قاتل طفليه جريمة ثقافية
مقالات مختارة | مفيد فوزي
السبت ٨ سبتمبر ٢٠١٨
-1-
من السذاجة والضحالة «مضروبين فى الخلاط» التصور أن الحادث المأساوى قاتل طفليه هى جريمة مواطن اسمه محمود نظمى من سكان ميت سلسيل دقهلية، والحقيقة أنها «جريمة مجتمع»، حيث تتضافر عوامل مجتمعية متعددة تحول شخصاً عادياً عاقلاً إلى قاتل ويطلب لنفسه حكماً بالإعدام، فالموت شنقاً يريحه من الموت المتكرر كل ثانية، وهو يتذكر المشهد العبثى الذى يرفض أى مخرج، مهما بلغ من غلظة القلب، تصويره على شاشة سينما.
والملاحظ أن محمود نظمى، «قاتل نجليه» كما تطلق عليه الصحف، أعجبته اللعبة وهات يا اعترافات، ومراسلو الصحف يدوّنون! وفى مدرسة د. سيد عويس أو معمل د. أحمد خليفة يتم إخلاء المكان من المراسلين وعدسات التليفزيون وكل الباحثين عن السبق الصحفى أو المرئى والاختلاء بالرجل ليبدأ معمل أحمد خليفة مهمته الاجتماعية الكبيرة بعلم ونضج وأسس منهجية مطبقة فى العالم على قتلى لأطفالهم فى لحظة لا يزال التحليل العلمى يبحث فيها ويحاول استنباط ما جرى فى الذهن بسرعة البرق حتى تلقت كف القاتل رسالة من عقله بتنفيذ الجريمة وقد يندم القاتل على فعلته بعد قليل وقد يدخل فى نوبة بكاء حادة وقد يذهب لمسجد أو كنيسة يطلب الغفران، فهل هذا ضمير حقيقى أم مزيف؟ هذا ما يكتشفه معمل أحمد خليفة.
من المؤكد أن للشرطة دوراً مهماً فى القبض على القاتل ومن المؤكد أن محاضر البوليس الأولية وتحقيقات النيابة تكشف الحقيقة كلها وكأننا نراها على مسرح كوميديا سوداء.
للأسف ليس فى حياتنا سيد عويس أو أحمد خليفة، حتى أطباء النفس الكبار صار لهم مستشفيات هى شبه منتجعات لمرضى النفس ذوى الجيوب المنتفخة، ولا أتذكر تلميذاً مخلصاً من تلامذة سيد عويس يحافظ على مدرسته الاجتماعية ولا أذكر أحداً من تلامذة أحمد خليفة ظل مخلصاً للمعمل العلمى للجريمة، ومن المؤسف أن القضية دخلت فى ملف أحوال الجريمة فى مصر وابتعدت عن معامل التحليل الاجتماعى. ومما يحزن أن تغيب معامل التحليل الاجتماعى ليتصدر المشهد استديوهات التحليل الكروى!
وكان سيد عويس يرى أن الثقافة «سلوك» وهذه جريمة ثقافية سياسية، فالمجتمع عجز عن توفير الأمان النفسى لهذا الرجل «الهادى» الذى لا ندرى كم الصراعات داخله، ومن هنا كان أحمد خليفة يعتقد أن «كلنا مرضى نفسيون بدرجات» و«كلنا فى انتظار لحظة عبثية.. فنقتل ولا ندرى» وأن أخطر أنواع المرض النفسى هو الساكن داخل نفس هادئة لا يمكن أن نتصور أن تتحول لقاتل، هل القاتل محمود نظمى من هذا الطراز؟ هل هو ضحية ازدواج ثقافى فى المفاهيم؟ هل وقع أسيرا لحس شعبى يقول «اللى من نصيبك راح يصيبك» و«الرزق يحب الخفية والمبدر رزقه أكتر»؟
-2-
مما يلفت النظر ويفوت على السذج قول محمود نظمى قاتل طفليه وهو يرميه «روح ع الجنة»!
* كيف ترسخ هذا المعنى وهذا المفهوم فى نفسه؟
* من قال هذا الكلام وأصغى له وأدخله ثوابته؟
* أى مؤسسات الدولة من أدوارها تنظيف العقول من أخطاء؟
* من هو شيخ هذا الرجل؟ وهل سمع هذا النص منه؟
* من أين جاء هذا التفكير أن القاتل الذى يقتل نفساً يوصى أن تذهب للجنة؟
إن ما جرى يكشف قصوراً شديداً فى المؤسسات الثقافية وخصوصاً قصور الثقافة المعطلة ونشاط الزوايا الخبيثة!
يعترف القاتل بأنه يفكر فى الجريمة منذ ١٠ أيام وأنه يريد أن يخلص أولاده من حياة كلها هموم وربما يرثون بعض سوءاته، ألم يرَ محمود نظمى أو يسمع أو يتعظ لحظة الأذان وش الفجر فيتراجع عن قراره؟!
-3-
دنيا عبثية مجنونة لا منطق لها.
بعض الرجال يعيشون العمر فى انتظار «كف وليد»، بعض الأمهات يحلمن حلم السنين أن يرزقهم الله بطفل.
رجال يذهبون إلى أطباء تخصصوا فى عمليات «التلقيح الصناعى» من أجل الشوق الجنونى لبكاء طفل قادم إلى الحياة.
أمهات كثيرات يذهبن إلى وزارة الشؤون الاجتماعية أو إحدى مؤسساتها بحثاً عن طفل أو طفلة «للتبنى» ويعيش العمر مع الأسرة التى تبنت.
أمهات محرومات من الإنجاب أحطن أنفسهن بأولاد شقيقة أو عمة أو خالة حتى لا يشعرن بالوحدة، ويشكل صراخ الأولاد حياة لديها تسعى لها فى المناسبات ويبكين بالدموع فى حالة سفر الأولاد أو الأحفاد.
-4-
محمود نظمى من فوق كوبرى فارسكور يلقى بالطفل الأول «ريان» ثم ألقى بطفله «محمد» فى المياه التى ابتلعتهما، وفى سكون فرّ من المكان!!
-5-
لا يهمنى الحكم الذى ينتظر محمود نظمى ولكن القضية الأهم «تحليل» عقل هذا القاتل لروحين بريئين، ومدى مسؤولية المجتمع عن حماية أمثاله فى درب عتمة وثوابت متخلفة ومخدر ذهب بالعقل، فالجريمة ثقافية: سلوك مضطرب وصراعات على فلوس وكان «المزاج» بطلاً أودى به إلى مقصلة عشماوى إلا إذا أراد القضاء عقاباً أشد وهو التأبيدة المشددة، وفى كل طلعة شمس يرى صورة ريان ومحمد وهما يسقطان فى بحر فارسكور!
فى الشأن العام
أتمنى كمواطن مصرى أعيش على ضفاف نيل مصر أن يسمح الرئيس فى برنامجه «اسأل الرئيس» ببعض الأسئلة العفوية غير المكتوبة وبشكل منظم يجرى الحوار فى جو مفعم بالديمقراطية.
نقلا عن المصري اليوم