متى ستذهب الدولة إلى دمشاو؟!
مقالات مختارة | محمد صلاح البدرى
الاربعاء ١٢ سبتمبر ٢٠١٨
لا أتذكر تحديداً متى سمعت عن قرية «دمشاو هاشم» للمرة الأولى.. ربما كان ذلك فى بداية طفولتى الواعية.. كان والدى يقول إننا أقارب.. لم أدرك كيف نصبح أقارب لقرية كاملة.. قبل أن أكبر لأدرك كيف يصل الكبار علاقات النسب والمصاهرة بصلات الدم القريبة والبعيدة ليصبح الصعيد كله أقارب فى نظرهم.. إنها دمشاو هاشم.. أو دمشاو فقط كما يلقبها أبناؤها فى فخر وعزة ربما لا تتفق مع حجم القرية الصغير.. إنها القرية التى تشتهر أن أهلها لا يتفاهمون بلسانهم أبداً.. فهم شداد غلاظ.. بل ربما حملوا معظم صفات الصعيد القاسية.. أذكر حادثاً مأساوياً حدث فيها فى مستهل أيام ثورة يناير.. وأتى المصابون إلى المستشفى.. وحين حاول أفراد الأمن منع المرافقين من الدخول للاستقبال.. قام أحدهم بنزع الباب الحديدى من مكانه بيديه وكأنه يحمل طفلاً صغيراً.. لينهار بالكامل ويدخل بعدها هو وأهل القرية فى هدوء.. ثم يأتى كبيرهم ليعرض إصلاح الباب على نفقته!!
أعرف الكثير من أهلها معرفة شخصية.. وأدرك جيداً مدى حرصهم على كرامتهم.. ومدى شهامتهم مع الغريب فى الوقت ذاته.. إنها قرية يمكن اعتبارها نموذجاً مصغراً للصعيد الذى كنا نعرفه.. والذى كنا نتمنى أن يبقى كما هو دون تحريف.. والواقع أننى لم أعرف تفاصيل ما حدث بتلك القرية «الجدعة» إلا بعدها بأيام.. وبعد أن أدلى الجميع بدلوه فى الأحداث دون حتى أن يعرف من الذين يتحدث عنهم بهذه القسوة.. إن ما حدث ببساطة لا يمكن تعميمه خارج السياق.. ولا يمكن وصفه بذلك المصطلح منتهى الصلاحية الذى سئمنا منه «الفتنة الطائفية».. لأنه لا يندرج تحته بأى حال من الأحوال.. إن ما حدث هو اعتداء «طائفى» مكتمل الأركان.. اعتداء اعتمد فى أساسه على الهوية الدينية دون تمييز.. إنه استغلال داعشى متكرر لشباب متحمس باسم الدين ومن على منابر الفتوى غير الرسمية -التى حذرنا منها مراراً وتكراراً- دون جدوى.. إنه الشيخ «فلان» الذى أفتى بعدم جواز إقامة صلاة لغير المسلمين استناداً إلى العدم.. وأطلق صرخاته الكريهة بينهم لينصروا الدين كما يظن ويظنون بمنع الصلاة بالقوة.. حتى تحرك الناس مغيبين غير مدركين ما هم مقبلون عليه.. وغير عالمين أن ما يفعلوه يضر الدين كما لم يفعل كفار قريش!!
إن من اعتدوا على المسيحيين من أهل القرية الشباب لم يكونوا ليترددوا فى الدفاع عنهم إن تعرضوا لمكروه دون أن يفكروا لحظة.. ولم يكونوا ليأكلوا مالهم أو يعتدوا على حقوقهم أو حتى يسمحوا لأحد أن يفعلها وهم على قيد الحياة.. إن ما حدث هو استغلال مباشر لطبيعة الصعيد التى لا تعرف التفاهم ولكن فى الاتجاه المعاكس.. لا أعتقد أن الأمر يحتاج إلى مجالس عرفية.. ولا يحتمل شعارات الصليب الذى يحيا بجوار الهلال.. إنه أمر ينبغى أن يواجه بكل حسم وصرامة من الدولة.. لأنه ببساطة يمس هيبتها ووجودها نفسه.. الأمر يحتاج إلى عقاب المخطئ بعد تفهم طبيعته.. ويحتاج لتوقيف المحرض الذى لن يتوقف عما يفعله.. ليس لإيمانه به.. وإنما لأغراض معروفة للجميع..!
باختصار.. لا نحتاج فى الصعيد لمزيد من السيطرة الأمنية.. وإنما نحتاج للتخلص ممن ينشرون سيطرتهم الدينية على أهله دون رادع أو رقيب.. نحتاج إلى من ينشر الدين الإسلامى الذى نعرفه بين الشباب المتحمس.. نحتاج أن تذهب الدولة إلى دمشاو سريعاً.. قبل أن تذهب دمشاو بالدولة نفسها!!
نقلا عن الوطن