روح القبيلة وروح المواطنة
مقالات مختارة | عادل نعمان
الخميس ١٣ سبتمبر ٢٠١٨
ستظل الدولة الدينية مهددة بالفشل والإخفاق، كما فشلت كل الدول الدينية من قبل مهما امتد عمرها، فإن روح القبيلة السائد، وإعلاء طرف على الآخر، واستعلاء واستقواء دين على الأديان الأخرى، واعتبار أصحابها ذميين فى عهدة أصحاب هذا الدين، وعلى هوى ومزاج فقهائه، وإهدار قيمة المواطنة، فإذا كان هذا هو السند وهو الضابط للحكم فى الدولة الدينية، فهو أيضا يحمل عوامل الانهيار.
ونقول كما قال البعض بعد وفاة النبى وأظن أنها قبل: بعد وفاة النبى زاحمت روح القبيلة أفعال الخلفاء والحكام، وأطلت بشرورها من جديد، ففضلوا المهاجرين من قريش على المهاجرين جميعا، وميزوا المهاجرين على الأنصار، والأوس على الخزرج، والمهاجرين والأنصار على باقى العرب، وفضلوا العرب على العجم وعلى الموالى، وميزوا الموالى على أهل الذمة، وأهل الذمة على الوثنيين، وكان هذا إساءة للجميع عدا الصفوف الأولى منهم، حتى أنهم قد اغتروا وتجبروا وتكبروا وقصروا منصب الخليفة على القرشيين فقط، ويرى هؤلاء أن دولة مسلمة فى أقصى الشرق أو الغرب تبحث عن حاكم قرشى بجلباب أو لحية حتى لو جاءت به من كهف سحيق، دون علم، يقود الأمة والخلافة، وتكون على يديه الكريمتين صلاح الحال!! وكان كل فريق منهم يسىء للآخر منهم وعليهم، فانقلبوا على بعضهم، وناصبوا بعضهم العداء، وناصبوا وناصبهم الغير العداء أيضا. د. طه حسين يقول (لم تكن الخصومة بين قريش والأنصار، بل تجاوزتها إلى القبائل الأخرى، وتجاوزت العصبية العرب كافة، فتعصبت العدنانية على اليمنية، وتعصبت مضر على عدنان، وتعصبت ربيعة على مضر، وانقسمت مضر على نفسها، وانقسمت ربيعة على نفسها، وتشعبت هذه العصبيات فكان لها فى الشام والعراق وخراسان والأندلس وهذه العصبية هى التى أزالت الخلافة الأموية)، وظلت هذه النعرة القبلية منهجا وطريقا يسلكونه،
حتى يومنا هذا، فكان مصير حكمهم، بل وعلاقاتهم بالناس أجمعين، حتى من مذاهب دينهم نفسه، العداوة والبغضاء والخصومة والمشاحنة، كيف عادت؟ كانت الأموال فى بيت المال توزع على نظام شيخ القبيلة (هذا لكم وهذا لى) فكانت توزع العطايا حسب ما يراه الخليفة، فهذه السيدة عائشة يقلل عثمان عطاياها التى فرضها لها عمر وزادها على نساء النبى، فتثور وتغضب، ويموت ويقتل ولا تنسى له هذا!! وكان التواطؤ فى مقتل الخليفة عثمان ظاهرا جليا، يقتل الرجل بين أهله فى المدينة، وبين الثوار من شاركهم من الصحابة، ولما حوصر بيت الخليفة أربعين يوما فى المدينة لم يتقدم من الصحابة من يفك كربه حين استجار، ولما تسلقوا سور بيته وقتلوه لم يمنعهم أحد من أهل المدينة، ولما أودع جثمانه حوش يهودى ليلا دون صلاة، لم يودعه سوى أربعة ليس بينهم صحابى واحد، وفيما قالوه من أسباب: تفضيله لبنى أمية فى العطايا، وخصهم حكم الأمصار فكانت الغلبة لقبيلته وأبناء عمومته، وكان عمر من قبله قد ميز قريشا فى العطايا عن المهاجرين، وميزهم على الأنصار، وميز نساء النبى من كل النساء، وميز عليهم عائشة، ولم يكن المال العام له مفهوم محدد عند كل هؤلاء حكاما ومحكومين، بل إن البعض جاروا عليه واستحلوه لشبهة الظلم فى جمعه، فكان من عرق الغير، لا كد فيه ولا عمل، تأتى على الراحة وعلى الوسعة، بل كانت أرقامه تفوق ما تعرفوا عليه من أرقام، ولم يكن قد وصلهم بعد أرقام تتخطى الألف، فكانوا يعدون على اليدين، أو يكيلون المال بالمكيال.
نقلا عن المصري اليوم