الساحل الشمالي .. قضية كل موسم !!
يوسف سيدهم
٢٥:
١١
ص +02:00 EET
الأحد ٩ سبتمبر ٢٠١٨
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (699)
بقلم :يوسف سيدهم
كل من تابع الحركة علي طريق الساحل الشمالي والطرق الخارجة منه إلي القاهرة أو الإسكندرية الأسبوع الماضي لم يفته الكثافة المغادرة للساحل الشمالي بسائر منتجعاته وتجمعاته السكنية -ولاحظوا أنني لم أقل تجمعاته السياحية- فبحلول شهر سبتمبر يبدأ العد التنازلي لنهاية موسم الاصطياف وتتحول كثافة الحركة الوافدة للساحل أو المترددة عليه إلي الاتجاه المضاد في صورة حركة مغادرة إيذانا باقتراب نهاية الموسم سواء بالنسبة للأسر التي تستعد لدخول المدارس والجامعات أو للأسر التي تودع إجازات العمل أو حتي من تسمح لهم ظروفهم باستمرار التواجد في الساحل لكن الساحل نفسه لم يعد مرحبا بهم!!!
فبطبيعة الحال هناك من شرائح المجتمع التي يناسبها ارتياد الساحل الشمالي خلال شهري سبتمبر وأكتوبر سواء كانوا من غير المكبلين بموسم الدراسة أو عدم المرتبطين بإجازات العمل, وهناك من ينشدون الهدوء والسكينة والبعد عن الزحام والضوضاء والصخب, ولهؤلاء قد يمثل الساحل منطقة جذب في هذين الشهرين قبل حلول موسم الشتاء والبرد, لكن أين الخدمات؟… أين الاحتياجات اليومية للمعيشة؟… إن الهدوء يغلف الأنحاء والشواطئ فارغة وكأنها شواطئ خاصة والخدمات الأساسية غادرت هي الأخري لانعدام الطلب- أليس قانون السوق توازن العرض مع الطلب؟!!- وبناء عليه حتي دعاة الهدوء والسكينة والعزلة يصطدمون بالمثل الشعبي: جنة من غير ناس ماتنداس!!!
هذا المثل الشعبي ينطبق بشدة علي الساحل الشمالي, فبالرغم من خصائصه الطبيعية التي تجعل منه جنة مثل الجو والشاطئ الرملي والبحر بالإضافة إلي التنمية العمرانية من تجمعات سكنية ومرافق وطرق, إلا أن سياسات استثماره سمحت بتقويض خصائصه الطبيعية وقصر الاستفادة منها في ما لا يتجاوز ثلاثة أشهر من العام يتحول بعدها إلي منطقة مهجورة موحشة خالية من الخدمات بل وطاردة لكل من يحاول اللجوء إليها.
ولمن يتعجب من هذا الكلام- ولا يعرف أحوال الساحل الشمالي- أن يسأل نفسه… لماذا لا يسري مثل جنة من غير ناس ماتنداس علي شرم الشيخ وسائر منتجعات جنوب سيناء وشمالها؟… لماذا لا يسري علي العين السخنة والغردقة وسائر منتجعات البحر الأحمر؟… لماذا لا يسري علي باقي وجهاتنا السياحية مثل الأقصر وأسوان والواحات؟… الإجابة الصادمة واضحة: الصراع الأزلي بين سياستي الفندقة والملكيات!!!
ففي غياب التخطيط القومي الذي يحدد الأهداف والوسائل والسياسات شهدت مصر في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي قسمة من أغرب القسمات حين أوكلت القيادة السياسية -ومن بعدها الأجهزة التنفيذية- سلطة التخطيط لاستثمار ساحل البحر الأحمر لعقليات وخبرات سياحية, بينما أوكلت سلطة التخطيط لاستثمار ساحل البحر المتوسط لعقليات وخبرات عقارية… وهنا نشأ التناقض بين فكر السياحة وفكر المقاولات… فكر السياحة يؤمن بالاستثمار في بنية مستدامة تخلق فرص عمل ومنظومة تشغيل وتسويق طوال العام وتدر ربحا متجددا معتمدا علي حركة السياحة -مع مخاطرة انتعاشها أو انتكاسها- بينما فكر المقاولات يؤمن بالاستثمار الآمن المحسوب بدقة فيما يخص التكلفة والعائد معتمدا علي البناء والتسويق بالبيع للتمليك المباشر وعدم المخاطرة في أمور التشغيل طويل الأجل تفاديا لاحتمالات الربح والخسارة.
وكما قلت إنه في غياب التخطيط القومي كان الأمر لغرابته أشبه بالرجل الذي قسم ثروته بين ولديه فذهب أحدهما واستثمر نصيبه في مجالات عاملة متجددة تدر عليه أرباحا مستمرة, أما الآخر فذهب وباع نصيبه وضمن الربح ولكنه فقد الأصل!!!… هكذا يمكن فهم التناقض في السياسات بين المقاصد السياحية في الساحل الشرقي -البحر الأحمر وسيناء- وبين المقاصد السكنية في الساحل الشمالي (!!!)… فبفضل الرؤية والتخطيط التنموي المستقبلي جاءت تشريعات تخصيص الأراضي في الساحل الشرقي تلزم المستثمرين بألا تقل نسبة المكون الفندقي في القدرة الاستيعابية للمشروع المقام علي الأرض المخصصة لهم عن 75% وبالتالي لا يتم التصرف بالبيع لملكيات مباشرة فيما يتجاوز 25% من تلك القدرة, وذلك أثمر الثروة الفندقية التي تشكل العماد الأساسي للاستثمار هناك بما يتضمنه من دوام التشغيل وخلق فرص العمل وتوليد الأرباح طوال العام وعلي مدي الأعوام… في المقابل أدي الاستثمار العقاري في الساحل الشمالي إلي خلق تجمعات ضخمة تقتصر علي ملكيات مباشرة نتيجة سياسات التشييد والبيع والشراء, فأصبحت تمثل مليارات الجنيهات التي دفنت في الأرض دون تشغيل أو نمو -اللهم سوي زيادة قيمتها السوقية بناء علي بورصة العرض والطلب- لكن دون خلق فرص عمل دائمة ودون تشغيل أو توليد أرباح.
إزاء ذلك أصبح محكوما علي الساحل الشمالي أن ينتعش فيما لا يتجاوز ربع أشهر السنة ويدخل في بيات شتوي باقي السنة (!!)… بينما الساحل الشرقي يعج بالحياة والنشاط طوال العام… تلك هي مشكلة -ولا أقول مأساة- الساحل الشمالي, لكن ألا يوجد حل؟… هل تحمل مدينة العلمين الجديدة طوق النجاة؟… أم هناك رؤي لتطوير منظومة التمليك هناك؟… هذا ملف مسكوت عنه وينبغي فتحه
الكلمات المتعلقة