الانترنيت والحياة الافتراضية للبشر
د. مجدي شحاته
٣١:
٠٢
م +02:00 EET
الاثنين ٥ نوفمبر ٢٠١٨
بقلم : د. مجدى شحاته
لا يمكن أن ننكر ان شبكة الانترنيت من أهم انجازات العصر الرائعة والمذهلة ، والتى قفزت بعالم الاتصالات الى حدود بالغة الاثارة والعجب . الا أن تلك الشبكة العنكابوتية سلاح ذو حدين ، بمعنى أخر ، أن تلك الشبكة لها جانبها المضىء والمشرق ، ولها جانب آخر معتم ومظلم بل كئيب وقبيح . على الجانب المضيىء والمشرق ، قدمت وسهلت وساهمت فى كثير من الخدمات الهامة التى باتت ضرورية فى حياتنا اليومية ، وقامت بكسر حاجز الغربة وألغت المسافات بين الناس فسهلت التواصل بين البشر فى أى مكان وزمان . فضلا عن أنها أكبر بنك للمعلومات والمعرفة عرفه الانسان ، وأكدت الشبكة أنه لم يعد هناك انسان يعيش فى عزلة عن الأخر بل يمكن لنا أن نقرر انها قامت بنقلة نوعية غير مسبوقة فى حياة البشر . لكن يقولون فى الامثال : " تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن !! " كثيرا ما يفسد الانسان كل ما هو جيد وحسن ، ويشوه ويقبح كل ما هو جميل !! البعض آثر التعامل مع الانترنيت من الجانب المعتم المظلم الكئيب القبيح !! وكأنهم مصرون كل الاصرار على تشوية ذلك الانجاز الانسانى ، الراقى ، المبهر، عن طريق سوء الاستخدام الفيس بوك أحد أشهر وسائل التواصل الاجتماعى ، الذى يستخدمه أكثر من مليار مستخدم فى مختلف دول العالم . أصبح الفيس بوك فى الآونة الاخيرة مثار للجدل بل والمخاوف للناس من استخدامه السيئ . وتشير الدراسات والبحوث المختلفة ، أن الفيس بوك خلق فى المجتمع نوعا من الحياة الافتراضية ، اندمج فيها الملايين أثرت بشكل قاطع فى شخصياتهم وغيرت مجرى حياتهم ، واعادة تشكيل وجدانهم بل بدلت وغيرت طريقة تعاملهم مع الاخرين حتى أقرب الناس اليهم . ناهيك عن المواقع الاباحية التى باتت تهدد المجتمعات . وعلى جانب آخر، هناك اسباب أمنية ومشاكل اجتماعية وأخلاقية وانتهاكات للخصوصيات مما دفع بعض الدول من حظر وحجب كافة وسائل التواصل الاجتماعى ، وقامت دول أخرى بحظر الفيس بوك فى أماكن العمل لأثناء العاملين عن أهدار أوقاتهم أثناء العمل . لقد أعتاد كثيرون من استخدام الفيس بوك الى حد الادمان ( addiction ) ... الناس فى الشوارع ، المواصلات العامة ، فى المحلات التجارية ، فى أماكن العمل ، أثناء قيادة السيارة ، داخل فصول الدراسة ... الجميع عيون شاخصة وآذان صاغية لمتابعة الفيس بوك !! بل والشئ المثير للضجر أن يأتيك زائر فى منزلك ويتجاهل الحاضرين ضاربا عرض الحائط بكافة اصول الضيافة والزوق وينهمك فى ارسال واستقبال رسائل عبر الفيس بوك !!! هل هذا مقبول ومعقول ؟؟ بحسبة بسيطة ، لو افترضنا أن متوسط استخدام فرد للفيس بوك لمدة ثلاث ساعات يوميا ، فان هذا الفرد يقضى أكثر من ألف ساعة فى العام الواحد أمام الشاشة الصغيرة . وعندما يمد الله فى عمره عتى عمر الثمانين ، يكون قد قضى من عمره ما يقرب من تسع سنوات كاملة منهمكا فى الفيس بوك !! ألم اقل لكم ادمان ... ؟؟
لقد أصبح فى امكان وأستطاعة أى انسان أن يؤسس وينشئ له موقعا خاصا به على شبكة الانترنيت يعبر فيها عن أفكاره وآرائه بلا رقيب أو حسيب ، بغض النظر عن مؤهلاته وخبراته وثقافته ، كل هذا لايهم ، المهم أن يكون معروفا ويتخيل له انه أصبح نجما من نجوم المجتمع وبات محور حديث الناس ويقرر علماء النفس ان محاولة الوصول الى الشهرة والنجومية الزائفة تؤثر غلى التوازن النفسى
ويخلق حالة من الزهو بالذات قد تصل الى النرجسية اذا لم ينتبه الشخص الى نفسه . ومؤسس الموقع ، هو المؤلف والمنتج والمخرج والمقدم والمبرمج بمعنى انه الكل فى الكل !!! والدافع الاول وراء كل ذلك جنون الشهرة او توصيل رسالة بعينها ، ذات مغزى وهدف محدد . والمصيبة الكبرى ، أن باب الاكاذيب والافتراءات والشائعات والاثارة والفبركة .. باب واسع ورحب ، وبطبيعة الحال هذا الباب الواسع لايقود الى أى حقيقة او معرفة أو معلومة صادقة . وبكل الاسف يقع كثير من الناس الطيبين البسطاء فى هذا الخداع والشراك والوهم . يضيف علماء النفس ان مدمنى وسائل التواصل الاجتماعى يتحولون بمرور الوقت الى اناس مستهلكين غير مبدعين يبنون كل معلوماتهم ومعارفهم من عالم افتراضى ليس له أصلأو مراجع موثوق بها . وعلى جانب آخر تضعف لديهم القدرة على الحوار مع الاخر وجها لوجه ويقل لدتهم الترابط الاسرى وكثيرا ما يفقد هؤلاء القدرة على التعامل والتفاعل مع الاخر وكذلك قبول الاختلاف مع الغير والتفاهم بطرقة اجتماعية سليمة لمن يخلفهم الرأى . ولاشك ان ادمان السوشيال ميديا بطريقة مبالغ فيها يخلق شخصيات هشة وضحلة غير قادرة على مواجه الواقع والمشاركة فى المجتمع بطريقة ايجابية وفعالة . فضلا عن ذلك ، فان مجتمع الانترنيت مجتمع افتراضى عالمى يتخطى كل الحدود الدولية ، لذا فعلى المسافر على هذا الدرب أن يراعى النظر والتعامل بحكمة وعقل متزن ، حتى يستطيع أن يتبين الاختلاف بين ثقافته وثقافة الآخر ويعمل على توطيد الاحترام المتبادل بين الكل . فان مفهوم الوطن و المواطنة آخذ فى التغير والتبدل مع تلاشى الحدود الجغرافية والتاريخية ، فلم يعد الوطن هو المكان الذى يجمع اصحاب صفحات التوصل الاجتماعى ، ولكن ربما يجمعهم أفكار مختلفة متطرفة وعشوائية عن تقاليد وأعراف المجتمع الذى يعيشون فيه على أرضه الواقع .