تقرير حقوقي: الفراغ التشريعي يتيح إفلات قتلة الثوار من العقاب.. والحل: الإنضمام لنظام "الجنائية الدولية"
المركز العربي: القانون المصري يُلزم القضاء بالحكم على المتهمين بقانوني العقوبات والإجراءات الجنائية، وأقصى تهمة يتيحاها القتل الخطأ.
كتب: هاني سمير
أكَّد تقرير أصدره المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، بشأن محاكمة المتورطين والمتهمين بقتل المتظاهرين السلميين في ثورة يناير، أن هناك فراغًا تشريعيًا في قانون العقوبات المصرى يتيح إفلات قتلة الثوار من العقاب.
وأوضح التقرير، أن الإشكالية الرئيسية في قضايا المتهمين بقتل المتظاهرين السلميين في ثورة 25 يناير، تكمن في أن المحاكمات تجري في ظل القوانين الداخلية المتمثلة في قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية، التي يلتزم القضاء المصري بإعمال قواعدها، وهي تشريعات لم تتصد من قريب أو بعيد للجرائم الجسيمة، سيما الجرائم ضد الإنسانية التي تم ارتكابها بحق المتظاهرين على نطاق واسع وبطريقة منظمة، وفي إطار سياسة دولة، وهي جرائم تختلف من ناحية طبيعتها وأركانها وطبيعة الجناة والمجني عليهم، اختلافًا كليًا عن جرائم القتل العادية، التي يُحاكم المتَّهمون وفقًا لها حسب قانون العقوبات المصري الذي تعرَّض بالتنظيم للجرائم التي يقترفها آحاد الناس في مواجهة بعضهم البعض، والجرائم التي يرتكبها المواطنون في مواجهة الدولة، والجرائم التي يرتكبها آحاد الموظفين العموميين في مواجهة آحاد الناس، والجرائم التي يرتكبها آحاد الموظفين في مواجهة الدولة، ولم يتطرق بأي حال من الأحوال للجرائم الجسيمة والهجوم الذي يرتكبه النظام أو الحكومة أو أي جماعات منظمة في مواجهة المواطنين، ويتم ارتكابها على نطاق واسع وبطريقة منظمة ووفقًا لسياسة هذه الدولة أو الجماعة، مع علم الجناة بهذا الهجوم. مشيرًا إلى أن النيابة العامة والقضاء المصري ملتزمين بأوامر الإحالة والتكييف للجرائم المرتكبة وفقًا لقانوني العقوبات والإجراءات الجنائية المصريين، الأمر الذي يؤدي إلى عدم تناسب الأحكام الصادرة عن القضاء نتيجة الالتزام بالتشريعات الوطنية مع طبيعة الجرم المرتكب وخطورته.
وقال التقرير، إن محاكمة المتهمين بقتل المتظاهرين السلميين وفقًا لقانون العقوبات المصري، تؤدي إلى نتائج شاذة؛ أهمها أن المخططين أو المحرضين على ارتكاب جرائم القتل العمدي ودهس المتظاهرين بالسيارات والمركبات التابعة لجهاز الشرطة وإحداث إضرار جسيمة وبالغة بهم، يمكن أن يفلتوا من العقاب أو يُحاكموا بوصفهم مجرد شركاء بالتحريض على ارتكاب جرائم القتل العادية، وكذلك يعتبر المنفذين لهذه الجرائم- سواء كانوا من البلطجية أوالخارجين عن القانون أم من ضباط وجنود شرطة- هم الفاعلون الأساسيون لها، ويطبِّق عليهم فقط العقاب المقرَّر لجرائم القتل العادية، وهو أمر يأباه المنطق القانوني السليم، ويتعارض مع قواعد العدالة. والأمر الثالث إن العديد من الجناة- وفقًا لقانون الإجراءات الجنائية المصري- سوف يكون من المستحيل إثبات ارتكابهم جريمة القتل العادية الواردة في قانون العقوبات بضوابطها وشروطها، يمكن إدانتهم فقط في جريمة القتل الخطأ.
وأكَّد تقرير المركز العربي لاستقلال القضاة والمحاماة، أن محاكمة المتورطين في ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية بحق المتظاهرين السلميين محاكمة منصفة وعادلة، يجب أن تتوافر لها عدة شروط؛ أهمها وجود تشريعات وطنية تتضمن وصفًا دقيقًا لهذه الجرائم وتحدد عقوباتها وتنظِّم محاكمة مرتكبي هذا النوع من الجرائم، ووجود جهات تحقيق ومحاكم وطنية قادرة على التعامل مع هذه النوعية من الجرائم الخطيرة بصورها المختلفة، بالنظر إلى ما يتطلبه التحقيق والمحاكمة فيها من تقنيات واستراتيچيات خاصة، وأيضًا وجود عناصر مؤهلة من النيابة العامة والقضاة على علم بمبادئ وآليات القانون الجنائي الدولي، والحياد التام والنزاهة في التعامل مع مرتكبي هذه الجرائم، خاصة وأن هذا النوع من الجرائم قد تم بتخطيط وإعداد وتحريض من رئيس الدولة ورجال السلطة، ووجود برامج وإمكانيات تمكِّن سلطات الدولة من حماية ضحايا تلك الجرائم والشهود فيها.
وأشار التقرير، إلى أن الخروج من مأزق عدم تناسب ما يصدر عن القضاء المصري من أحكام وقرارات لا تتفق وخطورة الجرم المرتكب من المتهمين التزامًا بأحكام قانون العقوبات المصري، ولعدم إفلات الجناة من العقاب، فإنه يجب التصديق على النظام الأساسي والإنضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، وضرورة الرجوع إلى "النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية"، الذي وقعت عليه "مصر" بتاريخ 26 ديسمبر من العام 2000. موضحًا أنه على الرغم من عدم تصديق "مصر" حتى هذه اللحظة أو إنضمامها للمحكمة، فإن التوقيع على اتفاقية المحكمة يرتب التزامًا على الدول الموقِّعة في الفترة ما بين التوقيع والتصديق أو القبول أو الموافقة، بالامتناع وبحسن نية عن اتيان تصرفات من شأنها أن تعطل موضوع المعاهدة والغرض منها، وذلك وفقًا لنص المادة 18 من معاهدة فينا لعام 1996.
ولفت التقرير إلى ضرورة أن يختص القضاء المصري بمحاكمة المتورطين في ارتكاب هذه الانتهاكات، ولكن بعد التصديق على نظام "روما"، لما يمثله هذا التصديق من مخرج قانوني مناسب لعدم إفلات المتورطين في ارتكاب الجرائم بحق المدنيين من ثوار يناير من العقاب، ووجود تكييف صحيح للجرائم المرتكبة تتناسب وخطورتها وخطورة مرتكبيها، وصدور أحكام تتناسب مع خطورة ما ارتكبه الجناة من جُرم حال ثبوته، حيث يمكن توجيه التهم وفقًا للتكيف الوارد بالنظام الأساسي، مؤكِّدًا أن ذلك لا يعني أن يتم تطبيق النظام الأساسي بأثر رجعى، حيث لا توجد عقوبة أشد في النظام الأساسي يُضار من تطبيقها المتهمون، بل العبرة في التكييف الصحيح للجرائم المرتكبة. مضيفًا أن هذا التصديق يضع أمام "مصر" عدة خيارات- إن أرادت- منها؛ أن تصديق "مصر" يجعل هذا النظام جزءًا من التشريع الوطني الداخلي، الأمر الذي يمكن النيابة العامة والقضاء المصري من محاكمة المتورطين بقتل المتظاهرين بتهم تتعلق "بالجرائم ضد الإنسانية"، والتي يخلو منها التشريع المصري الحالي، كما يتيح لها أن تقبل اختصاص المحكمة بشأن أحداث سبقت تاريخ انضمامها للمحكمة، لكي تشمل أحداث 25 يناير2011 أو أي أحداث أخرى سابقة على هذا التاريخ، شريطة ألا تكون قد وقعت قبل دخول نظام روما حيز النفاذ أي قبل 1 يوليو من العام 2002، ثم تقوم "مصر" بإحالة (حالة المتورطين بقتل المتظاهرين إلى المحكمة وفقًا لأحكام المادتين (13و14) من النظام الأساسي للمحكمة، بالإضافة إلى أن التصديق يمكِّن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، أن يتحرك من تلقاء نفسه ووفقًا لأحكام المادة (15) من النظام الأساسي بتحريك الدعوى في مواجهة المتهمين.
وأوضح المركز، أن التصديق على النظام الأساسي للمحكمة يمثل دلالة واضحة على مدى التزام "مصر" في المرحلة المقبلة برفض ثقافة الإفلات من العقاب، واحترامها قواعد القانون الدولي، وترسيخ العدالة الجنائية على المحيط الوطني والدولي، مشيرًا إلى أن أحكام هذا النظام من حيث تكييف الجرائم المرتكبة سوف تنطبق على المتهمين، سيما المادتين الخامسة والسابعة.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :