هكذا شكَّل البحر المتوسط الخيال البريطاني
منوعات | إيلاف
الاربعاء ٢٢ اغسطس ٢٠١٨
حاول الكاتب روبرت هولاند في كتابه الجديد "الجنوب الدافئ: كيف شَكَّل البحر الأبيض المتوسط الخيال البريطاني" أن يستكشف الطريقة التي أسرت بها منطقة جنوب أوروبا قلوب وعقول الإنكليز.
إيلاف: يمكن القول إن الأجواء الدافئة في منطقة جنوب أوروبا خلال الموجة الحارة الأخيرة كانت تجربة غريبة، لأن الشيء الوحيد الذي لم يركز عليه هولاند بشأن ولع بريطانيا الثقافي بالمناخ الجنوبي هو الطقس، فضلًا عن حقيقة رخص الأسعار هناك، وهو الأمر المعروف منذ مئات السنين.
مختبر نضالات
اتضح أنهما العاملين اللذين يدفعان بكثيرين إلى قضاء عطلاتهم في دول جنوب القارة العجوز، حيث الطقس المميّز والحياة منخفضة التكاليف، غير أن هولاند تناول المسألة من منظور مختلف، حيث بدأ بالحديث عن واقعة حرق جثة الشاعر الإنكليزي، بيرسي شيلي، على الشاطئ في مدينة فياريجيو الإيطالية، وهي الواقعة التي وصفها هولاند بأنها كانت لحظة متقاربة في تاريخ اللقاء الثقافي الأنغلو- متوسطي.
كما سعى هولاند في كتابه إلى تأكيد فكرة أن البحر الأبيض المتوسط لطالما قدَّّم نفسه كمختبر للنضالات الأيديولوجية، السياسية والثقافية داخل بريطانيا. وتوالت الزيارات على إيطاليا، ثم صقلية، فاليونان، وأخيرًا إسبانيا. وقبل نهاية الكتاب، ظهرت منطقة جنوب فرنسا باعتبارها من مناطق الجنوب التي تحوّلت إلى مقصد للإنكليز.
ما حرص هولاند على إبرازه في الوقت نفسه هو إظهار حقيقة أن البحر الأبيض المتوسط كان يعني أشياء مختلفة في أوقات مختلفة، كما تحدث هولاند بفخر عن أن السبب وراء اتسام منطقة الجنوب بتلك الحيوية والانطلاق هو وجود حالة من انعدام الأمن الثقافي، التي استمرت حتى عندما بدأت الإمبراطورية البريطانية في السيطرة.
وبينما تواصلت التقاليد الثرية الخاصة بالفن الديني في القارة الأوروبية من دون انقطاع، فقد تمزق تراث بريطانيا الفني نتيجة الإصلاح، وهو ما أجبر أجيال متعاقبة من الفنانين على النزوح إلى الجنوب، لكي يتعلموا الكثير والكثير من نبع عصر النهضة.
رعب بروتستانتي
أدت الكاثوليكية في جنوب أوروبا مرارًا وتكرارًا إلى ظهور ما أسماه هولاند "الرعب البروتستانتي"، كما أدى تزايد مناهضة الكهنوتية في أعقاب توحيد إيطاليا إلى إرباك الحساسيات البروتستانتية بشكل متناقض.
واهتم هولاند في سياق فصول الكتاب بتذكيرنا أن إيطاليا واليونان كانتا دول العقل والفكر، وختم بقوله إنه وبعيدًا عن أن خطوة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تمثل لحظة ثقة وطنية بالنفس، فهي علامة دالة على تبجح غير آمن وعلامة على أكثر الطرق المسدودة كآبة.