قصة صاحب مصنع برج العرب الذى أحزنه وجود أميين فى مصنعه

ماذا يهم صاحب مصنع إذا كان عماله أميين أو متعلمين طالما أنهم ينتجون له ما يريد ويقومون بعملهم الذى يجلب له الارباح . ربما تكون هذه هى رؤية المجتمع لأى صاحب عمل ولكن المهندس أمير واصف صاحب أحد المصانع فى منطقة برج العرب بالاسكندرية حطم هذه النظرة الضيقة الافق وانطلق بافراد مصنعه ليخطو بهم فى طريق التنوير . طريق ادواته التعليم والتوعية ففتح لهم بذلك آفاقا جديدة تنير لهم دنياهم . 

 

انه صاحب العمل الذى أعد قاعة خاصة فى مصنعه لمحو أمية العاملين ، واعطاهم أجورهم كاملة عن الساعات الطويلة التى يقضونها كل اسبوع فى فصول التعليم بعيدا عن أروقة المصنع ، بل وأعلن عن صرف حافز مقداره  10 % زيادة فى  أجورهم لمن يكمل المنهج التعليمى ويحصل على الشهادة 

 

بدأت الحكاية من شركة يونيتل لمعدات التداول بمنطقة برج العرب كما يرويها " نادر موريس " وهو من فريق العمل بالشركة ، فيقول : المهندس أمير هو الذى شجعنى على استكمال تعليمى فى الجامعة حتى حصلت على ليسانس تربية – تعليم مفتوح من جامعة الاسكندرية 

يتكلم نادر عن صاحب الشركة بلهجة تنم عن الحب والتقدير : المهندس أمير ، أب ومعلم فهو يمتلك خواص الأب في أبوته نحو جميع من يعمل معهم من الناحية الإنسانية والمعنوية والمادية ، هو أب يعول أسرة كبيرة ، أفرادها جميع العاملين بالمصنع يؤمن بالانسانية والمواطنة فوق كل شئ لذلك تجده يشاركهم كل ما يمر بهم من أفراح وأحزان ،  وهو يمتلك أيضا موهبة المعلم الذى يعلم بأبسط الطرق ويترك لك مجالا لتخطئ لكى تتعلم من اخطاءك دون أن يحسابك بل ويعضدك لكى تحاول مرة اخرى مع مزيد من التشجيع والاهتمام .

 

يتابع نادر الحديث عنه فيقول .. لقد ساعدنى كثيرا في تخطى مرحلة الليسانس وهذه الفترة كانت صعبة جدا بالنسبة لى حيث اننى متزوج وأعمل بالشركة وكان علىّ تدبير مواعيد الامتحانات مع هذه الظروف ، فمنحنى فى تلك الايام اجازة دون أن يخصم اى شئ من مرتبى بل وأعطانى في نهاية مدة الاربع سنوات مكافأة لحصولى علي المؤهل ، كما شجع كذلك شقيقى تامر الذى يعمل فى نفس الشركة حتى حصل على بكالوريوس التجارة – تعليم مفتوح . 

 

وقد فعل صاحب المصنع نفس الأمر مع "محمد شعبان" الذى حصل على ليسانس الحقوق – تعليم مفتوح فيقول عنه " الصراحة المهندس أمير ده بالنسبة لى حاجة كبيرة وهو طول عمره داعم ومحب للعلم والتعلم ، ساعدنى في الحصول على الليسانس بالدعم المعنوى ، وبالدعم المادى فكان كل ترم يساعدنى  في دفع الرسوم الدراسية وأنا اتعلمت منه حب التعليم وكذلك الصبرعلى التعلم وترتيب الوقت وتعلمت منه حب التخصص وأشياء كثيرة ، ومن الآخر المهندس أمير ده مسيرة نجاح وأنا من خريجى مدرسة المهندس أمير واصف ، نحن التلاميذ وهو الاستاذ 

 

يؤمن المهندس أمير أنه كصاحب شركة ، عليه مسئولية مجتمعية نحو العاملين بشركته ، فبعد أن شجع الحاصلين على تعليم متوسط من ابناء الشركة لاستكمال تعليمهم والحصول على شهادات جامعية ، بدأ فى الاهتمام بالعاملين الذين خرجوا من المدارس وأوكل لأحد ابناء الشركة " نادر موريس " مهمة القيام بالتدريس لهم فى برنامج لمحو الامية وذلك بدعم من جمعية  " كاريتاس مصر " 

اجتاز " نادر "  دورة تدريبية فى  جمعية كاريتاس مصر ، على احدث الطرق لبرامج محو امية الكبار وهى  دورة تأهيل منسق فصل تعلم فيها كيفية التعامل مع كل الفئات العمرية المتسربة من التعليم وكيفية توصيل المعلومة لهم وبعد ان تم حصر العاملين فى الشركة عن طريق الملفات وجدوا ان هناك 21 شخص تسربوا من التعليم الاساسى . 

وفى 12 / 12 / 2017 فتحت القاعة التى أعدها صاحب الشركة أبوابها لـهؤلاء الـ 21 ليبدأ معهم مبادرة  " تعلم وتحرر " وهى مبادرة للقضاء على امية العاملين بالشركة ليكون مصنعا بلا أميين . 

 

3 مرات اسبوعيا يقضيها المتعلمون فى فصول محو الامية ، مدة كل حصة ساعتان ونصف ، أى حوالى 10 ساعات اسبوعية يتركون فيها مواقعهم فى المصانع بينما أجورهم سارية كما هى دون اى خصم ، تقول أحد افراد الدورة وهى عاملة البوفيه بالمصنع " المهندس امير  كان بيجيله ضيوف فى اوقات الدراسة فيقوم بنفسه بضيافتهم وأنا موجودة فى حصة من محو الأمية ، لا يخرجنى من الحصة رغم ان هذا هو صميم عملى وكان يتابع بنفسه مواعيد الحصة ويقولى عليها " 

 

وعن مدى استفادتها من هذه الدروس تقول " كنت رايحة المستشفى بحفيدى قالوا لى دكتورة الاطفال فى قسم الحضانة ولولا فصول التعليم مكنتش عرفت أقرا اسم القسم اللى  مكتوب على الباب وأدخل لها ، وتضيف كنت لما يتطلب منى أعمل مشروب اسأل عن اسم الباكيت بتاع المشروب علشان مش عارفه أقراه ودلوقتى بقيت مش محتاجة أسأل حد " .  

 

إيمان المهندس أمير بالتعليم هو قضية شخصية بالنسبة له فلا يبخل بشئ من أجل تنفيذها ، فى احدى المرات اشتكت واحدة من المتعلمين من انها لا ترى بوضوح لضعف الاضاءة فى القاعة  فما كان منه الا ان قام بتغيير كل اضاءة القاعة بتكلفة ليست بالقليلة .

 

فى الشهر المقبل سوف تأتى لجنة من الهيئة العامة لتعليم الكبار ليقوم المتعلمين بأداء الامتحان النهائى أمامها و ليحصدوا ثمار تعبهم ومثابرتهم فى التعلم على مدى قرابة العام منذ بدء الدورة فى ديسمبر 2017 .  

 

وربما يكملون بعد ذلك فى المرحلة الاعدادية وهى الفكرة التى طرحها المهندس امير 

 

الاستفادة التى جناها أفراد دورة " تعلم وتحرر " بدت واضحة فى حياة كل منهم ، ثقة بالنفس ، تغيير كبير حدث داخل جدران منازلهم ، يقول أحدهم " فى البداية لم أكن أرغب فى التعلم وكنت طالع من المدرسة من خامسة إبتدائى ، قلت أجرب يمكن استفيد حاجة جديدة أو شهادة  تنفعنى فيما بعد ، والان استطيع ان اساعد ابنتى الصغيرة و اذاكر لها واتهجى معها الحروف بالتشكيل ، 

المهندس أمير بذل معنا مجهود ووفر لنا كل شئ وأخذنا من وقت العمل فى المصنع وقال ان اللى حينجح حيكافأه بـ 10 % مكافأة . 

 

لم اكن أعرف القسمة ولا متمكن من القراءة ودلوقتى اقدر اقرأ أى شئ

 

يقول " م .أ " احد أفراد فصول محو الامية ، ابنى كان بيسألنى عن حاجات فى المدرسة مش عارف أرد عليها دلوقتى بقدر أجاوبه ، لم اكن اعرف القسمة ولم اكن متمكن من القراءة ، دلوقتى اقدر اقرأ أى شئ ، المهندس امير كتر خيره انه اعطانا وقت من الشغل وكان بيشجعنا ويحضر معنا بعض الحصص .  

 

ولأن التعليم ليس له حدود أو أسوار نقف عندها ، ولأن صاحب الشركة يؤمن بان التعليم ليس هو الحصول على شهادات فقط وإنما هو وعى ومعرفة فى إدارة الحياة وسلوكياتها ، فقد قرر أن يُعد دورة تدريبية لجميع العاملين بشركته عن المهارات الحياتية وهى ايضا بالتعاون مع جمعية كاريتاس وتهدف إلى تبديل السلوكيات والعادات الغذائية والصحية الخاطئة التى نمارسها كمصريين فى حياتنا اليومية ، بأخرى صحيحة وسوف تكون مدة هذه الدورة ستة أشهر . 

 

وفى رسالة قصيرة يُعبر بها المهندس أمير عن قضية التعليم و التنوير التى تشغله ، فيقولها لكل فرد فى شركته أتم دورة او مرحلة تعليمية جديدة "    أبنائى ... فخور بإنجازكم جميعا مع اطيب امنياتى لكم بالنجاح " .