أفراح المرأة التونسية وأحزان المرأة المصرية
مقالات مختارة | نوال السعداوي
الاثنين ٢٧ اغسطس ٢٠١٨
الساعة تشير إلى الثالثة والنصف صباح الثلاثاء ٢١ أغسطس ٢٠١٨، وسوف تشرق الشمس بعد ساعتين على أصوات تدوى فى آلاف الميكروفونات، الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا، صوت الذكور فقط يعلو فى السماء، صوت المرأة العالى عورة مثل رأسها العارى، وأغلب النساء غائبات فى غيبوبة النوم والتعب، أو الحزن والكمد، إنه أول أيام العيد، يحتفل المسلمون بهبوط الخروف من السماء على النبى إبراهيم والسكين فى يده فوق عنق ابنه، لولا الخروف ما كان إسماعيل، وما كان حفيده النبى، وما كانت الأمة الإسلامية، وأنا منها، بحكم الولادة من صلب أبى، أورثنى الدين الذى ورثه عن أبيه وجده، كنت أسمعه يقول «الدين بالوراثة باطل» مع ذلك لم يغير دينه، وأنا فعلت مثله، بسبب الكسل أو الانشغال بأمور أهم.
أنا جالسة وراء مكتبى فى بيتى، أكتب الجزء الرابع من قصة عمرى، بعنوانها القديم: أوراقى حياتى، انتبهت فجأة، بلغت السابعة والثمانين والنصف، كنت بالأمس فى ريعان الشباب، أسبح فى البحر وأسابق الفراشات، فكيف انقضى نصف قرن من وراء الوعى؟ لم أعرف ما يسمونه الشيخوخة للرجال، أو سن اليأس للنساء، لم أعش حياة الإناث أو الذكور، صنعت لنفسى حياة تجاوزت العمر والجنس والجنسية والدين والهوية، ودفعت الثمن باهظا، لا يقل عن المنفى عشرين عاما، والموت أحيانا،
ماتت أمى فى ريعان شبابها، ومات أبى من شدة إخلاصه لها بعدها بأربعة أشهر فقط، وأصبحت مسئولة عن أخواتى القاصرات الأربع وابنتى الطفلة التى غاب والدها فى الحرب يقاتل من أجل تحرير الوطن، ولم يكافئه الوطن إلا بالسجن، ولأننى امرأة فقد حرمنى القانون من الولاية على ابنتى وأخواتى، كان واجبى الإنفاق على الأسرة، دون الحصول على الحقوق التى يحظى بها الرجل مقابل الإنفاق، وهى الطاعة العمياء من زوجته وعياله، الزواج بأربع نساء فى وقت واحد، تطليق زوجته فى أى وقت بإرادته المنفردة دون إرادتها وفى غيابها وحرمانها من أى إرث أو معاش والزواج بأى امرأة شابة أو طفلة وإن تجاوز التسعين من عمره، حرمان أطفاله من التعليم وتشغيلهم لحسابه الخاص وتزويج بناته القاصرات من رجال عجائز مقابل المال أو ما يسمى المهر.
منذ أيام قليلة احتفلت النساء فى تونس بحصولهن على الكرامة، وكل ما يحظى به الرجل من حقوق ومنها الإرث، ولا تزال المرأة المصربة مهدورة الكرامة، تعمل دون أجر تحت اسم الأمومة والزوجية، يطلقها زوجها شفهيا أو غيابيا ويتزوج عليها حين يشاء.
انتبهت إلى رنين الجرس؟
الساعة تشير الى السابعة والنصف صباحا، مضت أربع ساعات دون أن أشعر وأنا أكتب، لا ينتصر على الزمن مثل الكتابة، جاءنى صوتها من وراء الباب: أنا أم إبراهيم يا ضكطورة
مش معقول! كأنما جدتى تصحو التى ماتت منذ سبعين عاما
إنتى جاية منين؟
ركبت أول كافورى من كفر طحلة،
أخذتها بالحضن أتشمم رائحة خبيز جدتى وعطر البرتقال، أجهشت أم إبراهيم تمسح دموعها الجافة، مات زوجها الشهر الماضى، فوجئت بأنه طلقها غيابيا وتزوج وهو فى التسعين طفلة فى التاسعة عشرة، ورثت معاشه من الحكومة وأرضها التى استولى عليها بالخداع وكتبها باسمه، وهى حُرمت من كل شىء، حسب القانون: عاوزاكى تجيبيلى حقى من الحكومة يا ضكطورة، والراجل اللى خدمته خمسين سنة.
نقلا عن المصري اليوم