الأقباط متحدون - جيل يقرأ ولا يكتب
  • ٠٥:٣٧
  • الاثنين , ٢٤ سبتمبر ٢٠١٨
English version

جيل يقرأ ولا يكتب

د. مجدي شحاته

مساحة رأي

٠٧: ١٠ ص +02:00 EET

الاثنين ٢٤ سبتمبر ٢٠١٨

  بقلم: د . مجدى شحاته                                 
عرفت مصر التعليم منذ فجر التاريخ ، حيث ساهم القدماء المصريون فى اختراع الكتابة وقد سجلوا اللغة المصرية القديمة بالكتابة الهيروغليفية ، فكان فى مصر القديمة منذ آلاف السنين ( برعنخ ) أو بيت الحياة وهى أول مدرسة ومكتبة فى تاريخ الانسانية . وتغير أوجه التعليم فى البلاد عندما دخلت المسيحية مصر فى زمن القديس مرقس الرسول حوالى عام 60 ميلادية حيث تأسست المدارس التى الحقت بالكنائس بدلا من المعابد الفرعونية ، وتأسست المدرسة اللاهوتية بالاسكندرية والتى كان لها صيت عالمى واسع . وبعد الفتح الاسلامى للبلاد ، ظهرت المدارس الملحقة بالمساجد بعدها  تأسس الازهر فكان أول المدارس التى تماثل المعاهد النظامية التى نشهدها اليوم . بعد هذه الحقبة من التاريخ ، بدأ الاتساع فى النظام التعليمى خلال عهدى الدولة الايوبية  والدولة المملوكية حتى عصر محمد على باشا فكانت بداية تحديث نظام التعليم فى مصر ، ليكون على نسق وشكل الانظمة الحديثة ، فشهدت مصر العريقة المدارس التعليمية والمدارس العسكرية بجانب المدارس التجهيزية والمدارس العليا المتخصصة . وبحلول عام 1908 كانت النقلة النوعية الكبيرة حيث تم تأسيس وأنشاء أول جامعة مصرية حديثة وهى جامعة القاهرة حاليا ، لتصبح نواة لعشرات الجامعات المنتشرة فى كافة ربوع البلاد .
 
لايمكن لنا أن ننكر المجهودات التى تبذل حاليا بغرض النهوض بالمنظومة التعليمية فى مصر. و التى تأتى بمثابة خطة قومية لتطوير المنظومة التعليمية فى مصر . ونأمل أن تهدف الخطة التعليمية بالمواءمة بين مخرجات نظم التعليم واحتياجات سوق العمل المتغيرة والنمو الاقتصادى وفى ظل النقلة النوعية التى تشهدها البلاد من مشروعات قومية عملاقة ووفقا للقدرة التنافسية فى مجالات العمل المختلفة .
 
وتتضمن النهضة التنموية للتعليم العديد من الاهداف ، يأتى فى مقدمتها تسليم جهاز حسوب لوحى ( تابليت ) الى كل التلاميذ . الخطوة التى أثارت موجة من الجدل نشهدها الان ومنذ فترة وجيزة مضت ، حول خطة وزارة التربية والتعليم بتسليم جهاز الحسوب اللوحى  ( تابليت ) وتوزيعه على تلاميذ المدارس الحكومية مجانا على مراحل مختلفة الامر الذى تطلب الحصول على قرض من البنك الدولى قيمته 500 مليون دولاربالاضافة الى تكلفة ادخال شبكة الانترنت  . ومن أهداف مشروع  (التابليت ) بان يكون مصدرا وبنكا  للمعلومات يمكن الاعتماد عليه بدلا من الكتاب المدرسى مستقبلا ، ومن خلاله يقوم التلاميذ بأداء الامتحانات الدورية والنهائية وانه يتضمن بنكا للأسئلة يقوم بوضعها متخصصون فى التعليم أسئلة ، لاتعتمد على الحفظ والتلقين وانما تعتمد على الفهم والابتكار والابداع . ولايمكن لنا ان ننكر أهمية التكنولوجيا الحديثة فى تخزين ونقل كافة المعلومات والنظريات العلمية المختلفة بصورة شاملة ومذهلة . وان هذا بدوره كما يعتقد البعض سيكون عاملا اساسيا فى القضاء على ظاهرة الدروس الخاصوصية . لاشك ان استخدام ( التابليت ) خطوة لابأس بها فى تحقيق جزء من تطوير المنظومة التعليمية لكنها ليست هى الحل الشامل الذى يمكن الاعتماد عليه فى حل مشاكل التعليم كما يتصور او يعتقد البعض . الواقع بأن ال ( التابليت ) لن يقضى على ظاهرة الدروس الخصوصية لأن التلميذ يريد التواصل مع معلم يشرح  ويناقش ويعلم  ويحلل المعلومات والنظريات المختلفة . وجود ( التابليت ) فى أيدى التلاميذ مع عدم توافر الخبرة الكافية لدى المعلمين المدربين بدرجة عالية لن تجدى بل ربما تعقد الامور فالدورات التدريبية الروتينية الحالية للمعلمين ربما تكون غير كافية او مثمرة بالشكل الكافى . كذلك عدم توافر الامكانيات والخدمات التقنية وعدم ضمان انتظام شبكة الانترنيت  تشكل عائقا اساسيا فى استخدام ( التابليت ) فضلا عن حدوث تلفيات فى الاجهزة او ضياعها او تعطيلها او توقف شبكة الانترنيت خاصة فى القرى الصغيرة ولابد ان نضع فى الاعتبار ، ان الاجهزة الالكترونية مثل الكومبيوتر و( التابليت ) والموبايل شكلت أجيال تقرأ ولا تكتب !! لفرط استخدامها لتلك الاجهزة ولا تستخدم القلم والورق !!   
 
ان من أهم المشكلات التعليمية فى مصر تتمثل فى الكثافة الطلابية فى الفصل الواحد فقد أشارت التقارير ان فى بعض المدارس الحكومية يصل عدد التلاميذ فى الفصل الى نسبة تتراوح ما بين 90 الى 120 تلميذا فى الحجرة الدراسية الواحدة !! الامر الذى يشكل عبئا ثقيلا على المعلم الذى يبذل جهدا ووقتا لضبط وهدوء التلاميذ . بالاضافة الى صعوبة التعامل مع الاجهزة الالكترونية فى ظل هذه الكثافة الطلابية ، فكثير من المواقف تتطلب التواصل الفردى بين التلميذ والمعلم ، فكيف يمكن للمعلم الواحد ان يتواصل مع هذه الاعداد الطلابية الكثيفة ؟؟ ان التعامل الفردى بين المعلم والتلميذ عملية ضرورية وأساسية فى التعليم .  كذلك يواجه المعلم مشكلة التباين والاختلاف بين مستويات التلاميذ داخل الفصل الواحد ، فاذا رغبنا فى تقدم فعلى فى العملية التعليمية فلا ينبغى الا يتجاوز عدد تلاميذ الفصل الواحد عن 30 الى 40 تلميذا كحد أقصى .  من هنا نرى ان الامر يتطلب ضرورة التوسع فى الابنية التعليمية والتوسع فى انشاء المدارس حتى يمكن مواجهه مشكلة الكثافة الطلابية وأيضا مواجهه التزايد السنوى فى تدفق أعداد جديدة من التلاميذ .
 فى نفس الوقت ضرورة الاهتمام بصيانة كافة المنشئات التعليمية مثل الفصول الدراسية والمعامل والملاعب والصالات الرياضية وحجرات الرسم والاعمال الفنية والمسرح المدرسى  وعودة كافة الانشطة المدرسية الفنية والهوايات مثل الرسم والنحت والتصوير بمختلف أنواعه بجانب الفن الدرامى والمسرحى والموسيقى وكل الانشطة الرياضية والرحلات العلمية والثقافية ، وبالتالى العودة الى نظام اليوم الدراسى الكامل والغاء النظام المدرسى ذو الفترتين الذى أثر سلبا على العملية التعليمية منذ عقود طويلة مضت ، والاهتمام بطابور الصباح وتحية العلم المصرى والاذاعة المدرسية . ولا يمكن ان ننكر ان هذا كله يحتاج سنوات طويلة بالاضافة الى ميزانية ضخمة ، لكن مشوار الالف ميل يبدء دائما بخطوة ونحن فعلا خطونا خطوات واسعة وثابتة فى هذا المجال ، فلنكمل المسيرة والمشوار بكل الثقة والعزم .       لابد من التأكيد على ان المعلم هو الرقم الاساسى والمهم فى المعادلة  التعليمية على الاطلاق . من هذا المنطلق لابد من الاهتمام بالمعلم ماديا ومعنويا وان يكون مؤهلا علميا وتربويا على 
 
الطرق الحديثة فى التعليم ، وتكثيف الدورات التدريبية الفعلية والحديثة وأن يكون حضورها اجبارىا لاستمراره فى العمل الوظيفى والترقى .                                                                    
ومن حيث المناهج التعليمية وهى جوهر العملية التعليمية فمن الضرورى التأكد تماما اننا قضينا على الحشو الزائد فى المناهج التعليمية ولا أقول الغاء بعض  المناهج التى تحتاج للحفظ لأن الحفظ كثيرا ما يلازم الفهم والاستيعاب بل والابداع . وفى هذا السياق ، فمن الضرورى ان نستكمل ازالة كافة منابع التطرف الدينى التى لاتزال رواسبها موجودة وعالقة فى بعض المناهج التعليمية فى كافة المراحل التعليمية بما فيها الجامعات و المعاهد العليا .
ان مصر تمر بمرحلة مفصلية من البناء والتطور والنهوض نحو مستقبل زاهر يبشر بالخير بصورة غير مسبوقة ، الامر الذى يتطلب توافر الايدى الفنية الماهرة فى كافة المهن الحرفية المختلفة والتى تسهم فى بناء المجتمع . هذا الشأن يدفعنا نحو الاهتمام بتطوير والتوسع فى  التعليم الفنى المتوسط ( المدارس الفنية ) وكذلك المعاهد الفنية العليا المتخصصة لكل حرفة او مهنة على اصول واسس علمية فنية عالية على غرار المعاهد المتخصصة فى استراليا   (  TAFE) ، وذلك بغرض تخريج فنيين مهرة فى شتى مجالات العمل على ان تكون تلك المدارس والمعاهد الفنية قائمة على نظام الشراكة مع الوزارات المعنية وشركات استثمار لها علاقات دولية لجذب التلاميذ لهذا النوع المهم من التعليم . فى نفس الوقت  ضرورة  رفع أجور ومرتبات هذه الفئة من العاملين المهرة بدرجة تفوق مرتبات خريجى الجامعات ، وبالتالى نقضى ولو جزئيا على ظاهرة التنافس الرهيب على الالتحاق بالجامعات ومشاكل  الصراع فى الثانوية العامة ومافيا الدروس الخصوصية . لا يمكن ان ننكر بان نظم التعليم فى مصر خلقت عالم جديد يعرف بعالم ( الشهادات ) . فبالرغم من تدنى مرتبات خريجى الكثير من الجامعات ، الا أن الآباء والامهات يحثون أبنائهم على ضرورة الالتحاق بالجامعة ... أى جامعة .. المهم ان يحصل الابن او الابنة على شهادة جامعية والتى تمثل مفتاح الحياة لهؤلاء  سواء كان  الابناء يرغبون فى  هذا النوع من الدراسة الجامعية أم لا .. استخدموها  فى الحصول على عمل  أو لم يستخدموها  .. وهل سوق العمل يتطلب استيعاب هذا الكم الهائل من خريجى الجامعات أم لا ؟؟ !! المهم الحصول على أى شهادة جامعية التى باتت من ضروريات الوجاهه الاجتماعية ، وواحدة من أهم مصوغات التقدم لعريس أو عروسة !!     و الكلام عن التعليم الجامعى والبحث العلمى يطول شرحه والتحدث عنه يحتاج المزيد ، وأعد ان يكون لنا لقاء فى وقت آخر ان شاء الله للكلام عن هذا الشأن.
ان تأكيد التعليم بات أمرا ضروريا فى حياة الشعوب الناهضة المستنيرة ، وفى مصر الحديثة أصبح أكثر ضرورة بوصفه مسارا راسخا للنظرة المستقبلية التى تؤسس وترسخ فى الوعى الثقافى العام وكذلك يعتبر ضرورة فى مجتمع المعرفة الذى هو السبيل الامثل للتقدم فى كل نواحى الحياة .