جميل راتب اتخذ قراره بعدم الإنجاب وقاطع عائلته
فن | إيلاف
السبت ٢٢ سبتمبر ٢٠١٨
"خسر الفن المصري برحيل القدير جميل راتب واحداً من أهم وأبرز أعمدته الفنية. حيث استطاع بأدائه أن يحصد نجاحات عديدة بدأها من مصر وأكملها في باريس ثم إلى عاد ال موطنه ليمضي شيخوخته ويمضي بسلام.
ولقد نجح الراحل بالتمرد على قواعد عائلته الارستقراطية فاقتحم عالم الفن بقوة وإصرار مؤكداً على قدرته على تقديم الأدوار المتنوعة على المسرح وفي الدراما والتلفزيون ، ليكمل مسيرة استمرت 70 عاماً.
ورغم أنه لم يحصل على نوعية الأدوار التي تناسب موهبته في السينما والدراما المصرية، ظل ملكاً على خشبة المسرح التي قدّم عليها أكثر من 90 عملاً. منها نحو 75 مسرحية في فرنسا، حيث نجح بفضل اتقانه للغة الفرنسية بالحصول على أدوار متعددة. علماً أنه درس "الفرنسية" في طفولته وسافر إلى باريس من أجل استكمال دراسته في القانون. لكنه فضّل أن يحوّل مجال الدراسة من القانون للفن الذي برع فيه وحصل على إشادات كبيرة بين فرنسا ومصر.
ينتمي جميل راتب لعائلة ثرية اقتطاعية، فوالده كان يمتلك فيلا في حي جاردن سيتي وسوق للخضار والفاكهة باسمه في منطقة العتبة، وخاله كان عضواً بمجلس النواب المصري في عشرينات القرن الماضي. صحيح أنه تمرّد على هذه العائلة وقواعدها لكنه استفاد من اهتمام الإقتطاعيين في تلك الفترة بالمسرح والفنون. فكان يشاهد المسرحيات داخل دار الأوبرا المصرية، وشارك في العديد من المسرحيات خلال فترة الدراسة التي قضى جزءاً منها في مدرسة الليسيه، قبل ان يلتحق بكلية الحقوق، ويقدّم عروضاً مسرحية ناجحة، ويحصد الجوائز في التمثيل. لكن الاسرة التي كانت تتعامل مع الامر باعتباره هواية بدأت تشعر بالقلق على نجلها، خاصةً بعدما قام بتصوير مشاهد في فيلم "الفرسان الثلاثة" مع المخرج فطين عبد الوهاب.
كان لعلم الأسرة بظهور جميل راتب في هذا الفيلم وقع الصاعقة عليهم بشكلٍ كامل، وهو ما دفع العائلة إلى التواصل مع فطين عبد الوهاب وتعويضه مالياً وحذف جميع المشاهد التي ظهر فيها جميل راتب باعتبار أن التمثيل سيكون نوعاً من العار. إلا أن إبن العائلة الارستقراطية التي استقرت على ايفاد نجلها المولع بالتمثيل إلى باريس من أجل دراسة القانون والسياسة، وجد فرصة تحقيق حلمه بدراسة التمثيل واحترافه بعيداً عن قيود عائلته.
فقد سافر جميل راتب وبدأ الدراسة بين التمثيل والقانون استجابةً لضغوط العائلة. لكن مع مرور الايام قرر التوقف عن دراسة القانون والاكتفاء بالتمثيل، وهو ما زاد الفجوة بينه وبين أسرته التي منعت عنه الأموال بشكلٍ كامل، في محاولة لإثنائه عن موقفه من التمثيل. لكنه لم ييأس. بل وجد عملاً للتغلب على مشكلة نقص الأموال لديه بشكلٍ حاد. فاصبح التمثيل في تلك الفترة هو مصدر دخله الرئيسي.
واستمر على هذا الامر لعدة سنوات، نجح فيها بشكلٍ كبير وقدم عشرات العروض المسرحية بالفرق الفرنسية التي بدأها بفرقة شبابية متنقلاً بين عدة فرق، حتى وصل لفرقة الكوميدي فرانسيس التي كانت سبباً في الصلح بينه وبين أهله خلال مشاركته في جولتها الخارجية التي شملت سوريا ومصر في بداية الخمسينات. حيث تعرف على سليمان بك نجيب مدير دار الأوبرا المصرية الذي منحه فرصة البطولة للعروض المسرحية على خشبة دار الأوبرا، وقدم نحو 7 عروض حققت نجاحاً كبيراً وشاهدتها أسرته. الأمر الذي أعاد وصل العلاقة مع عائلته التي كانت في قطيعة.
ولم يكن راتب يتحدث كثيراً عن حياته الشخصية على الرغم من قصة الحب التي عاشها مع زوجته. وهي سيدة تعرف عليها خلال فترة عمله في المسرح والسينما الفرنسية. لكنه انفصل عنها لاحقاً وظلت علاقة الود بينهما مستمرة بحسب تصريحاته. حيث كان يتردد على المنزل الخاص بها في أحد المناطق الريفية في فرنسا التي قضى غالبية حياته فيها.
ولقد تزوج في الأربعينات من عمره متأخراً عن أبناء جيله في تلك الفترة. وهو ما يرجعه إلى كثرة علاقاته النسائية. الأمر الذي أبعده عن فكرة الزواج، بالرغم من تفكير البنات التي عرفهن بالارتباط به، لكنه كان يرى في الزواج تقييداً لحريته التي ظل متمتعاً بها، وباحثاً عنها حتى الأيام الاخيرة من حياته.
ويعترف "راتب" في حوارٍ نادر له، أنه لم يكن زوجاً مثالياً على الرغم من أن زوجته كانت مثالية. موضحاً أنه كان يعتبر الزواج شيئاً ثانوياً في بعد الفن الذي وضعه في المرتبة الأولى بحياته. وهو ما أصاب زوجته بالوحدة خلال فترة زواجهما الأولى. لكنها سرعان ما استطاعت التأقلم. فنظرة الشاب الذي عاش في باريس لسنواتٍ طويلة للزواج قد تغيّرت بشكلٍ كامل. لكونه لم يكن ينظر للأمر باعتباره مرحلة من أجل الارتباط والانجاب وتربية الأبناء، وهو ما جعله يؤكد أن نظرته كانت صائبة في عدم الارتباط بسيدة مصرية لاختلاف ثقافته عن ثقافة المجتمع المصري.
والجدير ذكره، هو أن زواجه في سن متأخر لم يكن السبب بعدم إنجابه للأبناء. ولكنه كان يرغب بأن يوفر لأولاده كل شيء وأن يجعل حياتهم بلا مشاكل. هي السبب في اتخاذه قرار عدم الإنجاب. خاصةً في ظل حياته التي كان يصفها بغير المستقرة بنتيجة عمله في الفن وتبدل وضعه المالي بما يتعارض مع الالتزامات التي يفرضها الإنجاب على الأسرة.
حيث أنه كان مقتنعاً بأنه لا يوجد انسان يمكن أن يمتلك كل شيء من حب لزوجته، وممارسة المهنة التي يرغب فيها، ويشعر بالسعادة وينجب أبناء. ولقد كان سعيداً وراضياً بقرار عدم الإنجاب قرار الذي اتخذه بالرغم من صعوبته، ولم يتحدث يوماً عن شعوره بالندم عليه مطلقاً، بل على العكس كان يؤكد شعوره بأنه اتخذ القرار الصحيح.
وبالعودة لمسيرته الفنية فإنه لم يستمر في مصر طويلاً، خاصةً بعد ثورة 1952. فعاد لفرنسا من أجل استكمال مشاريعه الفنية بعدما بدأت الأمور المسرحية تتوقف في مصر نسبياً، بسبب الأوضاع السياسية، ليبدأ "راتب" مرحلةً جديدة من حياته الفنية، استمرت لنحو 23 عاماً اقتصرت فيها علاقته بمصر على زيارات سنوية لعائلته فقط في الإجازة.