كتب: نبيل المقدس
علي ما أتذكر كنا لا نسمع عن تونس علي الأقل كل مَنْ هومِنْ جيلي إلا مقطع من أغنية فريد الأطرش يساط الريح و هي كلمات بيرم التونسي الذي عاش في الإسكندرية وتعرف علي سيد درويش ،وهي من فيلم آخر كذبة الذي ظهر عام 1949 .. والسؤال هنا .. كيف تكون خضراء وفي نفس الوقت هي بئر دم للمستعمرين , وحارقة الأكباد لهم .. وتنزل عليهم خسائر في الأرواح في آن واحد كما يسرد التاريخ ؟ وقد إقتبست هذه المعلومة أن استقلال تونس جاء بعد 7 سنوات على ظهور أغنية بساط الريح .. بعد سماع شباب تونس هذه الأغنية فكانت حافزا لهم في تشديد مقاومتهم للأستعمار .. تقول الكلمات الذي
أثارت غيرة شباب تونس : :
"تونس أيا خضرة يا حارقة الأكباد
غزلانك البيضة تصعب على الصياد
غزلان في المرسى ولا في حلق الواد
على الشطوط تعوم
ما تخاف صيد المي.."
لكن هذا الشطر من الأغنية جاءت بعد مقدمة تحوي كلمات جميلة تمهيدا لهذا المقطع .. حيث ربط الحياة بجمال بلادهم وخيرها .. تقول مقدمة الأغنية :
بساط الريح يا ابو الجناحين
مراكش فين وتونس فين
بلاد الحوت، والغلة والزيتون
فيها الشفايف قوت، وللشراب عيون
ياللي عليها تفوت، اشبع طعام وشراب
ولا تزيد يا خي.."
الحريات لم تبدأ بعد ثورة تونس 2011 أو ثورة الياسمين .. بل كانت أصلا من بدائة تسليم الحكم للرئيس بورقيبة .. هذا الشخص كان أول زعيم عربي مستنيرا .. فقد كان يؤمن أن تقدم البلاد ونموها ونهضتها يأتي بعد تحرير المراة من القيود التي ورثتها من القديم .. فهي مرآة للبلاد .. ففي مجال الأحوال الشخصية التي أقرها بورقيبة صدرت العديد من التشريعات التي مازالت تُعتبر ثورة حقيقية في عالم المرأة العربية، فأصدر قانون منع تعدُّد الزوجات .. ورفع سن زواج الذكور إلى عشرين سنة، والإناث إلى 17 سنة، ومنع إكراه الفتاة على الزواج من قبل وليّ أمرها، وقانون يسمح للمواطن بالتبني، وأقر بورقيبة قانوناً يسمح للمرأة بالإجهاض، ومنع الزواج العرفي وفرض الصيغة الرسمية للزواج وتجريم المخالف، وكذلك إقرار المساواة الكاملة بين الزّوجين في كل ما يتعلق بأسباب الطلاق وإجراءاته وآثاره، كما يمنع الطلاق إلى من خلال القضاء. كما أصدر قانون للمرأة علي ان يكون لها حق العمل السياسي كان بالتعيين أو الترشيح .
أما الضربة الكبري التي وجهها بورقيبة لزعماء العرب هي أنه في عام 1981 أصدر قانونًا يمنع النساء من ارتداء الحجاب باعتباره “مظهرا من مظاهر التمييز والطائفية، وينافي روح العصر”، ووقتها ظهر بورقيبة على شاشة التليفزيون في احتفال شعبي وهو ينزع أغطية الرأس عن بعض النساء قائلا “انظري إلى الدنيا من غير حجاب”. يا له من زعيم حقيقي .
هل يا تري تستطيع مصر أن تلحق بتونس في مجال التغلب علي العنصرية أو علي الأقل زراعة المواطنة في وجدان المصريين بحيث تصير أمرا من الأمور الحياة العادية في تصرفاتهم . هناك تدابير يتخذها الرئيس السيسي لكي يرسخ هذه المباديء .. لكن هذه التدابير يتم إعلانها في خطاباته فقط وينتطر خطوات إيجابية من المؤسسات المعنية ومنها المؤسسة الدينية .. لكنه لا يجد أي رد فعل أو صدي لها وخصوصا من المؤسسة الدينية , فالكل منتظر موافقتها لكي يبدأوا في التنفيذ. نحن نريد يا سيادة الرئيس خطوات منك مباشرة كما فعل الرئيس التونسي بورقيبة ..
صرخة موجهة لسيادة الرئيس من كل الذين هم في عمر السبعينات يتمنون أن تعمل اللازم نحو إصلاحات جادة في زرع روح المواطنة , ونبذ العنصرية , والرجوع إلي الإهتمام بالثقافة والفن واسترداد روح الأدب والكتابة التي كانت في زمنا الجميل .. نحن نريد أن يتذوق أبنائنا الذين هم اليوم أيام زمن جميل آخر يمتد علي مدي العمر ..
هل مصر تستطيع أن يكون لها بساط ريح يحمل حريات المراة بالكامل لكي تنهض مصر ونطبق نظرية بورقيبة .. أن التطور ونمو الأمم لا يتحقق إلا بتحرير المرأة ووضعها في الصفوف الأولي بطبيعتها ولبسها المحترم لكي لا تشعر انها حالة شاذة بين الناس , ومنها تنطلق مصر إلي الأمام .
متي نري بورقيبة جديد يخرج من الدول العربية والإسلامية ؟؟ ... فقد حان الوقت .