تحقيق: مينا مهني
حرفة عتيقة امتدت من آلاف السنين.. حرفة عائلية لالتفاف أفراد العائلة الواحدة حولها في صبر وجلد لساعات طويلة دون ملل، يتبادلون الأحاديث، ويعلمونا لأطفالهم.
أصبحت في فترة السبعينات والثمانينات مصدر رزق لمدينة بكاملها، بعد أن راجت تجارتها، وراحت تدر دخلًا كبيرًا على كل العاملين بها، عندما كانت تصدر منتجاتها إلى دول أفريقيا عبر بوابة الحدود المصرية السودانية، ليتهافت نساء وفتيات أفريقيا على قطع المنسوجات القطنية المصبوغة بألوان زاهية، لتزيد السمراوات جمالًا ورونقًا في ملبسهن..
تلك المنسوجات هي "الفركة النقادية"، والتي سميت بذلك نسبة إلى مكان صناعتها مدينة "نقادة" بمحافظة "قنا"..
فرحة التصدير
يتذكر" مايكل جادو" من نقادة الفرحة التي كانت ترتسم على وجوه أهالي المدينة وقت الموسم، وكان العمل يجري على قدم وساق، والخير الذي يعم المدينة، من رواج سلعة الفركة، حتى أن بعض الأسر كانوا ينتظرون انتهاء موسم التصدير، ليزوجوا أبنائهم، ويتنافس الجميع لإنتاج أكبر كم من الفركة.
آلاف الأسر
ويضيف: كنا نشتري الخامات والخيوط والحرير والصوف والقطن من شركتي "إسكو" و"مصر للحرير الصناعي" بكفر الدوار، ولكن مع بيع تلك الشركات أصبحنا نستورد تلك الخيوط من "الصين" و"الهند".
وتشير إحصائيات الوحدة المحلية لمدينة نقادة، حول تقدير الإنتاج بحوالي 700 ألف قطعة سنويًا، ما بين الفركة السياحية والدرماني والحبرة، إضافة إلى بعض أنواع الأقمشة والأصواف.
ووصل عدد العمال بها إلى عشرة آلاف أسرة، قبل توقف التصدير في نوفمبر 1987.
بداية الانهيار
أما" هدرا عيدو" فيوضح أن صناعة الفركة بدأت في الانهيار عقب ظهور صناعات بديلة، ومنافسة في السوق، واختفاء الخيوط القطنية، وظهور خيوط مستوردة غالية الثمن، وتغير الحالة الاقتصادية في الدول الأفريقية، وتوقف تصدير الفركة، كل ذلك أدى إلى تدهور حال الفركة، وبدأ أصحاب الأنوال في تقليل حجم العمالة، وتقليل أجر العامل لمواجهة الكساد الذي أصابها.
ولم يكتف أصحاب الأنوال بذلك، بل بدأوا في البحث عن سبل أخرى للتسويق وتنشيط المبيعات، فلجأ بعضهم إلى عمل أشكال جديدة من المنتج، مثل الكوفيات والمفارش، وفتح أسواق جديدة في أوربا ولكن المنافسة كانت شرسة، ولم تنجح المحاولة طويلًا، واكتفى التجار ببيع بضاعتهم إلى البارزات السياحية في الأقصر والغردقة وشرم الشيخ.
ومع ظهور كساد تجارة الفركة بعد إغلاق باب التصدير، وضعف دخل الفرد العامل انصرف الشباب عن العمل بحرفة الفركة، واتجهوا إلى دول الخليج للعمل في البناء والمعمار، تاركين حرفة آبائهم وأجدادهم.
ضعف العائد
"كريستين جاد" عاملة بحرفة الفركة ومتخصصة في العمل على نول الشال وشال الكهنة، تعمل من الثامنة صباحًا حتى الخامسة مساءً، وتتقاضى ستة جنيهات عن الشال الواحد، وتقول: كل فترة يأتي الإعلاميون للتصوير وعمل الأحاديث الصحفية والتليفزيونية عن مهنة الفركة، لكن دون أن نرى أي تطوير أو إصلاح لحال العاملين بالمهنة التي في طريقها للاندثار.
وحول طريقه الصناعة أوضحت أنها تحتاج إلى ممارسة، فهي تضع الخيوط في إناء كبير ليسع اكبر كمية منها، لتبدأ مرحلة الصباغة ثم لف الخيوط، وتقوم بها والدتها والتي توارثت الحرفة من آبائها وأجدادها، وتعمل بها لأكثر من 60 عامًا، ثم مرحلة السدوة ثم مرحلة اللقاية ثم المشط ثم المكوك، وتشكو ارتفاع أسعار الخيوط فقد وصل سعر لفة الحرير إلى 110 جنيهًا، وتزن 4.5 كيلو جرامًا، وارتفع سعر الصبغة إلى 120 جنيهًا، كل ذلك أدى إلى ارتفاع التكلفة، وبالتالي قلة المطلوب من الفركة.
وتضيف أن حرفة الفركة أخذت نصيبها من الإعلام، ولكنها الآن تحتاج إلى تكاتف جهود الشعبيين والتنفيذيين للنهوض بها، ورفع المعاناة عن العاملين بها، وبحث مشكلاتها وحلها، بما يحقق حياة كريمة للعمال.
صعوبة التسويق
ويجذب خيط الحديث "فادى جاد" –تاجر- فيقول: أنا أجمع جميع الأنواع من الفركة وأقوم بتسويقها في المدن السياحية، وتقابلني بعض المشكلات أثناء التسويق، منها بعض المضايقات الأمنية أثناء الانتقال من محافظة لأخرى، وتمنى لو يساهم المسئولون في فتح باب التصدير للسودان.
أما على الجانب التنفيذي، فحاول المسئولون بالمحافظة النهوض بالحرفة، فتم تدريب حوالي 40 شابًا وشابة من حملة المؤهلات المتوسطة بمدينة نقادة لمدة 6 أشهر بمكافأة قدرها130 جنيهًا شهريًا، ووصلت تكلفة الدورة إلى 100 ألف جنيه، لكنها لم تضع خطة تسويقية وفتح أسواق جديدة تعيد للفركة روحها التي فارقتها منذ سنوات، منذ إغلاق التصدير مع السودان.
ويتساءل "جاد": إذ كانت الفركة مصدر دخلهم وسلاحهم الوحيد للحصول على لقمة العيش، وإذا كانت أخذت نصيبها من الشو الإعلامي حول مشكلات الحرفة، وإذا كان يعمل بها أكثر من 10 آلاف أسرة يعملون على حوالي5000 نول، وإذا كانت صناعة توفر الطاقة، فماذا ينتظر المسئولين لتوفير أسواق وفتح أبواب التصدير للخارج؟؟؟