ليبيات: نساء مصراتة لا يخفن لأن المدينة تلد رجالا شجعانا
يشكلن جبهة خلفية لا تسمع فيها سوى دعواتهن ولا ترسل سوى الهدايا
في مصراتة، المدينة المحررة، التي تتعرض لقصف من قوات القذافي من حين إلى آخر، ثمة جبهة أخرى تخلو من المقاتلين. فهناك عدد كبير من نساء المدينة يقمن بمهمات دعم «لوجيستي» إذا ما تجاوزنا المعنى قليلا، حيث يقمن بإعداد الطعام للمقاتلين من أبناء المدينة أو من جاءوا إليها في إطار قوات المعارضة ضد نظام القذافي.
وأكثر ما يثير مما يأتي من هذه الجبهة الصامتة هو الهدايا التي تعدها بكثير من الأناقة فتيات ونساء مصراتة. تبدو الواحدة منها مثل كيس صغير لا يحتوي إلا على المكسرات والزبيب، كما يقول تحقيق لوكالة «رويترز»، لكن في داخله ورقة طبعت عليها عبارة كتبتها مجموعة من أرامل مصراتة لمقاتلي المعارضة الذين يحاربون القوات الموالية للزعيم الليبي معمر القذافي إلى الغرب من المدينة: «إن نساء مصراتة لا يخفن لأن مصراتة تلد رجالا شجعانا».
بعد تفجر الانتفاضة في فبراير (شباط) الماضي، بعد 40 عاما من حكم القذافي، تمكنت قوة تألفت أساسا من المدنيين، في واحدة من كبرى المدن الليبية، من إخراج قوات العقيد، الأفضل تسليحا، وإبعادها إلى مسافة 36 كيلومترا تقريبا، إلى الغرب من المدينة.
وبعد أخطاء فادحة ارتكبت في الأيام الأولى من القتال خارج المدينة، بدأ المقاتلون يتعلمون كيفية خوض حرب تقليدية بدرجة أكبر. وعلى الرغم من أن مقاتلي المعارضة تمكنوا من إخراج قوات القذافي من المدينة، فما زالت مصراتة محاصرة، كما أن سكانها يدركون جيدا أن العدو أمامهم والبحر خلفهم.
وفي ظل مصاعب جمة يحتشد سكان مصراتة معا لتوفير الطعام والملابس، ولرفع الروح المعنوية للمقاتلين وأغلبهم من الشبان الذين يحاربون من أجلهم.
تقول إيمان الفورتية، وهي عضو في «رابطة أرامل مصراتة الحرة» التي تعبئ المواد الغذائية والملابس وغيرها من الإمدادات للرجال في الجبهة، مع كتابة تعليقات مختلفة لمساندتهم: «نحن نفعل هذا لأننا نريد أن يعلم شباننا أننا معهم.. نريدهم أن يعلموا أنهم ليسوا وحدهم في مواجهة النار والرصاص».
وتعد هذه الرسائل عاملا رئيسيا في رفع الروح المعنوية للمقاتلين. يقول محمد تركي، وهو مقاتل عمره 18 عاما: «عندما فتحت الرسالة وقرأت العبارة ارتفعت معنوياتي أكثر وأكثر». ويتابع: «عندما يرفعن (النساء) روحنا المعنوية بمثل هذه العبارات نصبح أكثر صلابة ونشاطا في الجبهة».
ويشارك السكان العاديون في هذه الجهود التي يساهم بها المجتمع في أنحاء المدينة، وكذلك ليبيون كانوا يعملون في الخارج وعادوا إلى بلادهم للمساعدة، ومنهم أطباء يرغبون في علاج الجرحى. حتى الأثرياء من أصحاب المشاريع التجارية الخاصة في المدينة يساهمون، وبعضهم يقدم المال والعتاد لوحدات المقاتلين.
يقول محمد رائد، رئيس شركة «النسيم» للبوظة (الآيس كريم) واللبن الزبادي والحليب الرائب: «لا بد أن يقوم الجميع بواجبهم، كل حسب استطاعته... العدو من أمامنا والبحر من خلفنا».
يجلب رائد السلاح والمواد الغذائية للمدينة، ويقدم الآيس كريم واللبن الزبادي للمقاتلين على الجبهة. ويحصل المقاتلون على الماء البارد والوجبات المنتظمة من مطبخ ميداني في الجبهة يموله سكان المدينة.
وعلى بعد بضعة كيلومترات من الجبهة، إلى الغرب من مصراتة، يستريح المقاتلون في محطة للخدمات لاحتساء القهوة أو تناول وجبة خفيفة أو تغيير الزيت، وكلها خدمات مجانية.
يقول أبو أحمد، الذي يدير هذا المشروع مع أحد أصدقائه وأحد أقاربه بالدفنية: «الأشياء التي يقدمها الناس لنا هنا لنعطيها للثوار أمر مذهل... لم ندفع مقابل أي شيء منها». على الزي الذي يرتديه أبو أحمد يمكننا أن نقرأ عبارة كتبها: «مقهى أبطال ثوار مصراتة».
ويساهم الناس بكعك وحلوى وقهوة وماء وعصير، تقدم جميعها للمقهى كل يوم. وحسب أبو أحمد فإنه يتلقى يوميا نحو ألفي فنجان قهوة بالمجان. أما محمود مصراتة فإنه يدير الجزء المتعلق بالميكانيكا في هذا المشروع، حيث يتبرع الأهالي بالآلات وبالزيوت. قبل الانتفاضة كان محمود رجل أعمال، واليوم بات رجل خدمات وطنية، يبذل قصارى جهده لمساعدة المقاتلين في قضيتهم، كما يقول.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :