الأقباط متحدون - لا يفل التحرش إلا التحرش
  • ٠١:١٦
  • الثلاثاء , ٢٥ سبتمبر ٢٠١٨
English version

لا يفل التحرش إلا التحرش

مقالات مختارة | عاطف بشاي

٠٥: ٠٦ م +02:00 EET

الثلاثاء ٢٥ سبتمبر ٢٠١٨

عاطف بشاي
عاطف بشاي

«دول مش متربيين» هكذا استهلت المذيعة اللوذعية تقديم حلقة من برنامجها الذى تناقش فيه ظاهرة التحرش الجنسى بالنساء.. متصورة أنها بذلك قد توصلت إلى بيت الداء ولخصت القضية بإيجاز فى جملة مفيدة.. مضيفة فى تأفف وضجر أن المتحرشين هم «أولاد الإيه البيئة» القادمون من العشوائيات «باين على شكلهم»، مؤكدة أن هؤلاء العشوائيين يحركهم حقد وغل طبقى عميق تجاه المتحرش.. مع أن حقيقة الأمر أن بنات تلك الطبقة محصنات، بعيداً عن أعين وأيادى هؤلاء الأشرار، فهن لا يركبن الأتوبيسات.. ولا يتسكعن فى الشوراع.. ويتحركن داخل سيارتهن، ويرتدن الأندية ولا يجرؤ الصبية المعتدون على لمسهن أو مجرد الاقتراب منهن أو إيذاء مشاعرهن المرهفة دون ضابط أو رابط.. أو عقاب رادع.. ثم أسرعت المذيعة محددة أسلوب العلاج الذى يتلخص فى أن يعطى الأمن الحق للفتاة التى تتعرض للتحرش أن تمارس العنف ضد المتحرش دفاعاً عن نفسها: «ادينى حق أمسكه فى الشارع وأضربه» ملقية بالمسؤولية على عاتق الأمن المتخاذل فى حماية المجنى عليهن من الذئاب المتوحشة فى غاية الشياطين.. ويبدو أن وراء ذلك مخطط خبيث لإجبار المرأة على تحديد إقامتها داخل منزلها لا تبرحه.. فلا تعمل وتتفرغ للشؤون المنزلية.. وإنجاب الأطفال فى مجتمع ذكورى يناصبها العداء.

والحقيقة أنه من الخطر الشديد ذلك التسطيح فى حصر أسباب تلك الظاهرة السلبية التى تفشت فى مسؤولية الأمن تجاهها لقلة أعداد الشرطة المعينة.. أو قصور القانون والذى ما زال تطبيقه ضعيفاً.. وعلاقة ملابس المرأة بالتحرش.. وهل تتساوى فى ذلك المحجبات والسافرات.. وحقد الفقراء على الأغنياء دون أن يدركوا أن العشوائيين للعشوائيات.. بمعنى أن هؤلاء الصبية المعتدين من الطبقات الدنيا.. يتحرشون غالباً ببنات من نفس الطبقة.. ونحن لا يمكن أن نغفل تأثير الحياة المعيشية غير الآدمية التى يعيشها هؤلاء.. حيث يتكدس الأبناء أولاداً وبناتٍ مع الأب والأم نائمين فى حجرة واحدة فينتفى الإحساس بالخصوصية.. ويمتهن الجسد الإنسانى.. مما يؤدى إلى جرائم العنف الجنسى وزنى المحارم.

إن الأسباب الجوهرية الاجتماعية والنفسية لتلك الظاهرة تتصل بالبطالة (التى تمثل 12.5% من مجموع سكان مصر) وتدهور الأوضاع الاقتصادية.. وصعوبة الزواج.. وارتفاع نسبة عنوسة الرجال وتفاقم معدلات الطلاق.. وصولا إلى الحرمان والكبت الجنسى.

أما الآفة الكبرى التى تستحق دراسات مستفيضة، فتتمثل فى تيار التكفيريين من الدعاة بفتاواهم الشاذة وكتبهم الصفراء وانتشارهم الكبير والمؤثر تأثيراً خطيراً فى الشارع المصرىـ.. حيث ينفثون سمومهم من خلال القنوات الدينية أنها عورة.. وبالتالى، فإن وجودها فى الحياة ليس إلا وجوداً جنسياً كوعاء لتفريغ الرغبة.. ومن هنا فهم فى طليعة المتحرشين.. ولكن مكمن الخطورة أنهم متحرشون باسم الدين ونواهيه.. والدين منهم براء. هذا المفهوم المتخلف عن المرأة هو ما تبقى فى ذهن الشباب المتحرش فما إن يرى الشاب أنثى- أى أنثى- تتحرك فى الشارع حتى تنهار إرادته وتتداعى إنسانيته، ويفقد فى لحظة واحدة قيمه ومبادئه.. وأخلاقه فينقض عليها ليفرغ شهوته على قارعة الطريق كالكلاب الجائعة.. وفى ظل هذا «التمزق» الأخلاقى فى مدينة «البغاء» فقد فاض الكيل بالورع «نبيه الوحش» المحامى.. صاحب فكرة «محاربة الفحشاء عن طريق ارتكاب الفحشاء» ولا يفل الحديد إلا الحديد.. أى لا يفل المتحرشة إلى المتحرش.. وهى نظرية جديدة أضافها المحامى تضطلع بمواصلة مسيرة التقدم النهضوى فى منافسة «أفغانستان» على المركز الأول فى التحرش على مستوى العالم.

من المدهش والمؤسف حقاً أننا ما زلنا نبحث عن تكثيف وتفعيل وتغليظ عقوبات التحرش، ولا نسعى إلى اجتثاث جذوره.. ناهيك من أن إخصاء المتحرش يحوله إلى كائن مجنون.. مشوه.. أو مجرم سيكوباتى.. أو إرهابى قاتل.

ولا عزاء، إذن، للدولة المدنية المزعومة.. ومرحباً بتراجع مفاهيم وقيم الحضارة الحديثة.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع