الأقباط متحدون | حسنى مبارك: حكم التاريخ لن يكون أكثر رحمة
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٩:٥١ | الثلاثاء ٢ اغسطس ٢٠١١ | ٢٦ أبيب ١٧٢٧ ش | العدد ٢٤٧٣ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

حسنى مبارك: حكم التاريخ لن يكون أكثر رحمة

الثلاثاء ٢ اغسطس ٢٠١١ - ٥٥: ١٠ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم: صبري فوزي جوهره
من المفترض والمأمول أن تبدأ فى القاهرة محاكمة رئيس مصر المخلوع "حسنى مبارك" بعد بضع ساعات، و بصرف النظر عما ستصل إليه المحكمة من احكام. فإن الحكم الأبقى هو ما سيسجله التاريخ.
يبدو لى أن ذلك لن يكون فى جانب مبارك. لقد لفظه شعبه و أجبره على الإبتعاد عن الحكم. وفي هذا ما يؤكد عدم الرضا عن ادائه كحاكم مطلق لما يقرب من ثلاثة عقود. و لكن كثيرًا ما يعيد التاريخ نظره بعد انقضاء فترة يبتعد فيها التقييم عن زمن الأحداث. فهل سيحظى مبارك " بإعادة تأهيل" و يرد له بعض التقدير والاعتبار؟ رأيي الخاص أن هذا أمر مستبعد فى هذه الحالة. ولي في ذلك بعض الأسباب التي سأحاول ايجازها فيما يلي:
فشل "حسنى مبارك" فشلاً مأساويًا فى حكم مصر هذا بالرغم من أنه ورث عن الطاغيتين الذين سبقاه صلاحيات لا حدود لها.
 

 

إن فى مقدوره أن يصبح أبًا لمصر الحديثة وألا ينتهى به الامر إلى هذا الإذلال الذى يتجرعه باستحقاق. جمع كل خيوط السلطة فى يديه و بلا منازع. و تولى أمور مصر بكاملها فى يوم اكفهرت فيه سمائها بغيوم لا تبشر بالخيرمطلقًا. تعاطف المصريون معه و استبشروا خيرًا لما ابداه اولاً من اتضاع و رغبة فى مشورة ذوى الخبرة من المخلصين للوطن، واستشعروا الخير عندما بدى لهم أنه يحيد بمصر بعيدًا عن الدون كيشوتيات المحكوم عايها بالفشل مسبقًا.قدر له المصريون هذا المسار الذى جنبهم المزيد من الخسائر و المعاناة. ولكن و بالرغم مما عزى اليه من الفضل فى حرب 197, حقًا كان أم مبالغة, فان الرجل يفتقد الى ابسط مقومات القيادة و الزعامة. ليس فقط لأنه عرج على الإنفراد بالسلطة وأساء استخدامها, بل لانه لم يقدم للمصريين هدفًا قوميًا حقيقيًا ترنو إليه عقولهم و تخفق له قلوبهم و تعمل من أجله سواعدهم فيدفعهم إلى الأمام. لم يبلور الرجل رؤيا شاملة للمصريين, و ما كان ينقص مصر من الاغراض ما هو جدير بالسعى الحثيث, فيحذو بالمصريين للالتفاف حول زعامة حقيقية مخلصة تحقق هذه الاهداف. لم يكن للرجل القابلية على الرؤيا. كانت زعامة مصر "واسعة" عليه اخلاقيًا و ذهنيًا.
 

 

فقدت مصر تحت حكم "مبارك" مكان الصدارة في التأثير على مجريات الأمور حولها حتى ما كان منها يتعلق بالحياة أو الموت.
أمن مصر القومى لم يتعرض للدفاع عن احتياجها من مياه النيل بل رصد كل جهوده, و كانت فى معظمها غير حميده, لضمان بقاء مبارك فى الحكم و تولى ولى عهده العرش من بعده مهما كان الثمن, حتى و ان كان الامر يقتضى حصد الشعب بالرصاص.
استجلب "مبارك" على مصر هويه مغايرة لحضارتها تمامًا. تغير وجه البلاد ونشزسلوك العباد. و تحت شعار عدم محاكاة الغرب الكافر والإدعاء بالحفاظ على تراث دخيل هزيل سقيم اندفعت مصر بجنون نحو هوية اجنبية هابطة أبعد ما تكون عن تاريخها و ماضى انجازاتها. تجرأ السفهاء بالمناداة بان يحكم مصر ذات الستين قرنا اجنبى من ماليزيا, وهى دولة لم يمر على قيامها سوى بضع سنوات. لم يتحرك نظام مبارك للدفاع عن قومية مصر بل ترك دعاة اعادة الخلافة المقيتة التى اذلت شعب مصر لاربعة عشر قرنا يرتعون بطول البلاد و عرضها نافثين سمومهم بين الجهلة و الاغبياء للقضاء على ما تبقى من استقلال مصر و قوميتها.

 

 

هبط الفن حتى اضحى الغزل فى الحمار و ليس فى الحبيبة, اصبح الاستمتاع بحثالات مكوجى أمي هو أفضل ما يطرب المصريين. انحدرت الموسيقى المصرية الى محاكاة ايقاع الحداء للبعير. و ماذا ننتظر من شعب يعانى بلا امل فى خلاص؟
لم يسعى "مبارك" إلى إصلاح التعليم بل اسلمه "لفقهاء الترب" ودفع هؤلاء باجيال مصر القادمة نحو الغث من الخرافات و الدروشة و الاكاذيب و القصص الزائف الذى لا نفع فيه و لا حياة. لم يقف الامر عند غثاثة ما يقدم إلى العقول الصغيرة النامية بل تعداه الى حقنها بجرعات سامه من التدين الكاذب دون تقديم القدوة بامثلة من الخلق القويم و المقاصد الكريمة و التطلعات السامية. انعدمت القدرة على التفكير المستقل و ابتكار ما هو نافع فضمرت قدرة رجال المسقبل فى مصر على خوض غمار المنافسة العالمية الطاحنة التى احرزت النهضة لشعوب كنا نعتقد اننا افضل حالا منها. انهار التعليم حتى اصبح الخطأ الجسيم هو المعتاد فيمن يفترض فيهم انهم صناع الكلام. الصحف مليئة بالكتابات الركيكة و ندر أن ترى وثيقة لمحام لم تتكرر فيها اخطاء اللغة و ضعف فيها المنطق.
أما عن قوى العمل البناء فى الوطن فقد نال من فاعليتها المرض و سوء العناية و الوقاية بل و انعدامها.
تقلصت الطبقة الوسطى و ازدادت فقرًا. تعاظم عناء الفقراء للحصول على ما لا يكاد يسد الرمق.
 

 

يعتلى الزعيم الناجح منبرًا يعلم و يوجه منه الشعب يحثه و يدفع به للتقدم و الرخاء خاصة بعد طول المعانة. لم يبنى "مبارك" ذلك المنبر و لم يعتليه. بدأ حكمة "بتسيير الأمور" و نجح فى ذلك أولاً إلى أن انقلبت الاحوال و ترك الأمور على عواهنها, و التقط المنتفعون ما القت به يداه المتراخية و دخل الجميع الى حلقة مفرغة من الفساد و المزيد من الرغبة فى الاستئثار بالسلطة عندما "استحلى" الزبانية الجدد اللعبة و تمادوا فى السرقة و "التهليب" و الفساد و سلبت ثروات البلاد فتضاعف الجهل و الفقر و المرض في أنحاء مصر.
كان هذا بعض ما سيأخذه التاريخ على "حسنى مبارك". و لكن اقسى ما سيقوله عنه هو أنه أعطى حكمًا مستقرًا طويلاً كان فى مقدوره خلاله أن يقود الشعب الى طريق الديموقراطية الحقة. و الديموقراطية ليست برداء يلبس فى لحظات, انما هى دراية و دراسة و ممارسة و قبول التقدم التدريجى البطىء احيانا. هذا ما لم "يتعب مبارك نفسه به". اعلن حال الطوارىء و "استسهلها" فى أول حكمه تم "استحلاها" حيث انها وفرت عليه وجع الدماغ فى محاولات العمل الجاد لما فيه خير المصريين, و اتاح له حكم الطوارىء إرسال المعارضين و المنافسين المفترضين أو الحقيقيين الى ما وراء الشمس, و فتح الطريق للاهل و الاصدقاء على الغارب للتهليب فى عزبة والدهم المدعوه مصر.

 

هذه السيرة غير العطرة لا توحى مطلقًا بامتلاك اقل قدر من الشعور بالمسؤلية خاصة لقائد وضع القدر (و ليس الشعب) بين يديه الطويلتين مقدرات مصر و المصريين. انسان بذل كل الجهد و كثيرا بل و دائما ما كان هذا الجهد فى غير صالح مصر, ليجلس ابنه غير المرغوب فيه على كرسى الحكم من بعده. لم يمتلك الرجل قوة الاخلاق أو وازع الضمير الذى يؤهله لوضع صالح الوطن فوق مصالحه هو وعائلته. هل كان ذلك لعدم امانته أم لضعف أخلاقه أم لإنعدام الذكاء الفطرى الذى حجب عنه رؤيا الطريق القويم؟ اهو الانصياع الاعمى لرغبات زوجته في استمرار الاسرة المباركية فى الحكم؟

 

شيىء هام اتذكره عن والدي و كان رجلاً شجاعًا لا يقبل الضيم لذاته او لغيره: كان يحذر دائما بان اكثر الشرور خطرا على الانسان هو عقله الفاسد. و كان دائمًا ما يلى هذا القول بقول آخر هو: "لما ربنا وزع الارزاق ما حدش عجبه رزقه, و لما وزع العقول كل واحد عجبه عقله ".

يبدو أن العقل هو ما اضاع الفرصة على مبارك من أن يكون أبًا للمصريين يقودهم فى بناء دولة عظيمة جديرة بماضى اجدادهم السحيق, ولكن خيبة العقل و ضعف الاخلق ادت به ان يصبح انسانا مبغوضا من ابناء شعبه يدعون لمحاكمته باصرار بالرغم من تدهور صحته و انه بلغ من العمر ما بلغ (بلاش نقول ارذله).
ثم يأتي بعد ذلك حكم التاريخ و لن يكون أكثر رحمة.




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :