التنوير بالبلدى
مقالات مختارة | منى أبوسنة
السبت ٢٥ اغسطس ٢٠١٨
عنوان هذا المقال فى حاجة إلى توضيح، فى سلسلة مقالاته تحت عنوان رؤيتى للقرن الواحد والعشرين كتب دكتور مراد وهبة مقالا بعنوان «قليل من الفلسفة يصلح العقل»، الذى نشر بجريدة الأهرام بتاريخ ١٠/٧/٢٠١٨، و فى هذا المقال يطرح الفيلسوف مراد وهبة فكرة جديرة بالتأمل والتنفيذ، حيث يتساءل: «ماذا لو انتقل تاريخ الفكر الفلسفى إلى القنوات الفضائية ومشاهديها وهم بالملايين؟ تحدث ثورة فى العقل فى المقام الأول وتكمن فى الهزة التى تصاب بها الجماهير، وهى تنصت إلى لغة غير مألوفة وتريد أن تحيلها إلى لغة مفهومة.
وهنا يأتى دور المحاور مع الفيلسوف عندما يكون قادراً على إعادة لغة الفيلسوف ولكن بألفاظ مفهومة. وإذا حدث ذلك فلن يكون أمام الجمهور سوى محاولة تمثل الفكرة الفلسفية وإثارتها عند اللزوم مع آخرين. ومن هنا تنشأ سيولة الفكرة وسهولة تغلغلها فى عقل الجمهور».
وأنا هنا أقوم بوظيفة المحاور التى دعا إليها الفيلسوف كوسيط بين الفكر الفلسفى بلغته المعقدة وبين لغة الجماهير، مما يستلزم تحويل اللغة الفلسفية المعقدة إلى لغة شعبية يسهل فهمها وتمثلها من قبل الجماهير.
وحيث إننى فى مقال سابق نشر فى «المصرى اليوم» بعنوان «فكر الحياة.. وتنوير الشباب» بتاريخ ١٨ أغسطس الجارى، كنت قد دعوت إلى أن تتبنى الدولة ثقافة التنوير وتجعلها جزءا لا يتجزأ من سياستها فى شتى مجالات المجتمع بمؤسساته، كما دعوت أيضا إلى ضرورة تحويل مضمون ثقافة التنوير أو بالأدق خطاب التنوير من خطاب فلسفى خاص بالنخبة إلى لغة جماهيرية تتواصل مع لغة الشارع، فإننى أبدأ بالقيام بتلك المهمة، وذلك بترجمة خطاب التنوير من اللغة العربية الفسحى إلى اللغة الشعبية، فى تجربة جديدة أرجو أن تكتمل وتمتد إلى مفاهيم ومصطلحات فلسفية أخرى، وأبدأ بما اسميه «التنوير بالبلدى».
يعنى ايه إنسان متنور، أو عقله مش مضلم؟
يعنى واحد عنده جرأة ومش بيخاف إنه يشغل عقله لوحده من غير ما حد يوجهه أو يقول له ده صح وده غلط.
يعنى إيه عنده جرأه إنه يشغل عقله؟
يعنى لما يكون فى حاجة مش فاهمها كويس، يفضل يعافر علشان يفهم بنفسه على قد ما يقدر وما يجريش على طول لحد يفهمه. لازم يكون عنده طول بال وثقة فى عقله إنه يقدر يفهم لوحده، وضرورى هايوصل إنه يفهم لوحده علشان عقله مش فاضى، ده فى حاجات كتير جربها وعاشها وتعلم منها وكل ده يخيله يقدر يفهم لوحده، المهم إنه ميخافش ويكون جرىء.
الفكرة الشائعة اللى بتقول «اللى آخد منه دينى آخد منه كل حاجة» مش صح، لأن ربنا مش بيحب الكسلان اللى بيعتمد فى كل حاجه على حد غير نفسه وغير عقله، ربنا بيحب الإنسان القوى الواثق من نفسه علشان ده هو المؤمن القوى اللى أحسن عند ربنا من المؤمن الضعيف، وعلشان تكون مؤمن قوى لازم يكون عندك ثقة كاملة فى عقلك اللى ربنا خلقه لك علشان تعرفه بيه وتؤمن بيه بعقلك أنت مش بعقل حد تانى.
طيب هنا فى سؤال: افرض عندك مشكلة عويصة أو فى حاجة محيراك ومش عارف تبت فيها أو تلاقى حل؟
الرد هيكون «اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» كل ده مش عيب أبدا، لكن العيب إنك تصدق كل اللى بيتقال لك وتمشى وراه عميانى من غير ما تشغل عقلك فى الكلام وتقلبه فى عقلك وتوزنه بعقلك وتشوف إذا كان يناسبك ويناسب ظروفك ولا لأ، ولو معملتش كده تبقى مش متنور.
مع العلم أن أهل الذكر مش بس الشيوخ والقساوسة لكن كل واحد متخصص فى مجاله ذى الدكاترة والمهندسين والمحامين ولما تبقى مش متنور تعيش طول عمرك تحت رحمة اللى معاه المشورة وتفضل عبد له لأنك لغيت عقلك، لكن لما تكون إنسان متنور بيعتمد على عقله وفكره هو لوحده ماحدش يقدر يتحكم فيك ولا يسيطر على حياتك وتبقى إنسان حر.
فى سؤال تانى: إيه فايدة التنوير فى حياتك؟ يعنى أنت هتستفيد إيه إنك إنسان متنور، وهتعمل إيه بحريتك وحرية عقلك؟
أولا: هتكسب حريتك والحرية لوحدها فايدة كبيرة لأنها هتخليك تبقى مستريح وخالى البال ومش مذلول لأى حد.
ثانيا: لما تشغل عقلك لوحدك وبحرية هتقدر تلاقى حلول كتير لمشاكلك وأولها إزاى تغير أحوالك، يعنى إزاى تقدر لوحدك تزود دخلك علشان تسد احتياجاتك واحتياجات أسرتك بالشغل الشريف طبعا مش بالبلطجة والخروج على القانون، لأنك لما تشغل عقلك بطريقة سليمة، يعنى فى حدود القانون والنظام بتاع المجتمع، مش ممكن هتعمل غلط يخليك تقع فى المحظور.
لكن لازم يكون فى أسئلة لسه بتدور فى ذهنك، زى مثلا إزاى أكون حرا وجريئا فى تفكيرى بعد ما أتربيت على الخوف و الجبن من أنى أفكر لوحدى وأكون مسؤولا عن تفكيرى؟ مش يمكن لو فكرت لوحدى أغلط وأقع فى مشاكل معرفش أحلها؟ وإيه هى حدود حرية تفكيرى وأنا بشغل عقلى لوحدى؟...... كل دى أسئلة مهمة جدا وهنحاول نجاوب عليها.
أنت صح فى خوفك من تشغيل عقلك لوحدك لأنك محتاج لحد تانى جرب وشغل عقله لوحده بحرية ونجح وموقعش فى مشاكل، فى كل مجتمع فى مجموعة من الناس قدرت تكشف قدرة عقلها وتشغله بحرية وجرأة ودول بنسميهم المثقفين.
وهنا نسأل يعنى إيه مثقفين؟
الشائع أنهم مجموعة من الناس متعلمون وقرأوا كتبا كتيرة وعندهم خبرة ومعرفة أكتر من باقى الناس فى المجتمع، لكن ده مش كفاية علشان نقول على واحد إنه مثقف، المثقف هو اللى عنده رسالة فى الحياة والرسالة دى هى مساعدة باقى الناس أنهم يشغلوا عقلهم بحرية علشان يغيروا ظروف حياتهم بنفسهم وده هو أساس التنوير، وعلشان ده يتحقق لازم المثقفين همه اللى يخلقوا جو من الحرية فى المجتمع علشان يسعدوا باقى الناس أنهم ما يخفوش من تشغيل عقولهم بحرية ولو ده حصل يبقى المجتمع كله متنور.
يفضل السؤال المهم: ليه ده مبيحصلش عندنا فى مصر؟
الجواب عند المثقفين اللى ماقاموش بدورهم فى تنوير الناس والنتيجة كانت أن مجموعة أخرى من الناس اللى ضد التنوير استغلوا الفرصة وسيطروا على عقول الناس ومنعوهم وخوفوهم من التفكير الحر، وبكده وصلنا إلى حالة من التخلف مش ممكن نخرج منها إلا بنشر التنوير فى المجتمع.
نقلا عن المصري اليوم