بيان المجمع المقدس و دير السلطان
د. مجدي شحاته
١٩:
١٢
م +02:00 EET
السبت ٢٤ نوفمبر ٢٠١٨
بقلم : د . مجدى شحاته
عادت لتتصدر الواجة من جديد ازمة " دير السلطان " الموجود فى الاراضى المقدسة بمدينة القدس . وهو الدير المتنازع على ملكيته بين الكنيسة القبطية الارثوذكسية والكنيسة الاثيوبية ، بالرغم من الحكم النهائى والعادل الذى أصدرته محكمة العدل العليا الاسرائيلية ، فى 16 مارس 1970 وهى أعلى سلطة قضائية فى اسرائيل ، وكان الحكم لصالح الكنيسة القبطية الارثوذكسية المصرية ، لما لديها من مستندات تثبت بالدليل القاطع لملكيتها وحيازتها للدير كوضع قانونى دائم فى الاراضى المقدسة ، ولكن الازمة مازالت قائمة و مستمرة ، حيث ترفض السلطات المعنية تنفيذ الحكم القضائى على أرض الواقع .
طفت أزمة الدير على واجهه الاحداث مرة اخرى، عندما تصدت قوات الامن الاسرائيلية للرهبان الاقباط المصريين العزل أثناء وقفة احتجاجية سلمية لهم منذ أسابيع ، اعتراضا على أعمال ترميم للدير، تقوم بها الحكومة الاسرائيلية بمعرفتها دون الرجوع للكنيسة القبطية صاحبة الدير، ودون موافقة دائرة الاوقاف بالمملكة الاردنية المسئولة عن أوقاف القدس وفقا لمعاهدة السلام الدولية ، فى خرق واضح وصريح لكافة الاعراف والمواثيق الدولية التى تحمى التراث الانسانى والحضارى والدينى فى العالم . وكانت الحكومة الاسرائيلية قد رفضت طلبا مسبقا من الكنيسة القبطية بالقيام ببعض الترميمات بنفسها وعلى نفقتها و تحت اشراف هيئة اليونيسكو ورفضت تواجد راهب اثناء الترميمات وذلك بعد حدوث تصدع فى سقف كنيسة الملاك ميخائبل داخل الدير فى منتصف شهر اكتوبر الماضى .
وكان المجمع المقدس للكنيسة القبطية الارثوذكسية ، برئاسة قداسة البابا تاوضروس الثانى بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ، قد أصدر بيانا تعقيبا على بيان آخر كانت الكنيسة الاثيوبية قد أصدرته فى 5 نوفمبر 2018 حول الدير المتنازع على ملكيته بين الكنيستين . ولما كانت الكنيسة القبطية الارثوذكسية كنيسة كتابية آبائية تتعامل مع القضايا الخلافية بروح المحبة والصلاة والسلام تطبيقا لقول الكتاب المقدس : " حد عن الشر وأصنع الخير ، اطلب السلام ، وجد فى أثره " ( مز 34 : 14 ) . فقد رفضت الرد أو التعليق عما جاء فى بيان الكنيسة الاثيوبية الشقيقة من تجاوزات واتهامات ظالمة ومغالطات . وأكدت الكنيسة القبطية الارثوذكسية المصرية فى بيانها ، انها تتمتع بعلاقات طيبة مع كنائس العالم وخاصة الكنيسة الاثيوبية ، منذ ان أرسل القديس أثاناسيوس الرسولى فى القرن الرابع الميلادى أول مطران للكنيسة الاثيوبية ، ومنذ ذلك الوقت لاتزال العلاقة بين الكنيستين قائمة على أساس المحبة والتعاون والاحترام المتبادل . واشار بيان الكنيسة القبطية المصرية ، بان دير السلطان ، هو أحد أديرة الكنيسة القبطية خارج مصر، ومبانى الدير ومشتملاته ومكوناته تدل على هويته القبطية ، شأنه شأن جميع الاديرة القبطية وهو جزء من ممتلكات الكنيسة القبطية الارثوذكسية فى الاراضى المقدسة . كما وجه المجمع المقدس فى بيانه الشكر والتقدير لجهود الحكومة المصرية بكل أجهزتها للحفاظ على الدير كأرض مصرية ، وأشار
البيان أيضا الى حكم محكمة الصلح الاسرائيلية الصادر فى 28 أكتوبر 2018 بخصوص ترميم الدير، وان يكون ذلك تحت أشراف مهندس معين من قبل الكنيسة القبطية الارثوذكسية. ان دير السلطان هو الممر الطبيعى الموصل بين البطريركية القبطية وكنيسة القيامة احد أهم المقدسات المسيحية فى العالم كله . لم تنقطع الرهبنة القبطية فى الاراضى المقدسة ، ولم يخلو الدير اطلاقا يوما واحدا من الرهبان الاقباط المصريين وحتى وقتنا هذا . وكان السلطان صلاح الدين الايوبى قد أهدى الدير للأقباط تقديرا لدورهم الوطنى والتاريخى وولائهم للوطن فى نضالهم العظيم ضد الحملات الاستعمارية خلال الحروب الصليبية لذا سمي" دير السلطان ". وعلى مدى مئات السنين كانت هناك محاولات مستمرة ومتكررة للأستيلاء على الدير الاثرى ، وتمكنت الكنيسة القبطية الارثوذكسية من الاحتفاظ بالدير بعد كل محاولة وفقا لأحكام قضائية لصالح الكنيسة القبطية المصرية . وكان الرهبان الاقباط المصريين قد استضافوا الرهبان الاثيوبيين الذين تخلوا عن ممتلكاتهم بسبب عجزهم عن دفع الضرائب المقررة عليهم وظلوا ضيوفا على الدير القبطى لأكثر من ثلاثة قرون . والمعروف ان الكنيسة الاثيوبية كانت تتبع الكنيسة القبطية المصرية قبل ان تنفصل عنها فى أواخر خمسينات القرن الماضى . وفى ليلة 25 ابريل 1970 ( ليلة عيد القيامة ) قام الرهبان الاثيوبيين بتغيير الاقفال ومفاتيح الدير والاستيلاء على الدير بدون وجه حق وبشكل يخالف كل المستندات والمواثيق التى تثبت ملكية الاقباط للدير !! قام بعد ذلك المتنيح مثلث الرحمات الانبا باسيليوس مطران القدس برفع دعاوى أمام المحكمة الاسرائيلية العليا ، والتى أصدرت حكمها التاريخى والعادل رقم (71 109 ) فى 631971 والذى يقضى بأحقية الكنيسة القبطية فى ملكية الدير وان تعود ملكيته للأقباط قبل 641971 مع توقيع غرامة مالية على مطران الاحباش . وحتى اليوم ، مازال الدير تحت سلطة الرهبان الاثيوبيين رغم قرار المحكمة الاسرائيلية العليا وعشرات الوثائق والمستندات التى تؤكد ملكية الكنيسة القبطيى للديرمنذ القرن السادس عشر . وقد وقفت الخارجية المصرية بكل القوة والحزم فى الاحداث الاخيرة واستنكرت بشدة التعرض لبعض الآباء الرهبان بالدير القبطى المصرى بالقدس وأعربت عن رفضها القاطع التعرض لرجال الدين مع التأكيد على ضرورة احترام المقدسات الدينية . ونتيجة التواصل السريع والايجابى الفعال مع السلطات الاسرائيلية تم الافراج الفورى للراهب المحتجز ومساندة الكنيسة القبطية فى مطالبها الشرعية العادلة وحقها فى استعادة هذا الاثر القبطى النادر والهام وباعتبار دير السلطان قضية مصرية وطنية تهم مصر كلها .
ان قضية دير السلطان قضية مصرية وقضية قومية ، وان الكنيسة القبطية المصرية صاحبة حق أكيد ، فى نفس الوقت الذى تسعى فيه بكل الجهد ، الحفاظ على العلاقة الاخوية الطيبة مع شقيقتها الكنيسة الاثيوبية . من هذا المنطلق ، فان الجهود المصرية المدنية الوطنية المخلصة لابد ان تظل مستمرة فى الحشد السياسى والاعلامى فى كافة المحافل والهيئات والمنظمات الدولية ، لعرض كافة تفاصيل القضية العادلة وعودة دير السلطان الى مصر والكنيسة القبطية المصرية ... فما ضاع حق وراءه مطلب .