من داخل دير "أسيوط".. كيف أخفت السيول قبطيًا ووصلت الجبل بالنيل؟
أخبار مصرية | مصراوى
السبت ١٧ نوفمبر ٢٠١٨
على مدق ضيق، طيني، يتوسط الجبل الشرقي بقرية بني شقير ونهر النيل بأسيوط، وقف قمص أمام بوابة دير الأمير تادرس الشطبي، عيونه ذابلة، ولباسه الأسود مُحمل بالأتربة، على أمتار منه، توزع رجال الحماية المدنية والشرطة، يُتابعون نزح المياه التي أسهلها الجبل في حضن الدير، وإلى جانبهم متألمًا ينتظر رفعت أخبارًا عن ولده مينا، أو عن جثمانه الذي ضاع بسقوط السور بين الجبل والنهر.
عصر الأربعاء الماضي، ضربت سيول وأمطار غزيرة، قرى محافظة أسيوط، مما أدى إلى سقوط سور دير الأمير تادرس الشطبي بقرية بنى شقير التابع لإيبارشية منفلوط في أسيوط، وفقدان أحد خدام الدير داخل مياه النيل.
داخل صحن الدير، كانت الأمور مُعتادة في يوم أربعاء، الصلوات تُتلى في موعدها، وكل خادم يقوم بدوره الموكل، إلى أن باتت الأمطار غزيرة وضربت السيول الدير القبطي، فما كان من مينا رفعت وزميل آخر إلا محاولة الدفاع عنه ضد الغرق، كما يحكي الجمع الواقف بالأمير تادرس؛ خادمي الدير ورجال الحماية المدنية ووالد الشاب المفقود.
قبل أن تقع الحادثة، كانت المياة تتدفق بغزارة من أعلى الجبل الشرقي إلى صحن الكنيسة، وارتفعت عن سطح الأرض لأكثر من متر ونصف، أغرقت غرف الصلاة، جرى مينا ومعه صديقه حاملين أدوات طرق ثقيلة، يضربوا بها في السور القبطي، ليفتحوا مكانًا تخرج منه المياه، لكن شدة اندفاعها كان أقوى من أمنياتهما، غلبت الكثرة قدرتهما الشجاعة.
نجحت المياه في اختراق سور الكنيسة الذي يقابل النيل، هدمته بشكل شبه كامل، وجرفت معها الخادمين، الذين عاما وسط المياه، حاولا ألّا ينزلقا نحو النيل، نجح أحدهم في العوم، صعد فوق أفرع شجرة، فيما فشل الآخر، اختفى وسط المياه، وما تزال- حتى كتابة هذه السطور- عمليات البحث مستمرة، من قبل 8 غطاسين كلفتهم قوات الحماية المدنية.
وصل إلى إدارة الحماية المدنية بلاغًا عن الحادثة في الثانية والنصف عصر الأربعاء، حسبما يقول العميد أحمد حجازي، مدير إدارة الحماية المدنية بأسيوط، الذي يستكمل الحديث لمصراوي عن تحرك عربتا إنقاذ في يومها، إحداهما نهري والأخرى بحري، ليجدوا شخصًا مفقودًا، ومياه تغزو مساحة 155 مترًا من الكنيسة، فبدأت عملية تفريغ المياه عن طريق ماكينة، تشفطها من غرف الدير إلى مياه النيل، عبر ممر مائي صنعوه في غياب سوره.
أمس الجمعة، كانت ما تزال عمليات جرف المياه إلى النهر مستمرة، بين حينٍ وآخر يعبّر بعض من خدام الكنيسة عن غضبهم، يعتقد أحدهم أن المدة طالت، فيما يدافع أحد ضباط الحماية المدنية المكلفين بإزالة بقايا الحادث عن وسيلتهم في ذلك، يصف استخدام معدة نزح المياه من داخل قاعة الكنيسة إلى صحنها، ومنه إلى النيل، بالأنجح، بينما يبكي والد مينا بين وقتٍ وآخر، يرتفع صوته، ويسأل عن مصير ابنه، جثمانه، فيما يحاول الواقفون تهدئته، بينما يزال الأمل في العثور عن جثمانه حاضرًا، والرغبة في عودة حياة الرهبنة إلى الدير مستمرة.