تساؤلات عن أقباط مصر والتميز الديني
تحت عنوان "التميز القبطي واستبعاد الدولة في مصر" تطرح دراسة حديثة نشرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (معهد الدوحة) مجموعة تساؤلات تبحث في العوامل التي أدت إلى بروز الهوية القبطية في مواجهة الدولة بمصر، والتي بدأت إفرازاتها تطفو على الساحة السياسية نتيجة عدة ترسبات أدت إلى وقوع مواجهات وصراعات طائفية بين أبناء الشعب.
ومن جملة التساؤلات التي طرحتها الباحثة المصرية مي مسعد وتسعى للإجابة عنها: هل لجأت الجماعة القبطية إلى تكريس خصوصيتها واختلافاتها لمواجهة سياسات الدولة تجاهها؟ وما هي العوامل التي ساعدت على بروز وتمايز الهوية القبطية؟ وهل عمدت الدولة المصرية بدءاً من العام 2000 (أي خلال عشر السنوات الأخيرة) إلى استبعاد الأقباط كجماعة دينية، مما دفع بهم إلى الانكفاء على الذات والإفراط في الشعور بالخصوصية والتميز؟
وتطرح الباحثة كذلك تساؤلات عما إذا ألقى هذا الشعور -إن وجد- بظلاله على طبيعة علاقة المهادنة والموادعة المتبادلة بين الكنيسة والدولة، أم أن هذه العلاقة أخذت أشكالا من الصعود والهبوط تبعا للمعطيات القائمة والأوضاع المحيطة؟ وهل ينظر الأقباط حقا إلى المؤسسة الكنسية على أنها ممثلهم السياسي وأن رأي رأس الكنيسة المتمثل في البابا شنودة الثالث هو رأي جميع الأقباط الأرثوذكس؟ كما تتساءل عن طبيعة المحددات والتناقضات البنيوية الداخلية التي تنطوي عليها هذه المحددات.
وتؤكد أن عوامل خارجية وداخلية كثيرة كرّست الاستبعاد، ودفعت بالمواطنين خارج المنظومة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة، ودفع ذلك بالأقباط إلى الشعور بالتمايز في علاقتهم بالمسلمين.
وقد شهد عام 1998 تصاعداً لدور الدين بوصفه محركاً لشعوب بعض الدول في ظل صحوة الأصوليات الدينية والسياسية على مستوى العالم، وهذا ما جعل الأقليات الدينية أو الإثنية محط أنظار سياسات العولمة من أجل تحقيق أهداف ورعاية مصالح الطرف الأقوى، وتحويل هذه الأقليات إلى عامل ضغط على الحكومات والدول التي ينتمون إليها.
وعن عوامل بروز تصاعد الهوية القبطية، ترى الباحثة أنها نتجت عن قيام مصر على توافر شروط المكان والاقتصاد واللغة والتاريخ، ثم التكوين النفسي المشترك الذي يكرس الانتماء إلى الوطن، ثم إلى الدين والقبيلة والعشيرة. ومن هنا باتت التعددية الدينية التي بدأت عام 640م مع لقاء عمرو بن العاص بالبابا بنيامين البطريرك الـ38 للكنيسة القبطية، أحد مقومات الكيان المصري.
وتفترض هذه التعددية مجتمعا ينفي بدء الاستبعاد المتبادل، ويتيح لكل فرد أو جماعة أن يشارك في بنائه.
وتشير الباحثة إلى أنه في إطار هذه الصحوة الدينية تحدث توترات في العلاقة بين المسلمين والأقباط من حين لآخر، مما يثير التساؤلات عن حالة الوحدة الوطنية في مصر، وهل ما يحدث هو فتنة طائفية أم أنها فتنة وطنية تمس الوطن كله؟ وما هي مرجعية تلك التوترات التي أخذت تتكرر في السنوات الأخيرة؟
الشحن الديني
وترى أن تراجع الدولة عن القيام بمهامها أدى إلى الاندماج بين الأقباط والمؤسسة الدينية التي أصبحت المجال العام لأنشطة الأقباط، وساهمت بعض الإشاعات في تناسل الأساطير والصور النمطية عن أنشطة الأقباط داخل الكنائس مما أدى إلى الشحن الديني ضد الأقباط.
وأدى استبعاد الفئات الوسطى -والقبطية من ضمنها- وعدم مشاركتها في الحياة السياسية والحزبية وعدم تصويتها في الانتخابات العامة، إلى عدم الاهتمام بالمجال السياسي وغياب سياسيين أقباط ذوي خبرة.
وحاولت مي مسعد تحليل العوامل التي أدت إلى تنامي الخصوصية القبطية في مواجهة استبعاد الدولة تحت وطأة النظام السابق، وتوصلت إلى أن تأمل الحالة المصرية يشير بوضوح إلى أعراض مرضية تمس مختلف جوانب البناء الاجتماعي والسياسي عموما، وخاصة تلك التي أصابت موحدات القومية المصرية، مما يحتم الإقرار بالمشكلات ولكن في أحجامها الحقيقية دون تفريط أو إفراط ودون تهوين أو تهويل.
ويأتي على قمة هذه المشكلات فصل مشاكل المصريين الأقباط بناء على الصفة الدينية "قبطي" مما يعيد إنتاج مفهوم الأقلية ويغذي الوعي بالمغايرة الدينية، فالمهمة الرئيسية لأي دولة هي توفير الأمن للمواطن وتحقيق الانسجام الوطني والوفاق القومي، وهي الدولة التي يدين المواطن لها بالولاء والانتماء لأنه يشعر في كنفها بحريته الفردية وبقدرته على الاختيار.
لقد أبرزت الباحثة العديد من العوامل التي أدت إلى صعود الهوية القبطية، وتتساءل أخيرا: هل سيضيف تصاعد التيارات الدينية الإسلامية -خاصة الراديكالية منها- إلى بلورة الهوية القبطية أم أنها ستقلص من هذه الخصوصية وتحاول الجماعة القبطية في ضوء هذا الصعود الراديكالي الذوبان في الخريطة المجتمعية تكراراً لما حدث في ثورة 25 يناير/كانون الثاني الماضي؟
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :