- مصر بين جمعة الهوية الإسلامية وأخري للتأكيد على هويتها المدنية
- من ابن مصر
- التيار المدني يتطلع لاستعادة الدفة من الإسلاميين في جمعة "مصر مدنية"
- "عبدالمقصود": النيابة العامة تعلم بوجود تسجيلات خاصة بالمتحف المصري أثناء الثورة ولن أمانع في ظهورها
- قانون الغدر...عودة لنهج النظام السابق نحو دمقرطة نظام المحاسبة القانونية لأعضاء النظام السابق لضمان حقوق الضحايا
المبعوث الأمريكي:الحقيقة والوهم
بقلم: منير بشاي- لوس انجلوس
قامت الدنيا فى مصر ولم تقعد، والسبب أن مجلس النواب الأمريكي أقر تعيين مبعوث أمريكى لمراقبة أوضاع الأقليات الدينية في عدة بلاد في الشرق الأوسط ومن بينها مصر.
كنت أظن أن القرار يتعلق أساسًا بأمريكا، وأمريكا بلد مستقل وله سيادة على قراراته. كما أن أمريكا حرة في أن تراقب أداء الدول الأخرى فيما يتعلق بحقوق الإنسان فهذا حقها وواجبها، والدول الأخرى من حقها أيضًا أن ترقب أداء أمريكا في هذه القضايا. وأؤكد أنه إن حدث هذا فلن يقوم شخص في أمريكا ليعترض أو يعتبر هذا شأنًا داخليًا ليس للأجنبي أن يتدخل فيه. فلقد انتهى مفهوم هيمنة الحاكم على شعبه، وأصبحت الشعوب تملك حق الشكوى إن حرموا من حقوقهم الإنسانية دون أن يعتبر هذا خيانة للوطن، والقانون الدولي جعل مسئولية حقوق الإنسان واجب كل إنسان على وجه الأرض بعد تحويل قضايا حقوق الإنسان من قضايا محلية إلى قضايا عالمية. ثم إن موضوع الحريات الدينية يهم أمريكا بوجه خاص لأن أمريكا دولة حديثة جمعت أبنائها من المضطهدين في كل بلاد العالم في كيان يعطيهم الحرية والمساواة. والمفهوم السائد الآن أن هذه الحقوق هي حقوق إنسانية قبل أن تكون أمريكية. وقد قال الرئيس الأمريكى السابق جيمي كارتر "إن أمريكا لم تخترع حقوق الإنسان بل إن حقوق الإنسان هي التي اخترعت أمريكا" بل وأصبح الاقتناع السائد في أمريكا أن الحريات لا تتجزأ وأنك ترتكب ظلمًا فاحشًا ضد الناس عندما تطالب بالحرية لنفسك وتحرمها على الآخرين. وفي هذا يقول الرئيس الأمريكي السابق جون كنيدي "عندما نعطي الآخرين حقوقهم فإننا نعطيها لأنفسنا".
والغريب أن موضوع مراقبة حقوق الإنسان ليس جديدًا. ففي سنة 1988 صدر به قانون دولي اسمه قانون الحريات الدينية الدولية، وشكلت لجنة للإشراف عليه اسمها لجنة الحريات الدينية الدولية، التي تصدر تقريرها في أول مايو من كل عام. وتمشيًا مع هذا أنشئت في أمريكا في نفس العام لجنة الحريات الدينية الأمريكية الملحقة بوزارة الخارجية الأمريكية. وهدفها مراقبة حالة حرية الدين والفكر والمعتقد في العالم كما نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ويرأس اللجنة سفير متجول، وتصدر تقريرًا سنويًا في الأول من سبتمبر من كل عام. وقد أوصت اللجنة هذا العام بمراقبة أداء الحريات الدينية لبعض الدول؛ وهي مصر والسعودية وباكستان والسودان وتركمستان وأوزبكستان وأريتريا وكوريا الشمالية وفيتنام وبورما والصين.
وطبقًا للقانون فإن مهمة اللجنتين الدولية والأمريكية تنتهي في 2011، ويبدو أن انتخاب مبعوث أمريكي للحريات الدينية في الشرق الأوسط هذا العام، هو امتداد لتلك المجهودات التي أشرنا لها.
ومن الطريف أنه فور صدور قرار تعيين المبعوث الأمريكي سارعت بعض الفضائيات والمنظمات خارج مصر كل إلى إعلان أن هذا القرار قد تم اتخاذه بفضل مجهوداتهم. ولكن حتى إذا افترضنا أن لهذه المجهودات بعض التأثير فهو تأثير محدود، وهو غالبًا التعجيل بإصدار القرار وليس فرضه على الإدارة الامريكية. ذلك لأن الفضل الأكبر في إصدار القرار هو للنظام الأمريكي الذي يقوم أساسًا على هذه القيم، والذي أقر هذه الإجراءات لأنها أساسًا مبادئ تتماشى مع القيم الأمريكية ولا تحتاج إلى ضغوط من أحد.
وفي المقابل ثارت وسائل الإعلام والجماهير في مصر نتيجة هذا القرار. ووجد أقباط مصر أنفسهم فى وضع حرج منساقين هم أيضا إلى رفض القرار تحت ذريعة رفضهم لما أسموه بالحماية الدولية. هذا رغم أن الموضوع ليس بجديد والصلاحيات التي أعطيت لهذا المبعوث ليست جديدة. فهي مثلما أعطى لسابقه، ولا صلة لها بالحماية الدولية بمعنى التدخل العسكري، إلا إذا وصلت الأمور في مصر إلى حالة إبادة جماعية منظمة، وهو ما لا يدعيه أحد الآن. ولكن الهدف هو مجرد رصد لحالة الحريات الدينية ثم إصدار تقرير دوري إلى الإدارة الأمريكية يتضمن توصيات المبعوث ويكون بمثابة دليل يوجه قرارات الإدارة الأمريكية.
ليس من المصلحة التهويل أو التهوين من قرار إرسال هذا المبعوث. فهذا المبعوث لن تكون في يديه عصا سحرية يلوحها فتنهي مشكلات الأقباط الكثيرة مثل خطف البنات القبطيات أو رفع الحظر على بناء الكنائس أو المساواة بين الأقباط والمسلمين فى التعيينات والترقي أو وقف الاعتداءات الارهابية ضدهم. وعلينا أن نتذكر أن غبنًا كثيرًا قد وقع على الأقباط في ظل النظام السابق ومع وجود مبعوثين أمريكيين سابقين، بما في ذلك الاعتداءات في الكشح ونجع حمادي وكنيسة القديسين والعمرانية وغيرهم.
ومع ذلك فبدون شك أن هذا القرار خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح وهو من شأنه أن يحرك المياه الراكدة ويحفز السلطات المصرية على الاضطلاع بواجبها لحماية الأقليات ومن بينهم أقباط مصر وعلى معاملتهم بالمساواة. وهذا كل ما يريده الأقباط فلا أظن أن قبطيًا مخلصًا يجد لذة في الالتجاء للأجنبي بالشكوى إلا بعد أن تأكد أن السلطات المصرية غير جادة فى إنصاف الأقباط.
ما أتوقع أن يحدث أنه بعد أن ينتهي الاعتراض والاستنكار والشجب وإعلان رفض المندوب، فإن هذا المندوب سوف يزور مصر وسوف تستقبله السلطات المصرية وسوف يصحبونه إلى الرئاسات الدينية والعلمانية في مصر، التي ستضطر أن تخفف من حقيقة الاضطهاد ضد الأقباط، وقد تسميه مجرد مشاكل في طريقها للحل داخليًا، وترفض التدخل الأمريكي. ومع ذلك فإن هذا المبعوث يعرف خلفية هذا كله، وأيضًا يعرف الحقيقة الكاملة عن ما يدور في مصر، التي ترصدها السفارة الأمريكية في القاهرة دقيقة بدقيقة. وسيكتب المبعوث تقريره إلى الإدارة الأمريكية التي غالبًا ستعمل مع النظام المصري الجديد ما عملته مع نظام مبارك وهو لفت النظر حينا، وشد الأذن حينا آخر، وتقديم حوافز لتحسين الأداء في بعض الأحيان، وقد يتصاعد الأمر إلى الادانة والتلويح بتخفيض المعونة أو إيقافها من وقت لآخر. ولكن في النهاية فإن المصالح المشتركة بين أمريكا ومصر ستكون هي سيدة الموقف.
ولذلك فمع تقديرنا للمبادرة الأمريكية، فاننا نكون واهمين إن ظننا أن مبعوث الإداراة الأمريكية سيكون لأقباط مصر بمثابة مبعوث العناية الإلهية.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :