بقلم: إبرام رأفت
تألمنا جميعًا وانسحقت قلوبنا يوم شاهدنا، عبر المحطات الفضائية، عربات الشرطة تقوم بدهس المتظاهرين، الذين كانت حريتهم أغلى من حياتهم بالنسبة لهم، وخرجوا إلى الشوارع مطالبين بإسقاط نظام الطغيان الذي كمَّم الأفواه لسنوات، فيما سُمّي بـ"جمعة الغضب". وتألمنا كمصريين- من مختلف الطوائف- من جبروت نظام سمح لرجاله بقتل شباب أبرياء، واعدًا إياهم بالإفلات من العقاب طالما حملوا رخصة سيارة مفادها بأن تلك السيارة تابعة لوزارة الداخلية.
وانتهت جمعة الغضب، وراح ضحيتها من راح، وتلتها أيام عديدة من النضال الحقيقي، تُوجَت أخيرًا باللحظة التاريخية التي خرج فيها السيد "عمر سليمان" بخطابه القصير جدًا، الذي أوجد بداخلنا- ولأول مرة- إمكانية الحلم بمستقبل مشرق في هذا البلد، الذي لم نشاهد فيه منذ ولادتنا سوى التمييز والفساد والرشوة والتعذيب وتكميم الأفواه.
وُلد أخيرًا الحلم بالحرية والحياة الكريمة. وُلد الحلم بالعيش في دولة تنتمي لثقافة القرن الحادي والعشرين. دولة المواطنة وسيادة القانون، التي لا فرق فيها بين فقير وغني، ولا بين امرأة ورجل، ولا مسيحي ومسلم إلا بالعمل والاجتهاد. وُلد الحلم، وكانت ولادته متعثرة بعد حمل دام بداخل قلوبنا لسنوات. وما كاد يلفظ أنفاسه الأولى بداخلنا، حتى فوجئ بمن يحاول دهسه كمن دهس المتظاهرين يوم جمعة الغضب.
فلم تمض إلا أيام قلائل حتى بدأ حلمنا يتمزَّق بين غزوة صناديق هنا، وأخ فلوطة هناك. وقطع أذن مواطن هنا، وهدم ضريح هناك. إلى أن أصابته الضربة الأكبر بعد جمعة الفرقة وتشتيت الشمل يوم 29 يوليو. ولكن للأسف، هذه المرة كان من يدهس أحلامنا هم من نصبوا أنفسهم وكلاء لله على الأرض، وما كان الله بعاجز ليحتاج وكيلًا. هذه المرة كانت العربة التي تدهس أحلامنا هي تصورهم الشخصي لتفسيرات النصوص الدينية ومحاولة فرضها علينا بالقوة، متجاهلين أن الإنسان- وإن وصل من الفطنة لأعلاها- لا يزال ناقصًا قد يخطئ وقد يصيب في تصوراته. أسمونا كفارًا لأننا حلمنا بحريتنا كما أسمانا نظام الطغيان خونة وعملاء..
ولكن آه، لماذا لم يتألم الجميع من محاولات اغتيال حلمنا، كما تألمنا معًا يوم جمعة الغضب؟! ربما لأن هذه المرة كانت الرخصة التي يحملها من يدهسون أحلامنا مختومة بداخل قلوب قطاع كبير من مغيبي هذه الأمة، ومكتوبًا عليها (ملاكي الجنة).
فيا رجال الدين، يا من تدهسون أحلامنا بقصد أو بغير قصد، أذكِّركم بأن نظام "مبارك" قد سقط (أو آيل للسقوط)؛ لأنه كمَّم الأفواه ولم يستمع إلا لنفسه. أباح رجاله لأنفسهم قتل شباب أبرياء لحماية نظام فاسد ما كان ليبقى كل هذه السنوات إلا بالاستبداد. يا من أستنكرتم على نظام زال خرس الألسنة لحماية نفسه، لماذا تصوِّرون القدير خالق السماوات والأرض بنفس صورة الاستبداد الزائل؟! وإذا كان رجال الشرطة لجأوا لهذه الأساليب لحماية عرش ملكهم الجمهوري، أفيحتاج عرش الجبار القائم من الأزل للأبد لحمايتكم؟!