الأقباط متحدون | إمتى نتحرر من دا القفص .....؟!!
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٢:٢٨ | الثلاثاء ٩ اغسطس ٢٠١١ | ٣ مسرى ١٧٢٧ ش | العدد ٢٤٨٠ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

إمتى نتحرر من دا القفص .....؟!!

الثلاثاء ٩ اغسطس ٢٠١١ - ٢٨: ٠٢ م +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: المهندس نبيل المقدس

 بعيدًا عن المحاكمات .. بعيدًا عن المنظر المخزي للرئيس السابق وأبنائه وهم موجودين في القفص .. وبعيدًا عن الشماتة لكل من تواجد في القفص .. تذكرت أيام صبايا منذ ستين سنة تقريبًا, عندما كنت أغوي مشاهدة افلام "الكاو بوي" .. كنت في وقتها أعيش في أسيوط .. وكانت السينما هي المكان الوحيد الذي فيه نستطيع أن نُرَوّحْ عن انفسنا .. كان يُوجد 3 دور سينما في اسيوط .. كنت أبحث عن دار السينما التى تعرض أي فيلم أمريكي .. وكانت أغلب الأفلام الإمريكية حول أفلام الأكشن والكاو بوي.. طبعًا كان ثمن التذكرة غالي بالنسبة لمصروفي أنا وأصدقائي, لذلك كنا ندخل أقل درجة مستوي وهي الترسو .. وأتمنى أن يدرك معناها السادة القراء .. فقد كان ثمن تذكرة الترسو تكافيء نصف ثمن الدرجة التي تليها وهي درجة " الصالة " .. فكنا نحضر الفيلم مرتين في الترسو بدلا من مرة واحدة في الدرجة التي تليها .. ولا أخفى عليكم " مَحْلاها المشاهدة وبين ايديك نصف رغيف مُنْبَــــــار" .

في كل حفلة سينما كان يُعرض لنا فيلمين .. فيلم عربي متكرر باستمرار .. وفيلم أمريكي كان متجددا باستمرار. كنا ننفعل مع الفيلم العربي .. مرة نضحك , ومرة نبكي, ومرة نتحسر علي البطل وهو حبيس القفص ويُحاكم أمام القاضي , وكان منظر البطلة أو البطل وهو واقف بين المتهمين الاخرين فيه نوع من التعاطف لها أو له , لأننا واثقون أنه لم يقترف ذنبا .. لكن كنا ننتظر لحظة النطق بالحكم لكي ينتهي الفيلم بسرعة و نصل إلي لحظة وقوف البطل والبطلة علي باب المحكمة وورائهم شباب الحارة وكبارها وستاتها بالزغاريد , وموكب الحنطور الذي يحمل البطل والبطلة حتي تظهر فجأة كلمة النهاية عندما يميل البطل لكي يطبع قبلة علي البطلة، ولم نري إلا خلفية الحنطور برقمها ... كان هذا المشهد قمة الإغراء بالنسبة لنا في هذا الوقت فطيلة وقت عرض الفيلم إما نائمين أو نتحادث حول الفيلم الإمريكي الذي سوف يُعرض .

يأتي ميعاد عرض الفيلم الإمريكي .. لا نضحك ولا نبكي .. كانت كل انفعلاتنا تتفاعل مع أصوات أرجل حوافر الخيل, أو ترتفع اصواتنا مع طلقات الرصاص " طَـخ .. طِـخ .. طـُخ " .. ثم يأتي مشهد الشريف وهو يقبض علي الرجل الشرير, ويأخذه إلى محبس نقطة البوليس .. ثم ياتي ميعاد المحاكمة لكي نشاهد الشرير الذي " دوخ القرية وقتل منها يا ما " , جالس بجانب محاميه " رأسه برأسه " .. وتدور اجراءات المحاكمة واحنا طبعا ولا فاهمين إيه اللي بيحصل .. لأننا نجهل اللغة كما أن الترجمة المطبوعة علي الفيلم لم تكن بعد أخذت في التقدم .. فكنا يادوب نقرأ اول كلمة نجد ترجمة المشهد الذي يليه وصل .. المهم عندما كنا نشاهد البطل يحضن حبيبته ويطبع قبلة طويلة علي جبهتها , نبدا في الصفير والآهات وكلمات التوجع والتمني .. وفي كثير من الأفلام الذي يحوي مثل هذه المشاهد كانت للكبار فقط .. " سبحان الله " ييجوا يشوفوا افلام اليومين دوله... التي اصبحت للصغار فقط.

شاهدتُ قفص الرئيس المخلوع هو وشركائه في الأحداث التي تلت الثورة , وإتهامهم بتهم ربما تؤدي للإعدام , والله أعلم .. قارنت بين فكرة القفص في الفيلم الأمريكي , والقفص الموجود في الفيلم العربي .. وبما ان السينما تسجل دائما الواقع الحالي اثناء تصوير الفيلم أو تنقل ماكان يجري في اوقات سالفة عند تصوير اي فيلم يحكي عن زمن غابر او تاريخي .. نجد ان جلوس المتهم بجانب وكيله المحامي أمر يحفظ قيمة الإنسان , ويدل علي رقي البيئة التي تحيط بهذه الشعوب والتي تطبق هذا المبدأ عند محاكمة متهم , من منطلق " المتهم بريء حتي تثبت إدانته " .
كنت شاهدت منذ سنوات فيلما تسجيليًا عن محاكمات
"نورن بيرج" لمجرمي الحرب العالمية الثانية في التليفزيون , واندهشت جدًا من جلوس المتهمين , لابسين أجمل وأشيك البدل وكأنهم قادمين من منازلهم ليحضروا إجتماع هام, ويقف الحراس كساتر حديدي من خلفهم آخذين الأمر بكل جدية وإهتمام , وكل حارس واضع نصب اعينه علي من وُكل إليه حراسته , بدون التدخل معه أو الإحتكاك به أو حتي السلامات والتحيات . بعكس ما نراه هنا في محاكمنا .. نري علامات الإزدراء والتحقير والإهانات علي المتهم , ليس لأنه متهم بل لأنه وقف في داخل قفص الإتهام .. وفي حالات كثيرة وبعد كل هذه الإزدراءات يُحكم له بالبراءة .. لكن حتي النطق بالبراءة لآ يكفي ولا يكافيء وقفة المهانة في هذا القفص الذي يمثل علامة سوداء في حياة كل من يدخله , كان مجرمًا أو بريئًا.

والغريب إننا نجد أن جميع الشعوب أحست بهذا الأمر المهين منذ آلاف السنوات .. ونحن ما زلنا نتمسك بها , وكأننا نرفض التقدم والتحضر .. فأنا من رأيي وجود هذا القفص اللعين هو علامة علي تأخر البلاد فكريا ودينيا وإجتماعيا .. فقد شاهدت في نفس هذا الفيلم التسجيلي , بعض المحاكمات لأمراء ووزراء وأعضاء شيوخ من العهد الروماني , يضعون المتهم في مكان عال وحواليه 2 عسكر للحراسة .. ويجلس المحامي اسفله في مستوي القضاة . ربما تعمدهم لجلوس المتهم في مكان عال هو نوع من الإذلال لإظهاره أمام الجمهور المحتشد خارج حلقة المحاكمة أو التشهير به .. لكن في تصوري هو أهون بكثير أن يُوضع في قفص من الحديد مُبطن بشبك حديد " بقلاوة " يظهر بداخله كحيوان كاسر أو كقرد يلقون إليه بعضا من الفول السوداني.

وعندما تتبعت لماذا يصعب علينا إبطال القفص وإبداله بالجلوس بجانب المحامين .. لم أجد إلا جوابا واحدا .. هو اننا كشعب لم نتخلص من عنصر التشفي , والتي جاءت في الأديان برفضها تماما .. كما أننا مازلنا تحت تراث التخلف الفكري .. وسوف ندوم في هذا الفكر لمئات من السنين القادمة .. ربما تكون ثورة 25 يناير هي أول حجر لتحريك هذه البركة الساكنة آلاف السنوات ولم يحركها أحدا .. حاولت أعرف بداية وجود القفص الحديدي في المحاكم المصرية .. أخذت ابحث عن مصدر إنشائها لكنني فشلت .. لم أجد لها اصل أو جذور .. اتمني من له اي معلومة فليكتبها لنا ... فمشهد القفص جعلني أسأل نفسي : أيهما يترك الآخر " نحن أن التخلف" ؟؟؟

أخيرًا أين الهيئات الحقوقية التي تنادي بحقوق المتهمين والمسجونين ؟.. اليس حان الوقت أن نتخلص من هذا العار الذي يلازمنا حتي في دار العدل.؟ ...!
ملحوظة : كل المتهمين الذين في الصورة وهم بهذه الملابس الشيك أمام المحكمة " لا بدل بيضا ولا بدل زرقا ولا حتي حمرا" تم إعدامهم فيما عدا واحد براءة , ومن ضمن الذين تم إعدامهم , إتضح في ما بعد أنه بريء ....!!!!!!!




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :