الأقباط متحدون - تاريخ دير السلطان.. كيف استضاف الأقباط رهبان الحبشة الذين حاولوا الاستيلاء على الدير
  • ٠٣:٢٦
  • الخميس , ٢٥ اكتوبر ٢٠١٨
English version

تاريخ دير السلطان.. كيف استضاف الأقباط رهبان الحبشة الذين حاولوا الاستيلاء على الدير

٢١: ٠١ م +02:00 EET

الخميس ٢٥ اكتوبر ٢٠١٨

دير السلطان
دير السلطان

كتبت – أماني موسى
نشرت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية معلومات تاريخية حول دير السلطان، وكيف أن الأحباش فقدوا أملاكهم بالأراضي المقدسة..

الدير يقع تحت نظام الوضع الراهن
يقع دير السلطان بجوار كنيسة القيامة، أو بعبارة أخرى داخل نطاق موضع الصلب والقبر المقدس، ويعتبر من الأماكن المسيحية المقدسة التي يسرى عليها نظام Quo Status أي "الوضع الراهن" وهى: القبر المقدس وملحقاته –دير السلطان- قبر السيدة العذراء بالجثسيمانية – كنيسة المهد.

لدير السلطان أهمية خاصة تاريخية عند الأقباط، كما أن دير السلطان يُقرّب الطريق من البطريركية القبطية الأرثوذكسية إلى كنيسة القيامة.


مساحة الدير 1800 متر
وتبلغ مساحة هذا الدير ألف وثمانمائة متر مربع تقريباً. وهو متصل من الشمال بالبطريركية القبطية، ومن الغرب بمبانى كنيسة القيامة، وتقع ساحته بالتحديد فوق كنيسة الملكة هيلانة (مغارة الصليب). وفى الزاوية الجنوبية الغربية لهذه الساحة كنيستان تاريخيتان على الطراز القبطي هما :

- كنيسة الأربعة حيوانات غير المتجسدة.

- كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل.

هل للأحباش حق فيه؟
فقد الأحباش غالبية أملاكهم بالقدس، بسبب قلة عددهم بالإضافة إلى أسباب أخرى، كما فقدوا أماكنهم وحقوقهم بداخل كنيسة القيامة بمرور الوقت.

وقد طُرد الأحباش من ديرهم "دير مار إبراهيم" الملاصق للقيامة حوالي سنة 1654م، وحل محلهم الأرمن، إلى أن أنتزعه منهم الروم بأمر من الباب العالي نفذته المحكمة الشرعية حسبما جاء في مضبطتها التي نشرها الأسقف الحبشي الأنبا فيلبس في كتابه تحت عنوان "الوثيقة رقم 3"، ولم يكن من المعقول أن يلتمس الأحباش مكانًا يأويهم لدى أي من هاتين الطائفتين، بعدما استولت الواحدة بعد الأخرى على أملاكهم.

الكنيسة القبطية تستقبلهم بعدما طردوا
ومن ثم لم يبق أمام الأحباش سوى خيار واحد هو الالتجاء إلى الكنيسة القبطية باعتبارها الكنيسة الأم لهم، وكانت كنيستنا القبطية تسمح للأحباش من الرهبان بدخول الأديرة القبطية في مصر والإقامة بها. ولم يجد رهبان الأقباط ضيرًا من أن يستضيفوهم، خاصة وأن عددهم فى ذلك الوقت كان قليلاً، لا يتجاوز الثمانية من الكهنة والعلمانيين بشهادة Pere Eugene Roger حارس الأرض المقدسة (راهب فرنسيسكاني) وغيره من الكتاب المعاصرين.

ولم يكد يمضى ثلاثون عاماً على طرد الأحباش من أماكنهم الخاصة بهم وإقامتهم مع الأقباط في دير السلطان، حتى شرع المعلم سالم البنا في ترميمه، بناء على إذن صادر من القاضي الشرعي له، بوصفه المتكلم عن أوقاف الأقباط بالقدس، وُصف الدير في هذا الإذن "دير طائفة نصارى القبط بمحمية القدس الشريف المعروف قديمًا بدير السلطان".


وبعدما تم الترميم، أُعيد الكشف على الدير بواسطة معمار باشى القدس، ولما وجد أن الترميم لم يتجاوز ما صدر به الإذن الشرعي، أصدرت محكمة القدس حجة بذلك لإثبات الواقع (تاريخ الحجة 13 شوال سنة 1098 هـ الموافق 22 أغسطس سنة 1686م).

وبعد انقضاء زهاء قرن على هذا الترميم، رأى المعلم إبراهيم الجوهري، الذى كانت له رئاسة الدواوين فى مصر ، أن يُعمرّ الكنائس و الأديرة فى القدس وزيادة أوقافها، فاشترى من الحاج عبد الله أفندى نقيب القدس وشيخ حاكورة ( الحاكورة : كلمة تركية معناها قطعة أرض، ويمكن أن يكون عليها مبان أو أشجار. وقد فقد الأقباط هذه الحاكورة عندما باعها (للأسف) القس جرجس إلى الروس سنة 1859م ) بما عليها من مبان بجوار دير السلطان، وذلك بمقتضى حجة شرعية مؤرخة بتاريخ غرة ربيع الأول سنة 1198هـ الموافق 4 فبراير سنة 1782م (نقلاً عن المؤرخ المصري الجبرتي)، وكان الوكيل عنه فى توقيعها الأنبا يوساب مطران الكرسي الأورشليمي حينذاك. ولعله هو الذى أشار بشراء هذه الحاكورة بغية دير السلطان.

وتضيف الكنيسة في بيانها، أنه في سنة 1818م، أي في عهد البابا الأنبا بطرس السابع، الشهير بالجاولي (1809-1854م)، سافر إلى القدس في الأسبوع الثاني من الصوم الأربعيني المقدس، القمص يوسف كاتب البطريركية على أن يشرف على عملية ترميم دير السلطان، ويبدو أن عملية الترميم كانت تقتضى إخلاء الغرف التي كانت يقيم بها الأحباش في دير السلطان، ولم يكن به وقتئذ سوى راهبين حبشيين هما القس عبد المسيح والقس عبد الثالوث، ولكنهما رفضا مغادرة الدير، فأعتبر الأقباط ذلك دليلاً على سوء نيتهما، ولجأوا إلى السلطات المختصة فأخرجتهما من الدير وسلّمت إليهما كل أمتعتهما بموجب كشف محرر على يد القاضي الشرعي (كان من اختصاصات القاضي الشرعي فى القدس، الأحوال الشخصية والوقف والدعاوى المدنية والجنائية وتسجيل الوكالات والتركات والعقود والديون، وهو الذى يأذن بالبناء ) بحضور مندوب المفتى والمشايخ والمحضر باشى بتاريخ 9 محرم سنة 1336هـ الموافق17 أكتوبر سنة 1820م. وفى العام نفسه (1820م)، زار Augustin Scholz مدينة القدس، وذكر فى كتابه رحلة بين الإسكندرية وفلسطين: Reise in die Gegend zwischen Alexandrien und Palestina " " قال: "أن للأقباط ديرهم الواقع خلف كنيسة القبر المقدس وتتبعه كنيسة الملاك، وفيه يقيم رئيس الدير مع بعض رهبان"، ولم يشر إطلاقاً إلى وجود أحد من رهبان الأحباش فيه، وهذا يثبت خروجهم من الدير قبل زيارته للقدس (1820م). وعلى أثر إخراج الأحباش، أُتخذت الإجراءات اللازمة لترميم دير السلطان والحاكورة ودير مارجرجس للراهبات، فأستصدر من القاضي الشرعي كشفاً بتاريخ 4 ربيع أول سنة 1236هـ الموافق 10 ديسمبر سنة 1820م، مبيناً به الأماكن المصرّح بترميمها فى الديرين والحاكورة.


وبعد أحد عشر يوماً من هذا التاريخ أي في 21 ديسمبر 1820م، أصدر والى الشام بيولوردى ( البيولوردى : مرسوم يصدره الوالي تنفيذاً لأوامر السلطان ) إلى مللا أفندي (كبير القضاة) والمفتى ونقيب الأشراف ومُتسلّم القدس (الحاكم المحلى)، كتاباً جاء فيه: "تحيطون علماً وتدركون فهماً و إذعاناً أن وكيل دير القبط، قبل تاريخه ألتمسوا من لدننا ترميم ديرهم وأنه قد آل إلى العدم والخراب، ومقدماً صدرت أوامرنا بالكشف عن الدير المرقوم من طرف الشرع الشريف، وبتاريخه حضر لنا إعلام شرعي ودفتر (كشف) ممضى بعمل اللازم ترميمه بالدير المذكور، وملتمسين الإذن من لدننا بالترميم على موجب الإعلام الشرعي، فبناء على ذلك أصدرنا لكم مرسومنا هذا، والمراد تُعطوا الأذن إلى معمار باشى فى ترميم دير القبط المسفور على موجب الإعلام الشرعي ويكون الترميم على المنهاج القديم بمعرفة الشرع الشريف" (عن كتاب مجموعة الوثائق- وثيقة رقم 4 ، 5 ، 6 لنيافة الأنبا تيموثاوس).

وفى اليوم التالي لصدور هذا البيولوردى أي في 22 ديسمبر، كتب والى الشام إلى وكيل دير الأقباط يخطره بأنه أصدر أوامره بإجراء الترميم على موجب الإعلام الشرعي بلا زيادة ولا نقصان. وبعد ذلك بخمسة أيام (أى في 21 ربيع أول الموافق 27 ديسمبر)، صدر أمر المولي خلافة (قاضى القضاة) إلى معمار باشى القدس لإجراء الترميم على موجب الإعلام الشرعي وكشف الأماكن المصرّح بترميمها فى دير السلطان والحاكورة ودير مارجرجس. وفى 11 جمادى الثانية سنة 1236هـ أي 16 مارس سنة 1821م، أصدر قاضى القدس حجة شرعية لإثبات أنه كشف على جميع ما عُمّر ورمم بالديرين والحاكورة، ووجده مطابقًا لما صدر به الإذن.

من الوثائق السابقة يتضح الآتي:
- أن دير السلطان معد لسكنى طائفة الأقباط وأنه جار في تصرفهم (أى ملك لهم).

- أن حق الترميم والتعمير هو لطائفة الأقباط، وهذا يثبت ملكيتهم له.

- يبدو أن الأقباط عادوا فأشفقوا على الأحباش بدافع المحبة الأخوية وامتثالًا للتعاليم المسيحية التي تخص على إيواء الغريب فسمحوا لهم مجدداً بالإقامة في الدير بعد ترميمه، وكان البابا الأنبا بطرس الجاولى يهمه أن يرى الأقباط والأحباش متآلفين.

-استمرت إقامة الأحباش فى دير السلطان باعتبارهم ضيوفًا على الأقباط، إلى أن اجتاحت الكوليرا مدينة القدس في سنة 1838م، فلم ينج من الرهبان الأحباش سوى واحد فقط مع عدد قليل من رهبان الأقباط، كقول شاهد معاصر هو المؤرخ Neophytos فى كتابه " Annals of Palestine " والكاتب Tattam الذي زار الدير سنة 1839م وقال "إنه لم ير بدير السلطان سوى راهب حبشي واحد يعيش مع الرهبان الأقباط " Journal of a Tour through Egypt "


-كانت جميع الشواهد تقطع لكل من زار القدس حتى سنة 1850م، بأن دير السلطان ملك خالص للأقباط دون منازع، يؤكد هذا قول Tobler فى سنة 1846م فى كتابه " Descriptiones Terra Santa " الذى قال فيه "أن دير السلطان وأرضه ومبانيه هى ملك للقبط، ويؤجرون عدة غرف فيه بمثابة خان". وما ذكره Willis عن دير الأقباط وساحته الواقعة فوق كنيسة الملكة هيلانة

وكان الأحباش رغم سماح الأقباط لهم بالعودة إلى الدير بعد إخراجهم منه سنة 1820م يتوجسون من الأقباط ويخشون طردهم منه فى يوم من الأيام، لهذا بدأوا يفكرون فى الوسيلة التى يمكن بها تحاش هذا الأمر، وأهتدوا- ربما بمشورة أهل السوء- إلى أن الضمان الوحيد لدوام بقائهم فى الدير هو إدعاء ملكيتهم له، وسنحت لهم الفرصة عندما استحكم الخلاف بين الأنبا سلامة الذى رُسم مطرانا للحبشة سنة 1841م وبين إكليروس الحبشة بسبب إنحرافهم إلى تعاليم مخالفة لروح الكتاب المقدس والمبادئ الأرثوذكسية الصحيحة، وإضطر الأنبا سلامة إلى تهديدهم بسلطان الكنيسة إن لم يعودوا إلى جادة الحق، وعندئذ شكوه إلى رئيسه البابا الأنبا بطرس الجاولى- وكان على عِلم بهذه الإنحرافات وسبق أن كتب موضحاً خطأها وشارحاً معتقد الكنيسة القبطية إلى ملك الحبشة ووزيرها- فكتب إلى الأنبا سلامة يوصيه بإستعمال الرفق واللين، ولكنه رد بأن: "الموضوع الذى حصل بسببه الخلاف ليس دنياوياً حتى يمكن التساهل فيه، وأن طاعة الله أولى من طاعة الناس".

وأخيرًا رأى البابا أن يوفد لتسوية هذا الخلاف كاهناً فاضلاً حكيماً هو القمص داود (الذى صار فيما بعد البابا الأنبا كيرلس الرابع المعروف بأبي الإصلاح)، فسافر إلى الحبشة بصحبة راهب آخر في سنة 1851م، وكان النجاح حليفه فى تسوية هذا الخلاف، وتثبيت الأحباش فى المعتقد الأرثوذكسي السليم.

إلا أن هذا لم يرض الأجانب الذين بعثوا إلى الحبشة بإرساليات تبشيرية، فلجأوا إلى إثارة خلافات قوية بين الأحباش فى القدس والأقباط بشأن دير السلطان، فكتب الأنبا بطرس الجاولى إلى القمص داود ليعالج هذه المسألة أيضاً أثناء وجوده بالحبشة مع السلطات المسؤولة هناك، ولكنه لم ينجح فى ذلك لتمسكه بحق الأقباط الثابت فى دير السلطان.

وقد كُشف للقمص داود، بعد وقت قليل، أن العامل القوى الذى كان يحرّك الأحباش ضد الأقباط هو المطران الإنجليزي Samuel Gobat الذى كان قبلاً على رأس إرسالية الـ C.M.S بالحبشة (Church Missionary Society ) ثم نُقل إلى القدس. وبالرغم من نقله إلى القدس، إلا أن صلاته لم تتقطع بأمراء الحبشة الذين سبق أن أكرموا وفادته، وأستأنف دسائسه فى مقر عمله الجديد، وبدأ يُنسّق مع قنصل إنجلترا في القدس دوراً هاماً فى تحريض الأحباش على مناوأة الأقباط، سجلته المراسلات الدبلوماسية التى تبودلت بين كل منهما وبين كل من وزارة الخارجية البريطانية والسفارة البريطانية بالأستانة بشأن دير السلطان (مُقتبس من كتاب: سلسلة تاريخ الباباوات بطاركة الإسكندرية- للشماس كامل صالح نخلة، ودائرة المعارف للبستانى- الجزء 6 صفحة 680 حبشة).