الأقباط متحدون - الرهبنة جوهرة الكنيسة القبطية
  • ٠٦:٣٧
  • الخميس , ٦ سبتمبر ٢٠١٨
English version

الرهبنة جوهرة الكنيسة القبطية

مقالات مختارة | بقلم :الأنبا موسى

٠٠: ١٢ ص +02:00 EET

الخميس ٦ سبتمبر ٢٠١٨

الأنبا موسى
الأنبا موسى

 كما أن مصر هى أم الحضارات (حضارة 7000 سنة)، فكنيستنا القبطية الأرثوذكسية فى مصر، هى أم الرهبنة المسيحية فى العالم. والقديس الأنبا أنطونيوس المصرى (251-356م)، هو أب جميع الرهبان.

 
والسبب فى ذلك أن القديس أنطونيوس الذى عاش فى القرن الرابع الميلادى، هو مؤسس الرهبنة فى مصر، حيث كانت الرهبنة تقتصر قبل ذلك على متوحدين يسكنون الصحراء فرادى، يعبدون الله آناء الليل وأطراف النهار، إلى أن جاء الأنبا (الأب) أنطونيوس، وعاش مثلهم: فاجتمع حوله الآلاف، ولذلك أسس لهم ديراً، وكان الأنبا أنطونيوس يتنقل بين المتوحدين فى البرارى، يسألهم ويستمع إليهم، ويشبع من تعاليمهم وروحياتهم، إلى أن اعتكف فى الميمون، ثم وضع لتلاميذه أسس «الديرية»، والحياة الرهبانية.
 
ولما نفى البابا أثناسيوس الرسولى إلى أوروبا، (وهو البطريرك العشرون فى سلسلة بطاركة الكنيسة القبطية)، نشر سيرة الأنبا أنطونيوس فى كتاب، ذاع صيته، وقرأه الكثيرون، فتأثروا بحياة الرهبنة، وأسسوا جماعات رهبانية مشابهة، فى أرجاء العالم المسيحى على غرار رهبنة أنطونيوس. ولهذا دعيت مصر «أم الرهبنة»، ودعى الأنبا أنطونيوس «أب جميع الرهبان».
 
سان أنطونيو:
 
وأذكر أننى فى أثناء حضور مؤتمر دولى كنسى فى سان أنطونيو بأمريكا، بتكليف من قداسة البابا شنودة الثالث، سألتهم هناك: «من تقصدون بـ«سان أنطونيو»؟ فقالوا: القديس أنطونيوس المصرى.
 
وبعد عودتى من المؤتمر قلت لقداسة البابا شنودة الثالث، إن هناك مدينة يقال لها «سان أنطونيو» وهم يقصدون الأنبا أنطونيوس المصرى، فقرر قداسته بناء كنيسة باسم الأنبا أنطونيوس هناك، ورسم كاهنا باسم «القس أنطونيوس»، ثم دشنها فى إحدى رحلاته الرعوية.
 
مجموعة أسئلة:
 
1- من هو القديس أنطونيوس؟
 
2- وكيف يتم اختيار الرهبان؟
 
3- يوم فى حياة راهب
 
4- جوهر الرهبنة: البتولية - الوحدة - الفقر الاختيارى - العفة - الطاعة.
 
5- ما هى أنواع الرهبنة؟: (التوحدية - الجماعات الرهبانية - الشركة الرهبانية)
 
6- كيف انتشرت الرهبنة القبطية فى العالم؟
 
7- ما هو دور الرهبنة الآن؟
 
8- النهضة الرهبانية المعاصرة.
 
■ ■ ■
 
1- من هو القديس أنطونيوس؟
 
هو شاب قبطى (مصرى) غنى، من قمن العروس (الواسطى - بنى سويف)، كانت له أخت شقيقة، ومات والداه، وتركا له مساحة شاسعة من الأرض الزراعية المثمرة. ولكنه فى يوم ممات والده، نظر إلى الجثمان المسجى على الأرض، وقال فى نفسه مخاطباً أباه: «ها أنت يا أبى تخرج من هذا العالم بغير إرادتك، أما أنا فسوف أخرج منه بإرادتى». ووزع كل ماله على الفقراء، وأودع أخته فى بيت للعذارى، ومضى ليتوحد فى الصحراء الشرقية.
 
ويذكر تاريخ الكنيسة أن الأنبا أنطونيوس بدأ نسكياته (أصوامه، وصلواته، وسجداته) على شاطئ النيل، فى قرية دير الميمون (حيث سميت كذلك تيمنا «بالميمون» أى «المغبوط» أنطونيوس). وبينما هو يصلى ويقرأ فى الكتاب المقدس، جاءت امرأة لتغسل قدميها فى النهر، فعاتبها قائلاً: «كيف تفعلين ذلك أمام راهب؟». فأجابته قائلة: «راهب !! الراهب لا يسكن فى المدن، بل يذهب إلى عمق الصحراء». فاعتبر هذا صوتاً من الله، ودخل حتى إلى شاطئ البحر الأحمر، فى «البرية الجوانية» حيث ديره المقدس القابع هناك. وبدأ كثيرون يجتمعون إليه، يطلبون إرشاده الروحى.. ومن هنا صار المكان ديراً يضم المئات من عابدى الرب، ومسبحى اسمه القدوس. وبعدها جاء الأنبا بولا ليكون مجموعة من الرهبان ثم ديراً، وانتشرت الرهبنة فى كل مكان بعد ذلك.
 
منهج الصلاة والعمل
 
حينما بدأ أنطونيوس حياة الصلاة الدائمة، شعر بالملل، فظهر له ملاك من الله، يلبس الرداء الأسود، والقلنسوة (غطاء الرأس للرهبان)، يصلى قليلاً، ثم يضفر الخوص بيديه قليلاً. وقال له الملاك: افعل هذا فتطرد الملل. ومن وقتها صار الرهبان يلتزمون بالحياتين معاً: التأمل والصلوات الكثيرة، وعمل اليدين، ليعيشوا منه، ويتصدقوا بالباقى على الفقراء.
 
وطبعاً كان أهم عمل يدين ممكن فى ذلك الوقت، هو ضفر الخوص (سعف النخل) المتواجد فى البرية، وصنع السلال. وكان أحد العلمانيين (أى المدنيين) يتعهد بالمجىء إلى الدير كل أسبوع، ليأخذ السلال، ويبيعها، ويشترى للرهبان حاجاتهم الأساسية من غذاء وكساء ودواء.
 
وقد تطور عمل اليدين الآن إلى زراعة مساحات ضخمة من الصحراء، أصبحت تنتج إنتاجاً وفيراً ومتميزاً، حيث يتم استخدام أحدث الأساليب العلمية فى رعايتها، وإنمائها، وتصنيع منتجاتها، وذلك وفاء لاحتياجات الرهبان الذين صاروا بالمئات، وكذلك لخدمة المنطقة المحيطة بالدير، وكانت تضم الكثير من الفقراء.
 
2- كيف يتم اختيار الرهبان؟
 
أ- يتردد الشاب المحب للرهبنة (وينطبق هذا على الراهبات أيضاً)، على الدير، لفترة مناسبة، بعد أن يكون قد أنهى دراسته (غالباً الجامعة) وفترة تجنيده، واستلم عملاً... وذلك لكى يتأكد أن طريق الرهبنة يناسبه، وأن الرهبنة هى دعوته الخاصة من الله فعلاً.. وذلك بإرشاد أبيه الروحى، أى الكاهن.
 
ب- حين يتم اتخاذ قرار دخول الدير، ويشترك فـى ذلك الكاهن الذى يعترف لديه الشاب، ورئيس الدير، ومسؤول طالبى الرهبنة بالدير، والشاب نفسه.. يترك الشاب عمله وأسرته. ولا يجوز الرهبنة بعد سن 35 عاماً إلا باستثناء خاص كضرورة رعاية الوالدة المريضة، ثم يأتى للإقامة الدائمة فى الدير.
 
ج- يستمر طالب الرهبنة ثلاث سنوات فى ملابس بيضاء، يمتحن فيها نفسه، ويمتحنه فيها الدير.. فإذا ما استراح هو، واستراح رئيس ومجمع الدير له، تتم رهبنته، ويلبس الملابس السوداء، والقلنسوة التى تحمل 13 صليباً تمثل السيد المسيح والأثنى عشر تلميذاً، إشارة إلى أنه متشبع بفكر المسيح والرسل، وحياتهم المقدسة. وتتلى فى الصلوات طلبة الراقدين (أى الموتى)، علامة أن هذا الإنسان «مات» عن العالم والمادة والأرضيات، ليحيا لله والملكوت السماوى.
 
د- بعد الرهبنة يكون الراهب تحت إرشاد مباشر من أب روحى مختبر، وتحت ملاحظة مستمرة من إدارة الدير، سواء فى حياته الدينية، أو فى خدمته بالدير، أو فى المسؤوليات التى تسند إليه، أو فى سلوكياته العامة مع الرهبان والزائرين، أو فى نزوله إلى المدينة بتكليف من رئاسة الدير لبعض المهام...
 
ه‍- القاعدة العريضة من الرهبان - بنعمة الله - تسلك السلوك الحسن، أما الأقلية الصغيرة التى تميل نحو الخطأ، فيتـم توجيهها ونصحها وتحذيرها وتقويمها. فإن أصر أحد على الانحراف عن السلوك الرهبانى، تتم محاسبته عن طريق لجنة شؤون الرهبان، المنبثقة عن لجنة شؤون الأديرة، وكلها من الآباء الأساقفة رؤساء الأديرة.. وذلك لاتخاذ اللازم نحو إجراءات روحية أو ربما تجريد كامل، حسب نوع وحجم الخطأ فيتخذ نحوه الإجراءات. وحتى فى هذه الحالة تتم مراعاة الأخ إنسانياً ومادياً، ليستقر فى حياة جديدة مدنية، إذ تتم مساعدته فى الحصول على عمل أو بدء مشروع يعيش منه. وبالطبع يبقى القرار فى يده، أن يحيا بطريقة مقدسة، أو أن ينحرف!
 
3- يوم فى حياة راهب
 
يبدأ يـوم الراهب - حالياً - قبل الثالثة صباحاً، حيث يؤدى صلواته الخاصة. وفـى تمام الثالثة يدق «جرس نصف الليل»، فيجتمع الرهبان فى كنيسة الدير يصلون:
 
أ- صلاة نصف الليل: بخدماتها الثلاثة (حوالى ساعة).
 
ب- التسبحة اليومية بألحانها الجميلة: (حوالى ساعتين).
 
ج- القداس الإلهى: (حوالى ساعتين).
 
■ ■ ■
 
يخرج بعد ذلك الرهبان إلى العمل اليومى مثل:
 
1- رعاية الأرض الزراعية من استصلاح إلى استزراع إلى تنمية...
 
2- رعاية تصنيع المنتجات الزراعية...
 
3- تخليل كميات الزيتون الضخمة...
 
4- ملاحظة العمال فى كل ذلك...
 
5- قيادة الجرارات والسيارات...
 
6- ماكينات الكهرباء والمياه...
 
7- رعاية مكتبة الدير...
 
8- شرح معالم الدير للأسر الزائرة، وكثيراً ما يكونون من الأجانب، فيتم الشرح لهم بالإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية، بواسطة آباء رهبان يكلفون بذلك.
 
9- أماكن التسمين أو الدواجن أو مزرعة الأرانب.
 
10- المبانى، حيث تزداد باستمرار نتيجة النهضة الرهبانية المعاصرة...
 
11- المشتروات من القاهرة والإسكندرية وغيرها.
 
12- صيانة المبانى الأثرية بالدير بأحدث الأساليب العلمية...
 
13- إجراء دراسات وحفريات تحت إشراف هيئة الآثار، وقد تمت اكتشافات هامة كثيرة فى هذا الميدان.
 
14- لقاءات مستمرة للرهبان على المائدة أو أثناء صناعة الخبز، وفى أثنائها تتم قراءة «بستان الرهبان» حتى لا ينشغل الرهبان بالطعام أو العمل، بل يمزجوا كل شىء بالتأمل الرهبانى، وروح الصلاة.
 
■ ■ ■
 
■ ويجتمع الرهبان بعد الظهر فى الكنيسة فى حوالى الرابعة لصلوات مسائية جماعية، ويصافحون فى نهايتها أحدهم الآخر فى روح المحبة.
 
■ وبعد الغروب، ينطلق الرهبان فى البرية (الصحراء)، يتمشون فرادى، يتلون صلواتهم، ويقرأون الكتاب المقدس، والكتب الروحية والرهبانية المناسبة.
 
■ ومن قواعد الرهبنة عدم الزيارة فى القلاية (مسكن الراهب)، أو الجلوس فى طرقات الدير، أو المزاح والرخاوة، فالراهب إنسان مات عن العالم، ويسلك فى توبة وانسحاق أمام الله والناس.
 
وما نقوله عن الرهبان ينطبق على الراهبات أيضاً.
 
4- جوهر الرهبنة
 
إن الرهبنة فى جوهرها هى «الانحلال من الكل، للارتباط بالواحد».. أى الابتعاد عن البشر جميعاً، حباً فى الله، واكتفاء به تعالى.
 
وتعتمد الرهبنة على أساسيات هامة مثل:
 
1- البتوليـــــــــــــــــــــة: أى عدم الزواج، ليس انتقاصًا من قدسيته وكرامته، فالزواج فى الكنيسة أحد الأسرار السبعة المقدسة، إذ فيها يتحد العروسان معاً، ليصيراً واحداً بالروح القدس، ويكونان أسرة مقدسة مع أبنائهم وبناتهم.أما البتولية فهى دعوة إلهية يخص بها الرب بعض أبنائه وبناته، فيشعر الواحد منهم أنه لا يحتاج إلى زواج، بل يحس بالسعادة الغامرة فى التسامى بطاقاته المختلفة، لتصير طاقة حب لله والإنسان، وليتفرغ نهائياً للصلوات والعبادة، طلباً لحياة القداسة والكمال، متشبهاً بالملائكة، الذين لا يكفون عن العبادة والتسبيح، أمام إلهنا العظيم. فالرهبنة - إذن - هى سبق تذوق للخلود.
 
2- الوحدة والانفراد: فالراهب الأمين، كثير الاختلاء والصلوات، فى البرارى والجبال، قال معلمنا بولس الرسول عن الرهبان: «وَهُمْ لَمْ يَكُنِ الْعَالَمُ مُسْتَحِقّاً لَهُمْ. تَائِهِينَ فِى بَرَارِىَّ وَجِبَالٍ وَمَغَايِرَ وَشُقُوقِ الأَرْضِ» (عب 38:11). حيث كانت الرهبنة الانفرادية موجودة فى أيام يوحنا المعمدان (قبل ميلاد السيد المسيح مباشرة)، فى طائفة تدعى «الاسينيين».
 
ولما جاءت المسيحية، تم تعميد هذا الاتجاه، ليصير «الرهبنة المسيحية».
 
3- العفة والتجرد: بمعنى أن يتعفف الراهب حتى عن المقبول، فينسى المال والمقتنيات والأرضيات، ويضع العالم وراء ظهره، رافعاً قلبه إلى السماء، وممتداً ببصره نحو الخلود. وما ينطبق على المادة ينطبق على الجسد والحسيات والشهوات الأرضية المختلفة، كما ينطبق على كل ما فيه تضخيم للذات الإنسانية من مناصب وأمجاد عالمية زائفة.
 
4- الطاعـــــة: فالهدف الأساسى للرهبنة هو «قطع المشيئة»، أى ألا يكون للإنسان مشيئة خاصة ذاتية، فهو لا يريد شيئاً سوى الله. حتى ميراث الملكوت وأمجاد السماء ليست هدفه فى الحياة، فما قيمة هذه الأمجاد بدون الله؟! إنه لا يجاهد ضد الخطيئة خوفاً من عقاب، ولا يتطلع إلى الخلود طمعاً فى ثواب، بل هو يطلب الله، والله وحده!!
 
وحيث إن الله هو غير المحدود، إذن... فهو النصيب الصالح، الذى لن ينزع منا إلى الأبد!!
 
لهذا يطيع الراهب تعليمات أبيه الروحى، وتكليفات وإرشادات ونظام الدير الإدارى، فى روح التواضع الجميل، الذى يرى فى الطاعة كل البركة.
 
*أسقف الشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع