جاكلين جرجس
المَاهِيَّةُ الشَّهرية أَو المرتَّب الشهريّ ، هي كلمة منسوبة إِلى "ماه " ، ومعناها بالفارسية " شهر " ، وهي تبدو بهية و بديعة مفرحة عند تسلمها والقيام بعدها الجنيه بعد الآخر لفرط التشوق إليها لسداد ديون شهر سابق لرفع العين المكسورة و إعادة الكرامة المهدرة و من جديد جرأة السير في ممرات المصلحة والخروج بشجاعة من الأبواب الرسمية ، والنظر بعيون جريئة في وجوه الديانة .. نعم يا سادة ، فالدين هم بالليل ومذلة بالنهار ..
ولكن " عطية " المسكين وفور تقاضيه " الماهية البهية " يختفي عائدًا لمكتبه رافضًا الانصراف معنا قبل تدبر الأمر ، فيضع المرتب على سطح المكتب ، ويخرج من الأدراج مجموعة مظاريف حكومية صفراء ويبدأ في توزيع المرتب وكتابة بنود الصرف على المظاريف لتتقلص بالتدريج أوراق البنكنوت وتختفي طائرة كالعصافير الشقية داخل المظاريف بينما يرقبه من خلف زجاج شباك الغرفة الساعي والبائع المتجول المعتمد من المصلحة لتدبير احتياجات موظفيها من الملابس الداخلية بالتقسيط المريح ، فهما يدركان بحكم الخبرة أنها الفرصة الوحيدة لاسترداد المستحقات من عم " عطية " فيهبطان عليه في مفاجأة اللهو الخفي !!
وفي النهاية يعود الطيب " عطية " أفندي بمجموعة مظاريف لزوجته وكشفا مدون فيه بنود الصرف لإجمالي الماهية التي ما عادت بهية بعد خصم الضرائب وسداد ديون الشهر السابق ..
ولكن عم " عطية " يفاجأ بالست مراته تقول له وفين يا عطية مظاريف البطاطس والطماطم دي خرجت من حسابات إجمالى الخضار ... صارخة " ياعطية إنت بسلامتك مش عايش معانا اتفضل حطها بدل مظروف هياكل الفراخ والسمك الشر وعضم اللامؤاخذة البهايم " !!!
وبينما يتبادلا أطراف النزاع يعلو صوت بائع القوطة المجنونة والبطاطس الأجن ، فتبادره الزوجة " اتفضل شوف هتنزلهم في "السبت " أي مظروف يا سي " عطية " ..
لكن ربة الأسرة طول عمرها ناصحة وزكية فقررت بعد انتهاء الخناقة الشهرية إنها تودع السلبية و قررت الانضمام لحملات المقاطعة بدعوة " خليها تحمض " خصوصًا مع الارتفاع المتواصل لأسعار الخضروات و الفواكه ؛ ولكن هيهات أن الخضار يحن على الغلبان ففوق كل ده اتقال إن بعض التجار بيستخدموا مواد بيرشوها كمبيدات ولا يهمهم إذا كانت مسرطنة ولا لا .. ولديهم قناعة إن المصري معدته تهضم الزلط !!
أما حكومتنا الرشيدة المطيبة لخواطر الغلابة فقد تقدم متحدثيها وعرفونا إن بعض المزارعين الكبار قاموا بتخزين البطاطس لتعطيش السوق وجنى الأرباح ؛ ( نشفتوا ريق الموظف الغلبان اللهى لا تكسبوا والا تربحوا ) ، أو لتخزينها كتقاوى دون اعتماد المخزن من قبل الإدارة المركزية لفحص واعتماد التقاوى، وهذة الكميات المخزنة تؤدى إلى نقص المعروض فى السوق، بالإضافة إلى عدم الرقابة على الُمخزون في الثلاجات ؛ لكن المرة دى والحمد لله بدأت وزارة الزراعة ، بالتنسيق مع مباحث التموين ،والوحدات المحلية بمحافظات الجمهورية ، و28 إدارة تابعة للإدارة المركزية للبساتين ، بشن حملات مفاجئة على ثلاجات تخزين البطاطس ومصادرة السلعة وطرحها بالأسواق وإتخاذ جميع الإجراءات القانوينة ضد المخالفين ، ومن الهام استمرار الرقابة على تجار المحاصيل الزراعية و فرض التسعيرة الجبرية و وجود ربط حقيقى بين وزارة الزراعة والتموين باعتبار الأولى إنتاجية والثانية تسويقية ولأن فمشكلة البطاطس و غيرها من المحاصيل تتكرر كل عام فعلى وزارة الزراعة و مركز البحوث الزراعية توفير التقاوى للمحاصيل المختلفة و عدم المماطلة فى توزيع الأسمدة الزراعية على الفلاحيين ؛ فيضطرون إلى الاتجاه للسوق السوداء، لشراء الأسمدة بأسعار مرتفعة نظرا لعدم تواجدها بالجمعيات الزراعية.
وياريت وزير التموين بلاش " تفسح الخضار " لما قال لنا الخضار والفاكهة بيجي من الدلتا للعبور وبعد كدة بترجع تاني الدلتا طب بالزمة ليه المشورة دى و دفع فلوس ومواصلات و أنت عارف البنزين غالى و المواطن الشقيان أبو مهية تعبانة هو اللى بيدفع فرق الاسعار ده ؟ !!
و لما قال لنا أن العالم كله لسة بيطبخ بـ " بالصلصة " مش بـ" المجنونة " ست البيت مسكتتش و أنتوا عارفينها لما تحط حاجة فى دماغها لمت حبايبها وجيرانها و تابعوا برامج الطبيخ العالمية واكتشفوا إن العالم كله لسة بيطبخ بالمجنونة فبلاش تبسيط للأمور و استغفال للمواطن الغلبان ..
هى أزمة بسيطة وهتعدى ونرجع ناكلها مقلية أو مسلوقة أو حتى صنية " أورديحى " لأن الحكومة مشكورة قدرت تلاقى حل سريع وغير تقليدى وفرت لنا البطاطس و الطماطم بنص التمن من خلال منافذها فى اغلب المناطق الحيوية .
لكن أنتوا عارفين الشعب المصرى دمه خفيف وابن نكتة وبيعلن عن غضبه بضحكة وسهل عليه المهمة الفيس بوك و تويتر وغيرها فكانت تعليقاتهم عن الأزمة أن البعض قرر تحويل فلوسه إلى بطاطس قبل ما تغلى أكتر و أعلن البعض عن توفر 5 كيلو بطاطس بالتقسيط على 12 شهر والوسطاء يمتنعون ؛ وبلاها بطاطس خد بامية ... أما الرائع "عمرو سليم " فقد وضع صورة لبططساية ضخمة ، وكتب تحتها " العثور على جسم غريب في شارع قصر العيني " ..
وفى النهاية ، لا نملك إلا الدعاء أن ربنا يبارك في الماهية لتعود بهية لتمكيننا من اللقمة الهنية .. واللي جاي أكيد أحسن إن شاء الله .. وعلى فكرة مصر جميلة ، و الناس اللي زعلانة من طوابير الحصول على البطاطس المخفضة أحب أبلغهم يشوفوا أخواتهم في الإنسانية الواقفين طوابير في المولات للحصول على " الآي فون " الجديد اللي سعره بيبتدي ب 24 ألف جنيه .. لا تحزنوا البتة !!!