فى مثل هذا اليوم. . مصطفى النحاس الرجل الثاني المظلوم حيًا وميتًا
سامح جميل
١٥:
١٠
ص +02:00 EET
الثلاثاء ١٣ نوفمبر ٢٠١٨
فى مثل هذا اليوم نوفمبر 1918م.
مئوية الوفد المصرى
سامح جميل
لم يكن مصطفى النحاس مجرد زعيم سياسى، ورغم أنه رجل شعبى أحس وشعر بما يعانى منه المصريون من ظلم وقهر، ظُلم حيًا وميتًا، وتكالبت عليه كل القوى وظل صامدًا ومتماسكًا.
وفى هذا التقرير، نكشف جزءًا من حياة مصطفى النحاس «الثورى»، القاضى الذى حمل المنشورات داخل ملابسه لكى تصل إلى طنطا، والمُحرّض الذى قاد لجان الطلاب عندما كان وكيلًا لنادى طلاب المدارس العليا. ففى مؤلفه «مصطفى النحاس.. دراسة فى الزعامة السياسية»، يقول الدكتور علاء الحديدى، إن «النحاس» لعب دورًا مهمًا فى ثورة 1919، وقد اختلفت الروايات حول ذلك الدور، فهو كان وكيلًا لنادى المدارس العليا الذى لعب دورًا رئيسيًا فى تحريك وتحريض الطلبة قبل الثورة، والذى كان إحدى أدوات الحزب الوطنى المهمة خلالها، وهو ما يتفق مع مبادئ النحاس فى ذلك الوقت، بجانب أن الطلبة كفئة اجتماعية كانت تشعر بالظلم الذى ينتظرها مثلها مثل بقية المهنيين، خاصة المحامين، حيث أضحى مصير الطلبة مثل مصير الخريجين أو كما يقولون «هم السابقون ونحن اللاحقون»، وخير تعبير عن ذلك الشعور هو اعتراف أحد الفدائيين المتهمين باغتيال موظف بريطانى يعمل فى خدمة الحكومة المصرية، بأن ما دفعه إلى ذلك الفعل هو الرغبة فى إفساح الطريق أمام الشباب للالتحاق بالوظائف الحكومية، لذا نرى أن الطلبة كانوا يشكلون واحدة من أهم القوى الضاربة فى الحركة الوطنية بعد المحامين، وقد ذكرت إحدى الدراسات أن «النحاس» قد نجح فى تحويل الطلبة من مجرد قوى ضاغطة إلى جعلهم إحدى الأدوات الرئيسية للوفد.
وقد سُئل الكاتب إبراهيم فرج باشا عن اشتراك النحاس فى تنظيم الطلبة فى ثورة 1919، فأكد ذلك، وهو ما يتفق مع كونه وكيلًا لنادى المدارس العليا، ولكن دور «النحاس» لم يقتصر على ذلك، بل امتد إلى الاشتراك فى تنظيم إضرابى المحامين والموظفين، وهو ما يتفق أيضًا مع مهنته فى كلتا الحالتين، سواء حين كان محاميًا أو وضعه فى ذلك الوقت كقاضٍ، حيث اتفق على أن يرفض المحامون القضايا المناطة بهم، وعلى أن يدخل فى كل قضية أحد الزملاء المحامين إلى قاعة المحكمة ليطلب التأجيل إلى حين أن يجد العملاء محامين آخرين، وأمّا عن دوره فى إضراب الموظفين، فقد كان هو الوسيط بين لجنة الموظفين فى القاهرة والمحامين من جانب، ولجنة الموظفين فى القاهرة وطنطا من جانب آخر، حيث كان يعمل قاضيًا، فكان عليه السفر بين (القاهرة وطنطا) حاملًا المنشورات داخل ملابسه حتى يتم توزيعها بين أفراد الشعب، وكان معه من لجنة المحامين بطنطا «عبدالسلام فهمى جمعة ومحمد نجيب الغرابلى» اللذان أصبحا من قيادات الوفد بعد ذلك، وقد وصف شاهد عيان «النحاس» فى ذلك الوقت بأنه كان متحمسًا للغاية، ينظر للأمر على أنه تحدٍ ويرحب به، لا على أنه مواجهة يجب تفاديها، وقد استغل سعد زغلول اسم «النحاس» كرمز يعنى به ارتفاع الروح المعنوية بمصر فى أثناء نفيه للمرّة الثانية، بسبب ما عرف من حماسته فى الثورة، وقد فُصل من منصبه كقاضٍ فى طنطا، نتيجة لنشاطه هذا، لكنه أصبح سكرتيرًا عامًا للوفد.
ونجح حزب الوفد فى الاستئثار بتأييد أغلبية الشعب المصرى فيما يشبه الإجماع، وقد كان ذلك من أهدافه الرئيسية ويساعد على ذلك كفاءة قيادته المتمثلة فى سعد زغلول وتوافر ظروف تاريخية بعينها، كغياب قيادة منافسة، مثل مصطفى كامل أو محمد فريد، وكان يسعى إلى ضم جميع المصريين فى حركته، حتى يصبح كل من ليس فى الحركة التى تؤيده كأنه خارج الحركة الوطنية المصرية، ما يعنى تأميم الحركة الوطنية المصرية لحسابه، وكان الهدف من ذلك هو شل يد الإنجليز عن استخدام الموظفين المصريين فى الحكومة المصرية كأداة مساعدة لبريطانيا فى السيطرة على شؤون البلاد وتسييرها تسييرًا لا مشكلات فيه، وبذلك يفقدون السيطرة على مصر من خلال فقدانهم لأهم أدوات حكمهم بجانب الجيش البريطانى، فكما نعرف أن إنجلترا لم تحكم مصر حكمًا مباشرًا؛ بل حين دخلت جيوشها على إثر هزيمة عرابى، كان لمصر حكومة وجهاز بيروقراطى كامل، ولم يكن الإنجليز بحاجة إلى ابتداع جهاز جديد، وإنما كانوا بحاجة لمجرد السيطرة على الوظائف العليا منه والتى خصصت لهم، والعمل على ربط شريحة أخرى من الموظفين المصريين الكبار بهم، حتى تتم لهم إدارة شؤون البلاد بأقل قدر ممكن من التكاليف.!!
الكلمات المتعلقة