بقلم :كابي يوسف
  في عمق الآلام، وأنت تشعر بمرارة الدنيا وقسوتها. بإساءة القريب أو من تظنه كذلك. في عمق وجعك. اندهاشك مما قد يصل إليه الإنسان من ظلمة ونكران، بل وتجاوز لكل الذكريات والقيم والأعراف الجميلة. وفي لحظات صفاء وصدق مع النفس تمر أمام ناظريك صورة المعلم واقفاً على قمة الجبل ليعظ الشعب قائلاً: صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم. فتتساءل: لكن يا سيد: هل الأمر ممكن؟ فيجيبك: نعم، إن أردت ذلك. وتعاود السؤال: ومن يشفي جروحنا يا معلم؟ فتشعر بلمسة حانية تضمك، وصوت دافئ يهمس في قلبك: أنسيت صليبي، لقد تعرضتُ للإهانة، وجُرحت واعرف وجعك لأني اختبرته قبلك، لذلك اقدر أن أضمده واشفيه. فقط اتكل عليٌ.إنها دعوة مني لراحتك، لتحريرك من كل نير. صلٍ لكل الناس وخاصة من يسيء إليك. اطلب أن يحل نور الرب في حياتهم وحياتك.أن يدخل الروح القدس إلى قلبهم، ويسكن فيه. صلٍ لهم لعلهم يمرون في ضيقة أو تعرضوا لمصيبة. لعل الدنيا غدرت بهم، أم قريب تخلى عنهم فغضبوا. أو أخ أساء إليهم فانزعجوا واضطربوا. صلٍ لأجلهم فقد يكونوا مجروحين كحالك اليوم، وقد تكون أنت سبب جرحهم. هم يحتاجون لتعزية، لحنو وإكرام.

 

يلزمهم أن يشعروا بمكانتهم ووجودهم، وقد يكون اختاروا الطريق الخطأ ليحققوا ذلك. صلٍ لأجلهم لأنهم بشر مثلك، أخوة لك بالرب. يسوع صُلب لأجلك ولأجلهم، افتداهم كما افتداك ودفع الثمن من دمه الثمين. صلٍ لهم ولنفسك لأنكم بشر تحت الضعفات والأنات. صلٍ لمن يسيء إليك لكي تتجنب مرارة ردة فعلك السيئة، وتطور مشاعر قلبك نحو الحقد، وتفاعل أفكارك نحو الغضب والرغبة بالانتقام. وهنا تذكر أنه مهما سمعت من كلام مغرض عنك أو حاول الآخر تشويه سمعتك بطرق مختلفة لكن إياك والانتقام. فلي النقمة أنا أجازي يقول الرب. ثم أن أهلك وتجارب الحياة علموك أن الدنيا لا تستاهل الحزن والخصومات التي تسبب المرض والكآبة والهم، وتسلبك سلامك الداخلي الذي لا يغنيك عنه كل تحديات وخصومات وانتقام الأرض. ثم أن المحبة تحتمل كل شيء، وتصبر على كل شيء أم أن تعاليم الإنجيل لا نستطيع أن نعيشها، بل فقط نسمعها ونرددها. لذلك إن رغبت بالبنوة لله وحياة الشركة معه تعلم أن تحب مهما كانت الصعوبات والضيقات. تدرب أن تخرج من أنانيتك ولا تسعى للثأر لنفسك فالسيد قد سيق إلى الذبح ولم يفتح فاه. فمن أنت أمام سيدك الذي شُتم ولم يتكلم، اُهين ولم يقاوم بل صلى لصالبيه: اغفر لهم يا أبتاه.

 

لكن حذار في صلاتك من الرياء، بل اجعلها صافية نابعة من القلب العامر بحب الله. حذار فالصلاة ليست ترداد للكلام الباطل بل اتحاد بالله من خلال حوار عميق وجميل وصادق. إذاً ادخل إلى مخدعك واغلق باب التعصب والكره. الغضب وروح النقمة ولا تشغل بالك بالخطوة الثانية أو الثالثة. بردة فعل من أساء إليك، أو رد فعل الآخرين. ولا تقل يستحقون أو لا يستحقون. فقط انحنِ بهدوء واسكب نفسك في حضرة إلهك الحي العظيم ليلمسك لمسة حب وشفاء، واسجد خاشعاً واصرخ من الأعماق متجاوزاً كل حزن، طارداً كل غصة ووجع. فالصلاة تعلمك أن تنال الرضى والقبول في عيني الرب لا الناس. صلٍ للمسيئين وثق أن راحتك وسعادتك وخلاصك عند صديقك الوحيد يسوع المسيح الذي لا يعرف تغيير ولا ظل دوران. صلٍ للمسيئين إليك ليباركهم الرب ويزيد من غلاتهم وغلالهم. صلٍ لأنه لا يوقدون سراجاً ويضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء للجميع. وقل بثقة: يا أبانا الذي في السموات لا تدخلنا في تجربة بل اغفر لنا ذنوبنا وخطايانا كما نحن نغفر لمن يسيئون إلين