الأقباط متحدون - مصافحة تمنع الجنسية أم أمراض تطرف جنسية؟
  • ٠٧:٢٦
  • الخميس , ٢٣ اغسطس ٢٠١٨
English version

مصافحة تمنع الجنسية أم أمراض تطرف جنسية؟

مقالات مختارة | بقلم: مالك العثامنة

٤٩: ٠١ م +02:00 EET

الخميس ٢٣ اغسطس ٢٠١٨

سيدة منقبة في سويسرا
سيدة منقبة في سويسرا

الخبر المتداول "قصا ولصقا" على أغلب مواقع الأخبار العربية، يبدأ بما فحواه أن السلطات السويسرية منعت الجنسية عن عائلة "من أصل سوري"، رب الأسرة فيها "إمام مسجد" لأن الزوجين ـ حسب الخبر ـ يرفضان مصافحة الجنس الآخر على أسس دينية!

لا يذكر الخبر تفاصيل، ولا يكشف أكثر مما ورد فيه بانتقاء مستفز للقارئ أيا كان توجهه!

لكن، في البحث أكثر في مواقع إخبارية "غير عربية" أو ناطقة بالعربية مثل "الحرة" نجد القصة مختلفة في التفاصيل التي توضح وجهة النظر السويسرية، ليصبح الخبر أن شرط الاندماج في المجتمع، وهو شرط مسبق ومعلن لطالبي الجنسية، لم يتحقق لدى تلك الأسرة الرافضة للاندماج، فتم منعها من استكمال متطلبات الحصول على الجنسية (ولم يتم طردها أو المساس بإقامتها) مع إعطائها حق الاستئناف والاعتراض على القرار الرسمي السويسري!

    المساواة بين الجنسين في سويسرا قيمة اجتماعية ثابتة
يبدو أن العائلة الرافضة للاندماج، قصتها قديمة مع سويسرا، فحسب ما بحثت في الأخبار بدأت الحكاية عام 2016، حيث فرضت السلطات السويسرية على لاجئيْن سوريين مسلمين يدرسان في بلدة ثيرويل شمالي سويسرا غرامة تصل إلى 5000 فرنك سويسري (حوالي 5050 دولار أميركي) في حال استمرار امتناعهما من مصافحة مدرستهما وفق جري العادة والعرف في المجتمع السويسري.

لم تأت الغرامة حكما من فراغ، بل سبقها جدل واسع عصف به الرأي العام السويسري، بين معارض ومؤيد، وتدخلت منظمات إسلامية تحاول تصوير الأمر على أنه اضطهاد للمسلمين. نحن هنا لا نتحدث عن أكثر من مصافحة وهي تقليد اجتماعي محترم يمارسه السويسريون، مثل تلامس الأنوف في الخليج العربي. مع فارق أن المساواة بين الجنسين في سويسرا قيمة اجتماعية ثابتة، فالمصافحات تشمل الجنسين، ولا تحمل تفسيرا أكثر من عادات مهذبة في التواصل الاجتماعي.

تلك الحكاية منذ عام 2016، يبدو أنها تطورت في الأروقة الرسمية بين أخذ ورد ونظر في القضية لتصل السلطات هناك إلى قرار مفاده أن العائلة لا ترتقي إلى مستوى الحصول على المواطنة السويسرية. هذا منطقي جدا، أمام شيخ دين و"ما ملكت يمينه" من زوجات وأبناء، متعنت ومتشدد في موضوع الاندماج إلى حد رفضه المصافحة بين الجنسين في مجتمع احتواه وحماه ومنحه فرص متعددة لحياة جديدة.

تلك القصص حقيقية، ومتكررة بأكثر من صيغة. هناك نماذج نراها بشكل شبه يومي في مهاجرنا الأوروبية أغلبها من العالم العربي ـ الإسلامي بمشرقه ومغربه، من قادمين ووافدين أو لاجئين، يبحثون في عالم الحريات ودول المؤسسات والقانون عن عدالة اجتماعية وقانونية توفر لهم عيشا كريما، لكنهم في نفس الوقت يرفضون الاندماج المجتمعي بحدوده الدنيا مع الأوطان الجديدة، رافضين "الآخر" الذي لم يعاملهم منذ البداية "كآخرين" أصلا!

من تلك الحكايا، ذلك "الجزار" البلجيكي من أصل عربي في بروكسل، الذي يلبس ثوبا قصيرا في عمله ويترك حذاءه في المحل وحين سؤاله عن قصر ثوبه، يقول إن أرض هذه البلاد نجسة إلى أن تقوم الدولة الإسلامية عليها فتتطهر من رجسها.

تحايل هذا الرجل، بطريقة ما، على الدولة في عملية الاندماج المطلوبة للحصول على الجنسية، وبقي يحمل أفكاره المتطرفة والإقصائية حاملا ساطوره وهو يقطع اللحم.

♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦♦

المؤسف أكثر من تلك الحالات، هو ما يرد من تعليقات بالآلاف على المنصات الناقلة للخبر، إعلامية أو تواصلية، حيث تحمل تلك التعليقات "الألفية" بغالبيتها تأييدا لرافض الاندماج والمصافحة بين الجنسين، بل وتحمل بعض التعليقات أراء قريبة من رأي الجزار المذكور أعلاه، بأن "فتح أوروبا" قريب، أو تعليقات تفذلك بمبالغات فانتازية مريضة وتعتقد أن أوروبا تفرض الإباحية الجنسية شرطا للحصول على الجنسية!

    الإمام الرافض للمصافحة، يرفض التنوع الذي منحه المأوى الآمن والملجأ الكريم

طبعا، من نافل القول والشرح، وجود فئات وكتل اجتماعية محافظة في أوروبا، كما فيها كتل مقابلة متحررة. تتفاوت نسب المحافظة والتحرر في كل جهة في مجتمعات متنوعة تقبل الآخر، ولا تلغيه، وتتداعى في ذلك التعدد المجتمعي الآراء والأفكار لتشكل في حال نضوجها المجتمعي والفكري تيارا قد يتطور إلى تشريع أو قانون حسب قانون الأغلبية واحترامها للأقلية.

لكن، الإمام الرافض للمصافحة، والذي ينقل لأولاده التشوه الفكري الذي ورثه من ثقافات صحراوية لا تمت أصلا لبلاد الشام بأي صلة، يرفض كل هذا التنوع الذي منحه المأوى الآمن والملجأ الكريم، ويريد ـ حسب موروثه المشوه لا الأصيل ـ أن ينشئ من أعقابه جيلا آخر من العتمة والتشدد والتطرف.

نعم، أنا أيضا مهاجر، ومن حقي أن أخاف على مستقبلي ومستقبل أولادي من هؤلاء المنغلقين على عتمتهم وجهلهم، كما أن من حقي أن أكون محافظا أيضا في أفكاري وقيمي أمام موجة تطرف التحرر وطفرة الليبرالية الاجتماعية العاصفة بالعالم، ومثلي مثل غيري لا أريد أن أعيش إلا ضمن إنسانيتي.. لا أكثر، ولا أقل، وسأحارب وأكافح كل تطرف بالقانون، وضمن دولة المؤسسات.
نقلا عن الحرة

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع