الأقباط متحدون - المائة مكان الأعظم فى العالم ٢٠١٨
  • ٠٩:٠٣
  • الثلاثاء , ١١ سبتمبر ٢٠١٨
English version

المائة مكان الأعظم فى العالم ٢٠١٨

مقالات مختارة | عبد المنعم سعيد

٥٢: ٠٧ م +02:00 EET

الثلاثاء ١١ سبتمبر ٢٠١٨

عبد المنعم سعيد
عبد المنعم سعيد

فى الطريق إلى بوسطن وقع نظرى فى مطار فرانكفورت على مجلة «التايم» وعلى غلافها العنوان «الأماكن الأعظم فى العالم عام ٢٠١٨» مع عنوان فرعى «المائة عنوان التى عليك أن تجربها». لا تزال المجلة صامدة، إذن فى وقت سقطت فيه مجلات كثيرة، وإما خرجت من الصناعة الصحفية كلية، أو أنها اتخذت اتجاها رقميا يعطى حياة جديدة من نوع آخر. ولكن الصمود يعنى توجهات صحفية جديدة وتغييرا فى المحتو، تختلف عن تلك التى تجلبها الوسائل الأخرى، وفيها الكثير من الاجتهاد الذى يصلح للمسافر والرحالة والمنتقلين من مطار إلى آخر.

ولكن المسألة الصحفية لم تكن هى التى لفتت النظر وحدها، وإنما ما يخص مصر فيها، فالغلاف الذى شمل العديد من الرسم للأمكنة لم يشتمل لا على الأهرامات، ولا تاج محل، ولا برج بيزا المائل ولا أى من عجائب الدنيا السبع القديمة أو الحديثة أو حتى الذائعة بكثرة فى نشرات الشركات السياحية العالمية. فخلال الفترة الماضية أصبح الحديث ذائعا عن «السياحة» فى مصر وعودتها مرة أخرى ليست فقط إلى ما كانت عليه، وإنما وفق منطق أن المحروسة من حقها أن تحصل على نصيبها المستحق من السياحة العالمية.

وبشكل ما فإن كل الاكتشافات الجديدة للحضارة الفرعونية، وكل الحديث عن «القاهرة التراثية»، وكل المشروعات الجارية حول تحديث القصور القديمة أو مجرى العيون، كلها تنصب فى هذه الزاوية الخاصة بالسياحة ومواردها. نادرا وعلى قبيل الاستثناء ما يتم تناول الاكتشافات والتطورات فى سياق التطور المصرى العام، وفهم التاريخ المصرى بكل ما له وما عليه، وعلى الأغلب فإن الموارد الدولارية هى التى ينصب عليها الاهتمام، ومن ثم تكون سريعة التراجع إذا ألم بالبلاد حادثة من نوع أو آخر.

نعود مرة أخرى إلى موضوع مجلة «التايم»، فربما يعطينا أفكارا جديدة تضيف لما اكتشفناه أبعادا لا ندركها، أو نكتشف أن المعايير التى وجدتها المجلة فى المائة مكان الأعظم فى الدنيا الجديرة بالتجربة والذهاب هى التى تعبر عن «النوعية والأصالة والابتكار والاستدامة والتأثير». هذا المعيار الأخير «التأثير» ربما يكون المفتاح للمعايير السابقة عليه، ويبدو أنه كان المدخل لمائة مكان فى القارات الست وتقع فى ٤٨ دولة تشمل مطاعم وفنادق عائمة ومراكز ثقافية وقصور وحدائق ورياضات صحية والمعارض ذات الموضوعات المتميزة. كثير من ذلك يجرى فى الاتجاه المضاد للحكمة الذائعة، فالشائع فى العالم أن المكتبات فى طريقها إلى الانقراض كما هو الحال فى كل ما هو مطبوع ويعتمد على الورق وطباعته صحفا ومجلات وكتبا.

أصبح الإنسان- الحديث طبعاـ يستطيع أن يحصل على كل ذلك على «الآيباد» الخاص به. فى مدينة «تانجين» الصينية بنيت مكتبة «بنهاى» التى زارها ١.٨ مليون زائر منذ شهر أكتوبر ٢٠١٧ واحتوت على ١.٣٥ مليون كتاب وأخذت شكل أمواج البحر. ولن تدرى أبدا عما إذا كان الزائر للمكتبة يكون فقط للقراءة أو أن فيها الكثير من التأمل والبحث عن الإلهام فى دنيا كلها حروف وأفكار. أحيانا تكون الزيارة لفندق له تاريخ مثل «دى كيريليون» فى باريس والذى كانت النية من إنشائه أن يكون قصرا «للملك لويس الخامس عشر، وفى يوم ما زارته مارى أنطوانيت، المهم أن للمكان قصة جرت فى مكان مثير معماريا حتى لو وقع فى مدينة الإثارة.

ولكن الإثارة ليست فى كل الأحوال ضرورية، ففى مدينة «فريدم (الحرية)» بولاية «مين» الأمريكية جرى تحويلها إلى مدينة للطعام بعد أن جرت ثورة فى الطعام المحلى جعله مذاقا للزوار من بلدان العالم، حيث يبدأ سعر الوجبة بمبلغ ١١٠ دولارات. وحتى فى مدينة ديترويت التى أفلست بعد كثير من الغنى فإن بعثها من جديد بدأ عن طريق مبنى «المطافئ» القديم الذى بات قبلة للزائرين الباحثين عن حياة كانت فى الماضى أكثر بساطة وشجاعة ونبلا.

وهكذا تمضى قائمة المائة مكان فتمر بنيودلهى الهندية الملوثة تماما فإذا بها تخرج بمنطقة عجيبة خالية تماما من التلوث وتعكس عمارة قديمة وسط مسارات للمياه. متحف الملك عبد العزيز لحضارة العالم فى الرياض لا يعكس التحولات الجارية فى المملكة فقط وإنما فرصة للزائر لكى يكتشف عالما واسعا. فى كل الأحوال هناك دائما المذاق والرائحة والراحة، فليس مطلوبا من السائح أن يزور واحدة من عجائب الدنيا السبع، وإنما عليه أن يعيش لحظة يجلب فيها الطعام سعادة، والرؤية نشوة، والمجال اتساعا ورحابة.

فى مصر ربما نملك من عجائب الدنيا الكثير، ولا يمر أسبوع إلا وهناك اكتشاف جديد لآثار ومعابد وأثر من أيام قديمة، ومنذ فترة قصيرة نشرت «المصرى اليوم» صورا لقصر محمد على المنيف، وقبلها بأسابيع دعانى الدكتور محمد أبوسعدة، رئيس هيئة التنسيق الحضارى إلى زيارة قصر الأمير طاز الذى لم أكن قد سمعت به من قبل، فإذا بالزيارة متعة فكرية وبصرية ورحلة إلى عالم كان عائشا فى دنيانا أيام المماليك وقطع الرحلة خصيصا لكى يراه بشر اليوم. واحات مصر كلها، وفى مقدمتها واحة سيوة، تجعل الصحراء الغربية كلها عالما مسحورا منذ ما قبل الزمن حتى جاء التاريخ. والحقيقة أن الأمر ليس سياحة أجانب، وإنما هى اكتشاف المصريين لأنفسهم كأرض وطعام، وشروق شمس وغروبها، وجمال فى الحل والترحال. ولا يمكن لزائر أن يستمتع بأرض مصر ما لم يكن المصريون أنفسهم مستمتعين بها، والمتعة هو ألا تشعر بالملل، ولا تعيش الغضب، ولا يتملكك سأم وأحزان سقيمة.

المائة مكان الأعظم فى دنيانا هى نتاج الانضباط والاكتشاف واستخراج الجواهر من أبنية قديمة، والطعامة من أكلات محلية، ومزج للتكنولوجيات التى عرفتها البشرية من أول الحجر وحتى سفن الفضاء. وقبل كل ذلك وبعده فإن العيش فى بيئة نظيفة هى المقدمة التى تجعل الأمكنة عظيمة، لأنه فى المكان توجد الأسرار والتجليات الإنسانية فى أفضل حالاتها. «النظافة» والبيئة النظيفة هى المقدمة لكل ما سبق، أو هى القصة التى تسبق كل القصص!.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع