بقلم الدكتور رؤوف هندي
شعرت بالدهشة وأنا أتابع فرحة من تم استطلاع رأيهم من علماء الأزهر باعتراف الأمم المتحدة بتجريم ازدراء الأديان ومطالبتها بتشريعات لمنع هذه الأمور، وظللت أقرأ التعليقات وأنا أضرب كفاً بكف، فمن الواضح أنهم فهموا أن الأديان تعنى الإسلام فقط وليس أى دين أو معتقد آخر وتخيلت لو أن الصحافة المصرية غداً نشرت مقال لكاتب ذكر فيه أن الإسلام دين وضعى، وأن المسيحية آخر الأديان وكان الكاتب بالطبع مسيحيا، فوراً ستنقلب الدنيا ويطالب الجميع بحبسه لإساءته للدين وازدرائه له، فى حين أنه سيقول إنه لا يزدرى الإسلام، ولكن يذكر حقيقة يعلمها منذ ميلاده بحكم ديانته وغدا لو أتى كاتب وصف الإنجيل المقدس بأنه (مُحرّف) فرفع محام ما ضده دعوى لازدرائه المسيحية فسيقول الشخص ببراءة إنه مسلم والإسلام يقول بإن الإنجيل محرف،وبالتالى ليس مزدرياً للمسيحية وإنما يقول ما يعلم فقط ! المشكلة عندى الآن ليست بخصوص واقع الأمر أن فى كل دين رؤية لاحتكار الحقيقة، وبالطبع لا توجد الحقيقة الكاملة فى باقى الأديان ولو عبر أحد عن هذا الأمر لتصوره الآخرون من الأديان الأخرى ازدراء وطالبوا بعقابه!. في إحدي المنتديات التي كنتُ مدعوا لها قابلتُ المسئول الكبير صدفة في القاعة فتبادلنا التحية والسلام ثم سألني عن ماوصلت له القضية البهائية من مسارات وتطور بصفتي كنث المدعي القانوني في القضية ثم فجأة قال لي وهل البهائية دين سماوي !؟ فعلي الفور قلتُ له وهل دينك أنت دين سماوي ؟ فاندهش جدا لردي المفاجيْ والجريء ثم قلتُ له وماهي مسوغات تعيين الدين السماوي؟ ولو هناك معايير ثابته لمصطلح سماوي دي فلماذا لايعترف بدينك كل سكان الكوكب الأرضي بل العكس لديهم فوبيا منه !؟ فنظر لي بحيرة واستغراب مع تغير في نبرة صوته وكأنه حكم مباراة يرفع وبحسم في وجهي الكارت الاحمر قائلا (بس ده ازدراء اديان يادكتور) ومن هنا استوحيت عنوان مقالي ! والذي لايعرفه صديقي المسئول أن مصطلح الاديان السماوية لايتردد إلا في بلاد الشرق فهو مصطلح مثير للجدل ويسبب مشاكل حتى بين الديانات الثلاث التي ورد ذكرها في الدستور المصري فاأهلها الذين لايمثلون غير 49 في المئه من ديانات العالم لايعترفون ببعضهم البعض ! لذلك وتجنبا للمشاكل القانونية والحقوقية التي تحترم حرية العقيدة استخدمت الامم المتحدة في كل مؤتمرات حوار التعايش مصطلح ( الاديان العالمية والحضارات الروحية) نسبة لاكثرية تابعيها وانتشارها وليس بسبب قيمتها
إلإنسانية وهي تسعة أديان عالمية
الكونفوشسية
الزرادشتية
الهندوسية
اليهودية
المسيحية الشرقية الارثذوكسية والكنيسة الأنجيلية
الكاثوليتك
الإسلام السني ويمثله مؤسسة الازهر
الشيعة ويمثله المجلس العالمي للشيعة
البهائية
ويمثله مكتب الجامعة البهائية العالمية بالأمم المتحدة وقد تعرضتُ أنا شخصيا لتهديد قانون إزدراء الاديان مرتين مرةً اثناء سير القضية البهائية في محاكم القضاء الإداري ومرة اخري بعد كتابتي لمقالي (القتل بإسم الإله) والذي نال نجاحا كبيرا وأعيد نشره عدة مرات على مدار السنوات الماضية وقد تدخلت شخصيات عديدة صديقة لعالجة وتسوية الموضوع دون استدعاء من النائب العام والذيأرغب فى معرفته.. ما معنى ازدراء الأديان أصلاً، وكيف سنعبر عنه ونميزه من بين الآراء الدينية فى كل دين من محتكر الحقيقة ؟، فاليهودية لا نعترف مثلا بالإسلام ولا المسيحية والمسيحية تنتقص من حقيقة اليهودية بوجودها ولا تعترف بصدق الإسلام كدين سماوى والإسلام لا يعترف بكمال مصداقية المسيحية واليهودية ويتحدث بتحريف كتبهم المقدسة و.... إلخ من الاختلافات بين كل أديان الأرض.. وسؤال آخر لو أتى بهائى لرفعْ قضيه ضد أحد وصف دينه بالفاسد والبدعة والضلال هل يحكم له مع العلم بأن الوصف يندرج تحت وصف الأزدراء والذي يُعرّف في مواثيق الامم المتحدة بأنه عدم إظهار تقدير أو احترام لمعتقدات الآخر بينما في الشرق ولاسيما في البلدان العربية الإسلامية يتشعب التعريف والمفهوم وتُصدر قوانين تعاقب بتهمة ازدراء الاديان لإدانة أشخاص يختلفون مع الأغلبية أو اشخاص منشقين عن طائفة معينة أو دين معين حتى ان التهمة جاهزة لمن يدلي بفكر أو رأي في قـضية ما وهنا مكمن الخطورة حتى بات هذا القانـون وكانه سيف مسلط على رقاب اصحاب الفكر والرؤى والرأي أو حتي التجديد بل وامتدت تهمة جـريمة ازدراء الاديان لتشمل كل روافد الإبداع القصصي والفني والإعلامي وفي حين نرى بلدانا تنشط وتطبق قوانين ازدراء الاديان على أشخاص ورموز عامة كثيرة نرى بلدانا اخري في شتى أنحاء العالم تمنح اللجوء والآمان والحماية لأشخاص وجهت لهم تلك التهمة الخطيرة في بلدانهم وتعتبر البلدان التي تتبنى دينا رسميا في دساتيرها مع ان الدولة شخصية اعتبارية لادين لها فنجد تلك الأنظمة هي اكثر المستغلين لقانون ازدراء الأديان بكل قـسوته وقهـره بل وتطبيقه على معايير المزاج والرغبة وهنا مكمن الخطورة وتتبنى بعض دول الوطن العربي مثل مصر والسعودية والسودان وجود ذلك القانون في دستورها فمثلاالمادة 98 من قانون العقوبات المصري تحدّد عقوبة السجن مدة تراوح بين 6 أشهر و5 أعوام وغرامة تراوح بين 70 و140 دولاراً لكل “من استغل الدين في الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقيرأو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية". في تركيبته المطاطية، يتيح هذا النص لأي شخص أن يستهدف أي صاحب رأي ببلاغات ودعاوى كيدية، متهماً إياه بازدراء أو تحقيرأو إهانة الدين، فهولايضع مفاهيم واضحة للمصطلحات التي يذكرها، مثل "ازدراء وتحقير الدين” أو “ الإضرار بالوحدة الوطنية”، الأمر الذي قد يتيح إمكانية تفسيرها بما تقتضيه المصلحة وزفة حشد الأغلبية لدين ما مثلا بينما حين تهان وتحتقر وتتعرض للإيذاء بقية اهل الاديان الأخري نري الصمت الكبير بل المبررات الشرعية أحيانا تحت مظلة مصطلح الاديان السماوية في حين عرفت المواثيق الدولية التي وافقت عليها مصر بأن إزدراء الاديان يشمل كل اصحاب دين ومعتقد فلا يوجد في المواثيق الدولية مصطلح سماوي أبدا وكما قال الدكتور بطرس غالي الامين العام الأسبق لهيئة الامم المتحدة وهو قامة قانونية وسياسية عالمية قال ان هذا المصطلح في مخيلة اهل الشرق فقط ولكن في الامم المتحدة والمواثيق الدولية يستخدم فقط مصطلح (الأديان العالمية والحضارات الروحية ) ويبقى تساؤل هام هل قانون إزدراء الاديان بصورته الحالية وبطرق تطبيقه واستغلاله يتماشي مع مواد حرية العـقيدة والفكر في الدستور المصري؟ وهل يتماشى قانون إزدراء الاديان المصري مع ما وصلت له المواثيق والعهود الدولية من تبيين ووجوب تطبيق ؟ وهل يـتماشى مع ماوصلت إليه المحكمة الدستورة العليا في مصر من تفسير لحرية العـقيدة والفكر ؟ قانون إزدراء الاديان حاليا هو سيف مسلط على الرقاب لكل صاحب فكر ورؤية من اصحاب الديانات والمعتقدات من غير دين الأغلبية الذين دوما يستقون بزفة الحشد وبات من الميسر لكل صاحب صوت عالي ان يهدد كل مُـفكر ومبدع وصاحب رأي بالسجن بل وباتت بعض الأقليات الدينية وهم مواطنون مصريون ايضا في مرمى الخطروالتهديد والقهر فإلى متى يظل هذا الوضع
وفي الوقت الذي تلعب قوانين تجريم ازدراء الأديان عربياً دور "عصا السلطة" ضد أصحاب الآراء والمعتقدات التي لا تناسبها، نجدها في بعض الدول الأجنبية تلعب دور"صون المشاعرالدينيةمن لشعور بالإهانة، وحماية حريتَيْ العقيدة والتعبُد، والحفاظ على السلام المجتمعي". فدول مثل الهند،، اليونان، جنوب أفريقيا، إسبانيا، سويسرا وغيرها تجرّم بشكل مباشر وصريح الإساءة للأديان، ولكن من منطلق مراعاة مشاعر أهل كل دين وحمايتهم من التحريض على الكراهية أو ممارسة العنصرية. ودول مثل كندا، البرازيل، فنلندا، الدنمارك، فرنسا وغيرها تعاقب بالحبس كل من يرتكب فعل التصريح بخطاب فيه تحريض على كراهية شخص أو أكثر بسبب لونه أو دينه أو عرقه أو انتمائه في إطار من احترام التعدد الفكري والعقائدي لكل المنظومة لافـرق بين أغـلبية وأقـلية وهذا ماقصده قانون إزدراء الاديان الذي دعت له الامم المتحدة وهو عـدم إهانة معتـقدات وأديان الآخر المختلـف عنك . وعليه فقد
دعى العديد من الشخصيات العربية المرموقة من مختلف الأصعدة إلى تعديل قوانين تجريم ازدراء الأديان العربية بحيث تصون حرية التعبيرعن الرأي أوالعقيدة أو الفكر، أو توجيه النقد أو الملاحظات إلى الأديان وما يتعلق بها من عقائد وشرائع وممارسات، إذ أن الحق في النقد لا يتعارض مع احترام الأديان والمقدسات في شيء. وكذلك لا بدّ أن يتم استبعاد أي نقد لفصيل أو شخصية دينية من بند "ازدراء الأديان"، إذ لا يجوز تحصين كيان أو شخص من النقد لمجرد كونه يلعب دوراً دينياً. ودعت بعض الجهات إلى إلغاء عقوبة إزدراء الأديان في مصر، وهناك مطالبات للبرلمان المصري إلى إلغائها كونها تطارد كل المفكرين والفنانين وأصحاب الرأي في مصر ولكن هذا في رأيي لن يتم وليس بالسهل حدوثه في ظل نظرة الإستعلاء ضد الأقليات وعدم إدراكنا لقيمة التنوع والتعدد الذي خلق عليه الكون فالتعايش بين المعتقدات بات ضرورة قانونية وإنسانية وعلينا إدراك أننا لانعيش في هذا الكون منفردين بل العكس علي اهل اديان الشرق(اليهودية والمسيحية والإسلام ) انا يدركوا انهم لايمثلون غير 48 في المئة من اهل اديان العالم وحين ينص دستور ما على الأعتراف فقط بثلاثة اديان فهذه كارثة لانها تعني ببساطة انم في حالة خصام وتنافر وعدم اعتراف بمعتقدات وأفكار اكثر من نصف سكان العالم وهذه ظاهرة خطيرة على كل الأصعدة علينا ان نراجع مفاهيمنا فالعالم قد تغير ومفردات لغته قد تغيرت ايضا فنحن في زمن جديد يحتاج منا ان نتعايش بمحبة في ظل احترام الآخر المختلف عنك