وزراء الداخلية- كنت أحاورهم ومخالبى حاضرة ولم أواجه صدّاً ولا رفضاً لأن السؤال- برغم ما فيه من الشوك - كان يتكحل بالتهذيب الشديد، حتى إن وزير الداخلية الراحل زكى بدر اعترض على أحد أسئلتى قائلاً: «عامل لى فخ فى السؤال؟» ورفض وزير الخارجية كمال حسن على الإجابة عن سؤال: «هل الجهة السيادية تحكم مصر؟» وقال: سؤالك توجهه للقيادة السياسية! وحين سألت وزير التعليم حسين كامل بهاء الدين عن سور المدرسة الذى سقط على التلامذة، قال اسأل جهاز الأبنية التعليمية! وعندما أمسكت بيدى رغيف عيش بلا ملامح ومحشواً بقش ومسامير وقلت على الهواء.. هل هذا الرغيف على مائدة غذائك يا معالى وزير التموين؟ أجاب: عاوزنى أقدم استقالتى علشان رغيف مغشوش من فرن عديم الضمير! وعندما قلت لوزير التعليم العالى: أين يذهب الموهوبون الأوائل المرشحون كمعيدين فى الجامعة وهناك عورات فى اللائحة؟ قال- وكنا على الهواء- «اتفضل تعالى صلحها»! فقلت لفتاة قنا الناجحة: اشتغلى رقاصة! وأجابتنى بالدموع التى لم تفصح عن ردها! ولما قلت لوزير داخلية مصر المحترف حبيب العادلى: «إن عشوائية أمن الدولة فى القبض على الناس لا تبنى دولة»! فقال: «قبل الحكم على جهاز أمن الدولة لابد من التقييم» قلت متعمداً وكأنى لم أسمع جيداً: «التعتيم؟» عاد وقال بحزم: التقييم!.
 
«٢»
 
طول عمرى وحتى كتابة هذه السطور لا نعرف لماذا جاء هذا الوزير ولماذا خرج، وتجرأت مرة فى الطائرة الرئاسية وسألت مبارك: ما سر خروج معالى الوزير فلان، فأجاب ضاحكاً: خلى الطابق مستور! وفهمت أن دخول وخروج وزراء الحكومات سيناريوهات إلهية لا تخضع لأسئلة محاور يتعطش لمعرفة معايير الترشيح للمنصب و«الانصراف» منه! لذلك لم أعد أسأل وأترك للتكهنات أن تنشط وتفسر.
 
ولاحظت عند ميلاد جديد لحكومة أن الترشيحات التى تنشرها الصحف تضم أسماء أخرى لم يقابلها رئيس الحكومة، وفهمت أنها مطروحة- عمداً- لتلقى رأى عام بشأنها، ومرة قلت لرئيس الوزراء الفاضل أحمد نظيف: هل تنتظر «الموافقة» الأمنية على أصحاب المعالى المرشحين؟ انفعل بأدب وقال «ده حوار ولا تحقيق؟» قلت: أنا أستغل سعة صدرك وبقول «دى معلومات من حق المشاهد أن يعرفها»، رد- منحه الله الصحة- انت جاى وجايب مخالبك معاك؟! قلت: أنا محاور ولست محايداً وهذه أدواتى!.. اليوم لا تخفى الدولة أو تغفل رأى «الرقابة الإدارية» فى الترشيحات.
 
«٣»
 
بعض الوزراء يختار فى اللحظة الأولى المتحدث باسمه لتجميل صورته فى الإعلام! وزراء آخرون يختارون موظفى مكاتبهم الجدد، وأغلبهم سبق لهم التعامل مع معاليه، هناك وزير يلتقى بمدير الشؤون القانونية بالوزارة «علشان قانونية التوقيعات على الأوراق» وتجاربه السابقة، هناك وزير يسد أبواب الإعلام ويكتفى بنشرات الشؤون العامة، هناك وزير يردد عبارة «حسب رؤية القيادة السياسية» فى أى تصريح يدلى به، هناك وزير لا يأتى بسيرة من سبقه على أساس أنه فعل ماضى «نسيبه فى حاله»! هناك وزير ضحَّى بالراتب الكبير فى شركة أو بمنصب دولى ورحب بمنصب الوزير!.
 
هناك وزير قطع صلته بالإعلام لكى لا يهتز كرسى المنصب تحته، هناك وزير ينتظر رؤية القيادة السياسية لينطلق ولكن ليس قبل ذلك! هناك وزراء يهتمون بالألاجه والشو من مرافقين وشماشرجية يجرون أمامه وخلفه، هناك وزراء يقلدون الرئيس فى الكتابة فى مفكرة صغيرة بعض النقاط المهمة، والوزراء عادة يعبرون عن «اتجاه» الدولة دون زيادة أو نقصان ولكنى أجزم بأن الوزير المعين يدفن شعبيته إذا أراد البقاء وزيراً فى الحكومة. واستفادة الرئيس بجهود إبراهيم محلب وشريف إسماعيل هو رشد من قيادة سياسية تستثمر القدرة على العطاء، ولم نسمع عن وزير اختلف حضارياً مع رؤية القيادة السياسية وهذا «غير صحيح».
 
«٤»
 
أبحث طول عمرى عن وزير زاده الخيال، يغوص ويفكر حتى فى فضاء المستحيل! يحلم بالقفز فى الممكن مهما كان عمق البحيرة، وزير لا ينتظر تصريحات الرئيس وهو الذى يطالب بالتفكير الخلاق، رأيت الرئيس مرة على شاشة التليفزيون يقول لوزير مهم: «تفكير قديم» وصفقت للسيسى، لأن الرؤية المستقبلية تسكنه، أبحث عن وزير يفكر خارج الصندوق فالدولة «كفنت» التقليدية فى الأداء، وما بقاء فاروق حسنى زمناً غير مسبوق كوزير للثقافة إلا لأنه مجنون الموسيقار فاجنر، عاشق الأثر المصرى صاحب فكرة المتحف الكبير والمتاحف وفك وتركيب أعمدة الأقصر وترميم أبوالهول وتركيب معبد كلابشة وصاحب فكرة نفق الأزهر فى حضور السلطان قابوس ومتحف الحضارة بالفسطاط وشارع المعز وإنارة البر الغربى للأقصر. كان هو صاحب الرؤية السبَّاقة يعرضها على القيادة السياسية فتستجيب. أبحث عن وزير له قدر من الخيال يعبر اللحظة الآنية وخطوط الطباشير المانعة والخطوط الحمراء الوهمية، وأبحث عن وزير لا يخشى التفكير المستقبلى، لأن هذا يعرضه للإقالة أو الاستقالة المسببة، لقد قال «لى كوان يو» صاحب المعجزة السنغافورية «عقلى وحده لا يبنى سنغافورة» ومهاتير محمد قال: «لست الذهن الأوحد، إن بينكم من يتجاوز خياله.. خيالى»!
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع