الأقباط متحدون | المادّية والميتافيزيقية!!
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٢:٥٦ | السبت ٦ اغسطس ٢٠١١ | ٣٠ أبيب ١٧٢٧ ش | العدد ٢٤٧٧ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

المادّية والميتافيزيقية!!

السبت ٦ اغسطس ٢٠١١ - ٤٤: ١٠ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: سهيل أحمد بهجت

يقول المسيري:

"و من المسلّمات الميتافيزيقية الأخرى في النظرية الاقتصادية الغربية ـ حسب تصوّر جلال أمين ـ نظرية الاستهلاك التي تذهب إلى أن: ((هدف المستهلك هو تعظيم الإشباع أو المنفعة، فإذا سألت عن ماهية هذا الإشباع [و الغاية منه] قيل لك: لا شيء غير ما يقرر المستهلك أنه يريده، فهم إذن قد قبلوا كمسلمة من المسلمات، و هرَّبوا إلينا مذهب الفردية، بل نوعا من الإباحية، بمعنى أن كل ما ترغب فيه هو أمر مشروع، أو على الأقل ليس من وظيفة الاقتصادي الاعتراض عليه، و لا يمكن مساءلة المستهلك عن القيمة الأخلاقية أو الاجتماعية لما يريد." ـ المصدر السابق ص 113

 

إن الإنسان هو كائن ـ مزيج من الرغبات و الشهوات و الطموح و القيم و الروحانيات و فيه جوانب عقلية و ميتافيزيقية لا تزال في طور المجهول رغم كل التطور العلمي و العقلي الذي يعيشه العالم، بالتالي فإن رغباته و حاجاته تتنوع بتنوع أفكاره و مواقفه من الوجود و من الأجوبة التي يقتنع بها، إن القول أن لحاجات الإنسان حدودا هو افتراض و وضع مسبق لحدود تتعلق بالإنسان الذي يُفترض أنه لم يكتشف الكثير من أبعاده اللا محدودة، و المسيري نفسه لا يملك جوابا عن ماهية "الحدود" التي ينتهي إليها الإنسان و نوعية هذه الحاجات، فهل الإنسان يمتلك بالفعل حدودا واضحة لحاجاته؟ الإنسان و عالمه يختلف كليا عن عالم النمل و النحل و الأسماك، فكل إنسان يطمح و بشكل طـــبيعي إلى أن يمتلك البيت الجميل و الزوجة الفاتنة و أن يكون رئيسا أو شخصا معروفا و مهما، و هذه الأمور لا يمكن التحكم بها من سلطة أعلى، إلا أن يتم الأمر كقناعة و إيمان بمبدأ معيّن يمكن أن يدفع الإنسان كشخص إلى "الزهد" أو القناعة، و كما يقول الكاتب الأمريكي الكبير المرحوم ول ديورانت في مقالته "ما هي الفلسفة"؟ فإن التحديث الحضاري أجهض جملة تناقضات، فكرة الليبرالية قضت على الملكية و الارستقراطية لتحل محلها الإشتراكية و الديمقراطية، حررت المرأة و أنهت الزواج كمؤسسة من النمط القديم ـ

 

القائم على طرف واحد هو الرجل ـ و انتهى عهد الزهد المصاحب للبذخ، بمعنى آخر فإن حاجات المواطن هنا لا تختلف عن حاجات أكبر السياسيين و ذوي النفوذ، و إذا بدأنا نضع الحدود لحاجات الناس؟ فما هو المقياس؟ و من يقرر ماهية هذه الحدود و أين تبدأ و أين تنتهي؟ و من يضمن أن هذا التحديد لن يكون انتقائيا ـ كما هو الحال في الدول الإشتراكية و القومية ـ و بالتالي يمتلك البعض القدرة على إشباع "لا محدود" للرغبات و الحاجات و تعاني أكثرية الناس مآسي التحديد.

 

إن التعامل مع الإنسان و كأنه شيء من الأشياء لم يكن قط سمة من سمات العلمانية الليبرالية الديمقراطية بقدر ما كان سمة ملازمة للشيوعية و القومية و الإسلاموية و للنظرية المسيرية كما اطلعنا عليها، فالإنسان ليس قطعة هندسية واضحة المعالم و هو ليس كأخيه الحيوان الذي يتكون من غريزة فقط، بمعنى آخر هو متجاوز لهذه الأشياء المادية المحدودة و حسب كلام المسيري نفسه فإن الإنسان أكبر من كل التعريفات المادية و لكنه يناقض نفسه إذ يلغي الجانب المادي من الإنسان، فإذا كانت هناك سلبيات في ذلك الجانب المادّي المتعلق بالإنسان فهل يكمن الحل في أن نعامل الإنسان كـ"ملاك" و "كائن روحاني"؟ بالتأكيد لو فعلنا ذلك نكون قد دخلنا بالفعل في عصور الظلام و الخرافة و نحطم الإنسان بحجة الحفاظ على "مصلحة الإنسان".

 

الغرب لم يقم بتهريب أي فكرة أو ثقافة إلينا بحيث يمكن للمسيري و جلال أمين الزّعم بأن الغرب "هرَّب" إلينا مبدأ الفردية، بل الأفكار ترد إلينا بشكل طبيعي و دون أي تمحيص و استفادة لأن الشرق المدعو إسلاميا ـ كما يصفه أركون ـ لم ينتج أي فلسفة عقلية ذات مقاييس و أطر قادرة على أن ترشح و تختبر الأفكار الحديثة بحيث تنسجم و ثقافتنا و مستويات مجتمعاتنا، إنها بالأحرى مجتمعات كسولة ـ عقليا ـ فيسهل فيها تفسير كل شيء بالقضاء و القدر و النصيب و نظريات المؤامرة، و كون الفردية أساسا للحضارة الغربية لا يعني صفة سلبية لهذه الحضارة بل إن النزعة الفردية هي أساس طبيعي لبناء الدول و المنظومات الحضارية الحديثة، إذ لا قيمة و لا معنى بدون أن يمتلك الفرد شعورا و وعيا بوجوده كفرد له حقوق و واجبات تجاه الآخرين، و هنا يبدو لنا المسيري و كأنه مفكر إشتراكي من المنظومة السوفيتية التي أرادت إلغاء الفرد بحجة الحفاظ على المجموع.

 

 

www.sohel-writer.i8.com

 




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :