ثورتا يوليو ويناير
بقلم: مينا ملاك عازر
عزيزي القارئ، نلتقي اليوم بغرض إجراء مقارنة بين ثورتين قامتا في "مصر"، بين كل واحدة والأخرى تسعة وخمسين عامًا تقريبًا؛ الأولى قامت في 23/7/1952 والأخيرة قامت في 25/1/2011. ورغم البعد الزمني، إلا أن هناك نقاط تشابه كثيرة، ونقاط اختلاف أكثر، وإلى المقارنة.
قامت ثورة يوليو على أكتاف شباب من الجيش المصري مختلفي الانتماءات الفكرية والحزبية والتيارات السياسية، كذلك قامت ثورة يناير على أكتاف عدد من الشباب مختلفي التوجهات السياسية ومتنوعي الانتماءات الحزبية والميول الفكرية. وفي الوقت الذي قامت ثورة يوليو على أكتاف شباب عسكري، قامت ثورة يناير على أكتاف شباب مدني. كان عددهم في ثورة يوليو محدود، لكن العدد في ثورة يناير كان كموج البحر الهادر. وسرعان ما إنضم الشعب للثورتين، أيد الأولى وحمى الثانية، وكذلك فعل الجيش. فلم ينقسم الجيش في الأولى، وإنضم الجيش بكل فروعه لصفوف الثوار في الثانية.
قامت ثورة يوليو كحركة تطهير داخل الجيش، لكن مع خلو الطريق من العقبات الكبيرة ووقوف الشعب بجوار رجالها، وطمع البعض منهم في السلطة- تحوَّلت لثورة. أما ثورة يناير فقامت كحركة ترغب في تطهير الشرطة وتحسين الأحوال السياسية والمعيشية في البلاد، لكن مع عنف الشرطة وبطء رد الفعل من جانب القيادة السياسية تحوَّلت لثورة ترغب في إسقاط النظام وأسقطت رأسه بالفعل. فالأولى اكتملت والثانية في طريقها للاكتمال بإذن الله. الثورتان تَواجهتا بأعداء داخليين من المنتفعين من نظام الحكم السابق للثورتين، وحاول أعداء الثورتين إجهاضهما، بل أنه كان هناك أعداء خارجيين لكلتا الثورتين. والغريب أنه نفس العدو الذي واجه الثورتين، فالمملكة العربية السعودية وقفت ضد "ناصر" ومحاولاته لمد الحركات التحررية بالوطن العربي بكل سبل الدعم؛ لألا تنتشر أفكاره في المنطقة. كذلك قامت "السعودية" الآن بتغذية الفتن الطائفية بـ"مصر" لإلهائنا، ولألا يتخذ منا الآخرين عبرًا، بل يتخذوا منا مثلًا سيئًا يهربون بسببه من فكر الثورات على الحكام.
وأكثر الأمور إثارة لي في أمر تحليلي للثورتين، أن ثورة يوليو قامت بمعركة بين الإنجليز والشرطة في خمسة وعشرين يناير، وثورة يناير قامت بمعركة الشعب والشرطة في خمسة وعشرين يناير، ولكن بعد التاريخ الأول بتسعة وخمسين عامًا. بالمناسبة الشرطة انهزمت في المعركتين؛ الأولى لعدم التكافؤ في الأسلحة المستخدمة بين الطرفين، وتدريب الجيش الإنجليزي على القتال، والثانية لعدم عدالة موقف الشرطة، ولأن الشعب المصري كان على حق، ويمتلك إرادة ورغبة التحرُّر.
وكما قام شباب وطني في الثورتين بإشعالهما، نجد أن ذلك الشباب الثوري تصادم فيما بعد، وأخذ "ناصر" يتخلَّص من واحد تلو الآخر، حتى أنه تخلَّص ممن له الفضل الأول في إنقاذ الثورة، وهو الصاغ "يوسف صديق" سريعًا، وهو ما يجب أن يقلق شباب ثورة يناير من أن يحدث بهم ما حدث بـ"خالد محيي الدين" و"يوسف صديق" وكثيرين، فهذا قد يحدث لهم على يد شباب الإخوان مثلًا متى وصلوا للسلطة.
أما "أمريكا"، ففي الثورة الأولى لم تكن مُجهلة، بل كان هناك تلميحات كثيرة من ضباط الجيش بأن هناك شيء ما سيحدث، وتشهد برقية مبعوثة لوزارة الخارجية الأمريكية من إحدى سفاراتها تقول هذه البرقية بأن هناك ثورة في "مصر" على وشك القيام، تشهد هذه البرقية أن "أمريكا" لم تكن بعيدة عن الموقف في "مصر". لا أقول إنها منْ كانت وراء الثورة، ولكن كانت على علم بالأزمات المصرية، كما أن الضباط الأحرار سارعوا بطمأنة السفير الأمريكي على رعاياه والرعايا الأجانب كلهم بـ"مصر"، مما أجهض محاولات "إنجلترا" للتدخل. لكن الأمر في ثورة يناير كان مختلفًا بالنسبة لـ"أمريكا"، فالثورة بهذه الطريقة لم تكن متوقَّعة، ويشهد بذلك تحركاتها المرتبكة في البداية، ودعمها للنظام الذي سرعان ما سقط، فلم يكن هناك تقديرًا سليمًا لقوة الثورة بـ"مصر"، ووهن النظام الحاكم بها. وفي كلا الثورتين كان واضحًا أهمية "مصر" بالنسبة لـ"أمريكا"، فقد حضر السفير الأمريكي بنفسه مراسم خروج الملك من "مصر" في ستة وعشرين يوليو، وفي الثانية جاء "فرانك وزنر" كمبعوث خاص من الإدارة الأمريكية للتفاهم مع "مبارك" وإقناعه بالتخلي عن السلطة، وهذين الحدثين يقضيا تمامًا على فكرة أن دور "مصر" وأهميتها تتراجعان في المنقطة بالنسبة لـ"أمريكا".
لم يحاول ثوَّار يوليو أن يستردا أموال "مصر" من الخارج التي سلبها الملك؛ لأن الملك لم يسلب أموال "مصر"، فقد كان هناك رقابة حتى على الملك، في حين أن ثوار يناير يحاولون للآن- ومنذ مرور ستة أشهر تقريبًا على الثورة- أن يلململوا أوراق تثبت ملكية حكام "مصر" السابقين ومن سرقوها لحسابات ببنوك أوروبية أو لأصول عقارية أو لأسهم بشركات، مما يعكس أنه كان هناك غياب للرقابة في عصر "مبارك".
في ثورة يوليو سرق بعض ثوار يوليو القصور الملكية، وأخذوا المجوهرات وحاولوا بيعها خارج "مصر"، واستولوا على الأثاثات بنفس القصور. لكن في ثورة يناير الشباب الثائر يعف عن أي شيء بل يحمي ثروة "مصر"، ومنهم من ضحَّى بنفسه لحماية آثارها بالمتحف المصري بـ"التحرير".
وأخيرًا، قامت ثورة يناير لإقامة حياة ديمقراطية، وإعطاء الحقوق للشعب، وإقامة عدالة اجتماعية، ويعمل شباب الثورة جاهدًا لإتمام ذلك، رغم تكبيل يديه بقوانين ضعيفة لا تثمن ولا تغني، وبوجود بعض ضعاف النفوس في أماكنهم من الموالين للنظام السابق ليحموه. أما ثوار يوليو، رغم أنهم رفعوا شعارت جميلة شكلًا، إلا أنهم قد قضوا قضاءًا مبرمًا على كل ما يتعلق بالديمقراطية بـ"مصر"، وأنهوا على الحياة الديمقراطية السليمة، والحياة الحزبية الرائعة لصالح حكم ديكتاتوري استمر ستين عامًا.
وهكذا عزيزيز القارئ، أكون قد قدَّمت لك مقارنة سريعة ومضغوطة، مراعاة للمساحة بين ثورتين قامتا في "مصر"، متمنيًا أن أكون قد وُفِقت في ذلك، وإلى لقاء قريب إن عشنا وكان لنا نشر..
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :