الأقباط متحدون | بين "ريتشارد نيكسون" و"حسني مبارك"
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١١:٣٠ | الأحد ١٤ اغسطس ٢٠١١ | ٨مسرى ١٧٢٧ ش | العدد ٢٤٨٥ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

بين "ريتشارد نيكسون" و"حسني مبارك"

الأحد ١٤ اغسطس ٢٠١١ - ٢٠: ١١ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم: د. صبري فوزي جوهرة
قرأت مؤخرًا نبأ يفيد بأن السيد "حسني مبارك" قد أغدق ببعض "نصائحه" في السياسة على عدد من زائريه، وأعتقد- والحمد لله- أنهم لم يكونوا بالكثيرين. أدت هذه الزيارة وتلك النصائح- إن صح ما قيل ونشر عنها- إلى استرجاع ذاكرتي إلى عام 1974 عندما لم يجد الرئيس الأمريكي "ريتشارد نيكسون" مفرًا سوى الاستقالة من منصبه عندما اُكتشفت محاولته للتغطية على فعل غير قانوني ارتكبه بعض مساعديه؛ قاموا بالسطو والتنصت على مقر الحزب الديموقراطي بالعاصمة الأمريكية..

 

كان الحزب الديموقراطي هو الحزب المعارض والمنافس في انتخابات الرئاسة لعام 1972. لم يأمر "نيكسون" أحدًا بارتكاب هذه الجريمة، حيث أنه لم يكن في واقع الأمر بحاجة إلى مثلها، بل أنها نُفِّذت دون علمه كما أثبتت التحقيقات فيما بعد. كان فوزه على منافسه الديموقراطي "هيوبرت همفري" أمر مسلَّم به بإجماع المتخصصين والمواطنين الأمريكيين عامة، وذلك للتقدُّم المبهر الذي أحرزه في مجال السياسة الخارجية، باستخراج "الولايات المتحدة" من مستنقع حرب "فيتنام"، ولنجاحه في إقامة علاقات لأول مرة مع "الصين الشعبية"، وتهدئة التوتر القائم بين "أمريكا" و"الاتحاد السوفيتي" السابق حينئذ.

 

كل هذه كانت إنجازات كفيلة بأن يدخل التاريخ كأحد أعظم الرؤساء الأمريكيين، إلا أنه تعثَّر في مسيرته وارتكب الخطيئة الكبرى التي كادت تؤدي لمحاكمته بواسطة مجلس الشيوخ وإدانته وخلعه المحتم من منصبه، حيث أنه عمل على تغطية هذا العمل غير القانوني، فبادر بالاستقالة منعًا للمحاكمة.

اختفى "نيكسون" بعد ذلك لأعوام قليلة، ولكنه، ولعظيم خبراته بالسياسة الخارجية، عاد بالتدريج إلى مجال الحياة العامة، مبديًا النصح للساسة، ومساهمًا بتأليف عدة كتب قيمة في مجال العلاقات الخارجية والاستراتيجية. اكتسب صورة رجل الدولة الحصيف المتقاعد، وشهد له بذلك الأعداء- وكان منهم الكثيرين- والأصدقاء.

 

تصريحات ريِّسنا المخلوع أوحت لي بأنها جاءت بقصد بدء طريق يخطط له بنفسه لإعادة "تأهيله" كرجل دولة. فالمعروف عن الرجل أنه لا يرى أن نهاية سنين حياته قد اقتربت، ولا شك أنه كان ينوي أن يبرك على أنفاسنا لفترة رئاسة أخرى، أو ما تيسَّر منها بما يسمح العمر الرذيل، ابتداءًا من سبتمبر 2011 أي بعد عدة أسابيع، إذ تبيَّن له أن محاولات توريث اسم الله عليه البيه الصغير لن تمر. إلا أن رحمة الله بشعبه الغلبان أحبطت هذين الشرين العظيمين.

 

هناك تشابهات وتناقضات بين "نيكسون" و"مبارك"؛ يوصف حكم "نيكسون" بـ"الإمبراطوري" إشارة إلى نزعته الديكتاتورية ومحاولاته الوسواسية للتخلص ممن اعتقد أنهم أعدائه. كذلك لم يكن يتمتع بـ"الكاريزما"، وكان قد التحق بالبحرية الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية. وهو إن لم يمكث على كرسي الرئاسة سوى ما يقل عن ستة أعوام، إلا أنه اكتسب العديد من الخبرات من مواقعه المختلفة كعضو في مجلس الشيوخ ثم كنائب للرئيس "دوايت أيزنهاور" لفترتي الرئاسة المسموح بهما. ويُقال عنه أنه كان يعاني من الوسواس. ولا شك أنه أحاط نفسه برجال فاسدين انتهى بهم الأمر إلى استبعاده المهين من الرئاسة. كانت هذه هي أوجه التشابه بين ابن "كاليفورنيا" ووليد "كفر المصيلحة". وطبعًا كان في استطاعة "مبارك" تأليف المراجع كما فعل "نيكسون"، بس فى: "الاستعانة بحبيب في التخريب والترهيب والتهليب".

 

أما أوجه الاختلاف فهي عديدة.. لم تكن هناك قيود أو مسائلة تعوق أو تحد أو تلطِّف من وقع ونتائج سلطة "مبارك" المطلقة، وبالتالي تخفِّف من وقع الفساد الذي حقنه في كافة أجهزة البلاد وأنسجتها بلا عوائق على مدى سنين عديدة وإلى أن وقعت الفاس في الراس. وبينما فشل "نيكسون" في التستر على خطأ لم يحرِّض عليه أدَّى إلى سقوطه السريع، لجأ "مبارك" إلى استغلال مؤسسات الدولة بأكملها، من قوات أمن قمعية، وإعلام خبيث قميء مرتزق مضلل متملق متعبد، ومجلسين تشريعيين مزورين لإرادة الشعب كانا بؤرتان للفساد المجسم يعملان بما يريد وحسبما يشاء الطاغية، حتى الدين لم تحفظه حرمته من أن يكون معول هدم لكل ما تبقى لـ"مصر" من مظاهر الوحدة والتقدم والحضارة والعمل الحثيث تجاه هدف قومي حقيقي يشحذ الهمم للصعود (وليس "السعود") بها إلى مصاف الدول المتوسطة. بل أن العسكرية المصرية لم تفلت تمامًا من وقع شرور الدكتاتور. فيخيَّل لي، وأنا لست بواثق تمامًا من هذه الحقيقة، أنه كانت هناك منافسة مستترة بين قوات أمن الدولة المكلفة بحماية الطاغية ونظامه والقوات المسلحة. هذا بالإضافة إلى المعاملة الافضل التي كان يحظى بها "الحرس الجمهوري" داخل القوات المسلحة، علمًا- بالطبع- أن كل العسكر كانوا "منغنغين". ولا شك أن هذا هو ما يفسِّر السلوك الهوائي المتقلب المريب الذي نعاينه ونعاني منه الآن من سادة البلاد الجدد.

 

وعندما جاءت ساعة السقوط، خرج "نيكسون" من البيت الأبيض دون أن يفرض "خليفه" على الشعب، ولم يكن ليستطع ذلك لو أراد. فقد كانت هناك مؤسسات شامخة قائمة لم يعبث بها مجرم أو مغامر أو ساعٍ لنفع ذاتي، باشرت وراقبت انتقال السلطة بسلاسة وهدوء وسلام رغم وقع الحدث الرهيب الذي كان الأول من نوعه في تاريخ "الولايات المتحدة".

 

أما المصيبة التقيلة التي لحقت بأسماعنا، فهي عن تسرُّع "مبارك" بأن "يرسم نفسه"، ويتسربل برداء "رجل الدولة الحصيف" وهو مازال سجين رهن العدالة بعد ما خربها، وإن لم يستمر على تلها والحمد لله (لنتذكر هنا أن "نيكسون" لم يجرؤ على الظهور العام إلا بعد انقضاء عدة سنوات من استقالته). البلوى الأكبر ليست ما سبق، بل ما تفوّه به "حسني مبارك" من نصيحة ذهبية: ما معناه أن أفضل من يحكم "مصر" الآن هو رجل عسكرى "يلبس مدني"! شوفوا العبقرية! ألا يشير هذا القول القبيح إلى مدى احترام الرئيس السابق لشعبه؟ أليست هذه إهانة تعيد إلى الذكرى ما كان يتفوَّه به المحتلون وما يمارسه المستعمرون "بمسك العصاية للفلاحين"؟ ألا تفسر هذه المقولة عنجهية وسياسات رجل طغى على شعب "مصر" لما يقرب من ثلاثة عقود؟ أم أن الراجل "قصده شريف" وكل ما أراد الإشارة إليه هو تبرير اختياره العسكر ليحكموا "مصر" من بعده عوضًا عمن نص عليهم الدستور؟ أليس في هذا تجاهل فج واحتقار للدستور؟ أليس في هذا اعتراف ضمني قوي بفشله الذريع طوال سنوات حكمه البائسة في رعاية المؤسسات المدنية الشرعية للبلاد حتى تصبح من القدرة على تولي أمور البلاد عند اختفاء الريس اللي من غير نائب (وإن كان وراء الريس ده بالذات نايبة ثقيلة جابت دماغه آخر الأمر).

 

ثم إيه الموضة الجديدة دي: دولة مدنية بمرجعية دينية؟ وحاكم عسكري بملابس مدنية؟!! إيه الكلام الفارغ ده الذي يحوي تناقضه داخل ذاته؟! المرة الجاية حنسمع عن أيس كريم بالملوخية، ومهلبية بالتقلية، وقمر الدين بالمخلل. بتضحكوا على مين يا هبل؟

ارحم يا رب شعب "مصر" الذي باركته. بس بسرعة اعمل معروف..




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :