مصر بين ثورتين
كتبت: سحر غريب
من داخل كتب التاريخ يجب أن نتعلَّم ونأخذ العبر والحكم والمواعظ، وإلا فلنذهب جميعًا إلي الجحيم. فمن لم يتعلم من أعظم المعلمين وأقدرهم فلا أمل فيه ولا في مستقبله.
لقد قامت ثورة 23 يوليو 1952 من أجل القضاء على الملكية، والقضاء على الإقطاع وسيطرة رأس المال، وبداية عهد ديمقراطي جديد. فكانت الثورة انقلابًا عسكريًا حصل على تأييد ومساندة شعب "مصر"، وقد حققت الثورة بالفعل أهدافها الأولية مثل القضاء على الملكية، وعندما وجد الضباط الأحرار أن "محمد نجيب" بمبادئه وميله إلي ترك السُلطة للمدنيين حجر عقبة في طريق طموحهم السياسي الطامع في الحكم، قرَّروا أنه لا مكان له بينهم، وانقلب عليه الضباط الأحرار هو الآخر، بعد أن زغللت عيونهم السُلطة ورأوا أنهم منْ قاموا بالثورة، وأنهم الأحق بالسُلطة.
ثم حكم "جمال عبد الناصر" مصر، الذي أعطاه الله "كاريزما" جعلت الشعب يرضخ له، وجعلت منه معبودًا للجماهير العربية كلها، فحتي الهزيمة غفرها الشعب له. كان الشعب ينتظر ويقدِّم الأعذار وينتظر القادم، فأصبح الشعب مُدمن النظر على النصف الممتلئ من الكوب، أو بمعنى أوضح شعب متفائل بغباء!!
ومن العيوب القاتلة لفترة حكم "جمال عبد الناصر"، أنه أرسى مبادئ نظرية الحاكم المُلهم الذي لا يخطئ ولا يجوز مسائلته.
ثم دخلنا في ملهاة النكسة والاستعداد للحرب، مما جعل الشعب يجنِّب رغباته في دولة ديمقراطية ويرتضي بحكم عسكري مطلوب منه- بل واجب عليه- أن يكون حكمًا ديكتاتوريًا حتى يحقق النصر لـ"مصر"، وبالفعل كان النصر أثناء حكم "السادات"، ثم لم يمهل القدر "السادات" ليقود البلد، وتركها سريعًا بعد اغتياله، وبات الحكم لقمة سائغة في يد "مبارك"..
وبدأ "مبارك" حكمه.. انتظرنا منه الكثير، وأعطيناه الفرصة تلو الفرصة، وصبرنا عليه أكثر من ثلاثين عامًا، حتى أصبح رئيس جمهوري بممارسات ملكية! يتعامل مع "مصر" وكأنه الوريث الشرعي الوحيد لكل ما عليها ومنْ عليها، يبيع ممتلكاتها رغم اعتراض شعبي، بعد أن فرض الوصاية على شعب مصر.. استطاع "مبارك" فعليًا- وبنجاح ساحق- أن يعيد الملكية من جديد، وفي عهده أعاد بالفعل- وبنجاح غير مُسبوق- الأسباب التي قامت من أجلها ثورة 23 يوليو؛ من سيطرة رأس المال، واختفاء الديمقراطية في ظروف غامضة، واستعدادات رجال الحكم لتوريث "عزبة مصر" لـ"جمال مبارك"!
لذا قامت ثورة 25 يناير 2011، والتي كانت بمثابة ثورة على مُخلفات ثورة 23 يوليو. فالحاكم المُلهم أصبح حاكمًا غير مرغوب فيه، الحاكم الذي باع وطنه برخص التراب وغض الطرف عن الفاسدين والمرتشين أصبح حاكمًا "على ما يُفرج".. كنا ننتظر قرار "عزرائيل" الذي تأخر كثيرًا، فكان قرار الشعب أسرع منه. ثورتنا الجديدة كانت ثورة شعبية حصلت على تأييد الجيش، ولأن الشعب هو الذي ثار، لذا فهو الذي ينقلب ويرفض ويتشكك.. الشعب يرفض المهدئات والمسكنات التي أدمنها خلال الحكم العسكري من بعد ثورة 23 يوليو، يرفض الصبر بعد أن أعياه الصبر وألجم طموحاته السياسية والاجتماعية. من حق منْ صبر منذ عام 1952 حتى الآن أن ينتفض ويحلم ويوسِّع من دائرة طموحاته وأحلامه. الشعب لم يعد يقبل بتقديم تنازلات وإعفاءات.
أخشى ما أخشاه أن لا تحقق الثورة أهدافها، أو أن نظل نحلم بغد أفضل، فعلى ما يبدو أن هذا الأفضل سراب سنظل نلاحقه إلي الأبد..
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :