لماذا عارضت المؤسسة الدينية قانون الأحوال الشخصية؟
بقلم : د. عبدالخالق حسين
بمناسبة الذكرى الثالثة والخمسين لثورة 14 تموز 1958 المجيدة، ولكوني أحد المهتمين بتاريخ الثورة، حيث صدرتْ لي حديثاً، الطبعة الثانية من كتابي الموسوم: (ثورة وزعيم)، استلمت دعوة من صحيفة (الصباح) البغدادية الغراء، للإجابة على السؤال التالي: "لماذا اعترضت المؤسسة الدينية في العراق على قانون الأحوال الشخصية رقم 188، لعام 1959 الذي أصدره الزعيم عبدالكريم قاسم، رئيس حكومة ثورة 14 تموز آنذاك؟؟" ويبدو أن الأخوة المسؤولين في الصحيفة المذكورة امتنعوا عن نشر المقال، لأسباب لا أعرفها، سامحهم الله!
لا شك أنه من المفيد مراجعة هذا الحدث العظيم (الثورة) الذي ترك آثاره، الإيجابية والسلبية، في تاريخ العراق الحديث. ومن منجزات الثورة، إصدار قانون الأحوال الشخصية الذي واجه معارضة عنيفة من المؤسسة الدينية وبتحريض من القوى السياسية المناوئة للثورة وقيادتها آنذاك. وللإجابة على السؤال أعلاه، يجب أن نشير إلى بعض الحقائق التي هي من المسلَّمات في علم الاجتماع.
الحقيقة الأولى، أن التغيير، أو التطور هو سنة الحياة، والمجتمع البشري في تغيير دائم، فإذا سمح له دون عقبات من البنية الفوقية (السلطة الحاكمة)، يحدث هذا التغيير عن طريق التطور السلمي التدريجي (evolution). أما إذا منعت السلطة التطور، فيحصل الصراع بين المجتمع والسلطة، وتتراكم التناقضات إلى أن تصل النقطة الحرجة، فيحصل الانفجار، أي التغيير السريع أو ما يسمى بالثورة (Revolution)، فينتقم التاريخ لنفسه ليعوِّض عن الزمن الضائع وما تراكم من مستحقات تاريخية في عملية التطور، أي أن التراكم الكمي يؤدي إلى التغيير النوعي في قانون الفيزياء.
ويشرح العلامة علي الوردي التطور والصراع بقوله: "فمن خصائص التغير البطيء أن المجتمع يتكيف له ويتلاءم معه بمرور الأيام، فلا يظهر فيه صراع عنيف أو تناقض بين القديم والجديد على منوال ما يظهر إثناء التغير السريع الذي لا يؤثر في جميع أجزاء الكيان الاجتماعي على درجة واحدة، فكثيراً ما يكون هناك جزءان مترابطان، ثم يحدث التغير في أحدهما دون أن يحدث في الآخر، أو هو قد يحدث في أحدهما أسرع مما يحدث في الآخر، فيؤدي ذلك إلى صراع أو توتر أو تناقض بينهما، وهذا هو ما أسميته بـ (التناشز الاجتماعي).
الحقيقة الثانية، أن السياسة متغيرة والدين ثابت. فالسلطة السياسية المدنية مهتمة بشؤون الناس الحياتية في هذه الدنيا والتي تتغير مع الزمن، ولا بد لها أن تستجيب لمتطلبات الحيات وفق المتغيرات التي يفرضها التطور، بينما المؤسسة الدينية مهتمة بشؤون الناس الدينية والأخروية، وتعارض التغيير.
وهذا الصراع بين الثابت والمتغير موجود على مدى التاريخ، لذا فمن الطبيعي أن تعارض المؤسسة الدينية كل جديد في المجتمع ومنه قانون الأحوال الشخصية الذي أصدرته حكومة ثورة 14 تموز. ولكن لو تأملنا التاريخ الحديث لوجدنا أن المؤسسة الدينية لم تعارض التحولات الاجتماعية فحسب، بل وعارضت حتى العلوم الطبيعية وبعض الاختراعات العلمية والتكنولوجية والفنون بأنواعها. فالتاريخ الحديث يخبرنا عن الكثير من هذه الاعتراضات، وعلى سبيل المثال لا الحصر، اعترض رجال الدين في مصر على مد أنابيب المياه لأول مرة ونصب صنابير في البيوت ودوائر الدولة وغيرها، بحجة أن هذه الأنابيب لم تكن موجودة في عهد الرسول، إذَنْ فهي بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة صاحبها في النار!! وأخيراً انتصر العقل فأفتى شيخ على المذهب الحنفي بحلالية ماء الصنابير للوضوء وغيره من الاستخدامات، لذلك سمي الصنبور بالحنفية!! كذلك عند دخول القطارات لأول مرة في مصر والعراق، أحتج أحد رجال الدين وصرخ في الناس قولته المشهورة: "أتتركون حمير الله وتركبون الشمندفر!!؟؟"
وعليه فلا غرابة أن تعترض المؤسسة الدينية على قانون الأحوال الشخصية الذي أصدره الزعيم..
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :