الزعفرانه
عبد المنعم بدوي
٣٧:
٠٧
م +02:00 EET
الاربعاء ٢٤ اكتوبر ٢٠١٨
كتب : عبد المنعم بدوى
بالقرب من فنار الزعفرانه ، وانت مسافر الى الغردقه وبالقرب من الكافيتريا الشهيره هناك والتى يستخدمها المسافرون الى مدن البحر الاحمر ، وقعت اشد المعارك ضراوه مع العدو الصهيونى اثناء حرب الاستنزاف فى الفتره من سبتمبر ١٩٦٩ وحتى اغسطس ١٩٧٠ .
كنت برتبة الملازم اول ، قائد لسريه دفاع جوى من تشكيل كتيبه مكلفه بالدفاع عن السريه ٦٢ رادار طراز ب ١١ وموقعه بالقرب من فنار الزعفرانه
بعد تفقد اطقم المدافع ، والاطلاع على دفتر الاشارات ، وقراءه تقارير المخابرات الحربيه والاستطلاع ، ومراجعة ترتيبات قيادة النيران ، انتظارا لهجوم العدو اليومى على الموقع .
وفى ساعه الاستراحه كنت استلقى على الرمال ولشدة تعلقى بالقراءه ، صنعت لى أمى جيبا صغيرا فى سترتى العسكريه لأضع فيه كتابى المفضل الذى احمله معى اينما ذهبت ، اخرجه من جيبى ، واغرق فى السطور كأنى فى زمان ومكان أخر ... كأنى أعيش فى زمن اخر
.
القراءه ..... كانت إمتياز فادحا ، كانت هروبا من عالم الى عالم اخر وهكذا ،،،، وفجأه تغيير طائرات العدو على مواقعنا فتهاجم سريه الرادار ، ومواقع المدفعيه المضاده للطائرات ، تحت هذه المعارك والقصف والاشتباك مع طائرات العدو ، كنت اذهب بسرعه مع الاحداث من غير توقف متسلحا بقوه الايمان ، وبعلمى الذى حصلت عليه فى مدرسه الدفاع الجوى مصنع الرجال ، اعود الى المكان والزمان الحقيقى الفعلى الذى اعيشه لا الزمن التخيلى .
كانت تلك الروايه هى " بونجور تريستس " Bonjour tristesse " " صباح الخير ايها الحزن " للكاتبه الفرنسيه فرانسواز ساجان ، حيث بطلتها سيسيل تعيش حياة باريس البرجوازيه مولعه بالحب والمغامرات والسهر والمجوهرات ، تقع فى غرام طالب قانون تلتقيه فى إحدى الحفلات ..... ابيها. أرمل متصابى ، محب للنساء ، مغامر فاسد خبيث حنون ، تعرف على سيده واراد الزواج منها ..... قامت سيسيل بتحطيم حياة والدها العاطفيه بإفشال تلك الزيجه عن طريق المغامرات المحبوكه . تدور تلك الاحداث فى فنادق باريس الفاخره وعلى شاطئ الريڤيرا ، حيث فندق الريتز وسان تروبيز .
اسرح بخيالى تاركا له العنان على جناحى الحياه ناظرا الى مياه خليج السويس الزرقاء الازورديه وشاطئها الرملى الزعفرانى ، متخيلا شواطئ الريڤيرا وحياة المجتمع المخملى كما تصورها احداث الروايه .
بعد انتهاء الغاره وهروب طائرات العدو ، وبعيدا عن رائحة بارود المدافع ، وصواريخ وقنابل طائرات العدو ، وصوتها الذى كان ينفذ الى اعماقى وازيز الطائرات المغيره الذى كان يصيبنى بالصمم ...... كنت اذهب الى العزله السريه للقراءه كى اشم من سطور الكتاب رائحة العطور الباريسيه وموائد الطعام الفاخره ، والسيارات السريعه الفارهه ، وحياة المجتمع الارستقراطى المخمليه .
كانت القراءه بديلا عن التعب الذهنى والاجهاد العضلى الذى يعصف بى ، كانت انسحاب من حياه صعبه شاقه قاسيه ، بين الحياه والموت ، بين القتلى والجرحى ، بين الدمار والعمار الى حياة اخرى فى الخيال مخمليه ، ارستقراطيه ، بعيدا جدا الى العالم الاخر ، عالم الخيال هروبا من واقع قاسى مؤلم فظيع