الأقباط متحدون - الأقباط والدولة الفاطمية ( جزء أول )
  • ٠٦:١٩
  • الاربعاء , ٢٨ نوفمبر ٢٠١٨
English version

الأقباط والدولة الفاطمية ( جزء أول )

فاروق عطية

مساحة رأي

٥١: ٠٩ ص +02:00 EET

الاربعاء ٢٨ نوفمبر ٢٠١٨

تعبيرية
تعبيرية

فاروق عطية
لا ريب أن عصر الدولة الفاطمية في مصر كان عصر هدوء وسلام وسكينة، بذلك ساد الاستقرار أغلب مؤسسات الدولة. ولم يحدث قط في تاريخ مصر أن تغير شكل الحكم فيها بهذه المسالمة، كما أن استيلاء الفاطميين علي مصر قد حولها تدريجيا من دولة تابعة إلى دولة مستقلة، وبالتالي أوصلها إلى مكانة مرموقة بين مختلف الدول المجاورة.

الأقباط تحت حكم المعز لدين الله وولاية جوهر الصقلي (696-976م):

كانت معاملة المعز لدين الله جيدة مع الجميع مسلمين (سنة أو شيعة) او ذميين (مسيحيين ويهود)، واقتدى به قائده جوهر الصقلي فاحسن معاملة المصريين جميعاً وحكم بينهم بالعدل والانصاف دون تمييز، وابقى على أبو اليمن قزمان بن مينا وزير كافور الأخشيدي وزيراً له ووثق به وخوله سلطات أوسع. قد يعود هذا لتأثير نشأة جوهر الصقلي الذي كان في الأصل يونانياً قُدّم كعبد هدية للخليفة المعز لدين الله، ولما أسلم وثق به الخليفة وعينه قائداً لجيوشه (يعرف في كتابات المؤرخين باسم جوهر الرومي).

اتخذ المُعزّ لدين الله، عيسى بن نسطورس وزيرًا له، وتزوَّج من امرأةٍ مسيحيَّةٍ ملكانيَّة شقيقة لإثنين من البطاركة أحدهما بطريرك كنيسة الإسكندريَّة، والآخر بطريرك كنيسة بيت المقدس وهي أُمُّ ولده الحاكم، وكان يحتفلُ مع المسيحيين ويُشاركهم أعيادهم. ومن شدَّة تسامحه مع أهل الكِتاب كان يُشجع إقامة الكنائس والأديرة. لم يذكر المؤرخون شيئا عن اضطهاد المسيحيين خلال فترة حكم المعز لدين الله سوى تعصب مسلمي تانيس الذين كانوا يرفضون المذهب الشيعي، فسعوا لخلق القلاقل في البلاد عن طريق تعديهم على المسيحيين بنهب اموالهم وخطف بناتهم ونسائهم والتعدي عليهم في الشوارع، بهدف إثارة الفاطميين وجرهم لمحاربتهم حتى يظهروهم للعامة كمحاربين للمسلمين من اجل المسيحيين. رغم كون المعز متسامحاً مع الأقباط؛ إلا أنه لكي يكسب ود المسلمين السنة بدأ في إظهار النفور تجاه أهل الذمة فاصدر قراراته بالغاء مظاهر الاحتفال بعيد النيروز كما أوقف مشاركة الحاكم في احتفالات عيد الغطاس والتي بدأها كافور الأخشيدي من قبل، لكن هذا لا يغير كونه قد سعى لتعيين الأقباط كمعاونين له في إدارة الأمور المالية والإدارية، خاصة في بداية حكمه لما لمسه من رفض اهل السنة له.

هناك قضية شائكة خاصة بالمعز، هي قضية تحوله للإيمان المسيحي، وتقبله لسر المعمودية. يذكر هذا الحدث كل من ألفريد بتلر، كذلك ذكرها أبن المكين في القرن الرابع عشر، وينكرها معظم المؤرخين المسلميين المعاصرين. تقول هذه القصة أنه تقبل سر المعمودية سراً وتنازل عن الخلافة لأبنه العزيز بأمر الله وصرف أيامه الأخيرة في أحد الأديرة. ويرجع سبب إيمانه بالمسيحية للآت:

كان المعز لدين الله محبا لمجالس الأدب ومولعا بالمباحثات الدينية. كان يجمع رجال الدين من المسلمين والمسيحيين واليهود للمناقشة في مجلسه واشترط أن يكون النقاش بلا غضب أو خصام. وكان للمعز وزيرا كان يهوديا واعتنق الإسلام إسمه يعقوب بن كلس، رغم أنه اعتنق الإسلام إلا أنه مازال متعصباً لدينه اليهودى، لأنه لم يعتنق الأسلام عن عقيدة بل لأجل المنصب. كان يبغض المسيحيين إلى أقصى درجة، خاصة أن هناك مسيحيا يعزه الخليفة ويخشي ابن كلس أن يعينه الخليفة وزيرا بدلا منه اسمه قزمان بن مينا الشهير بأبو اليمن. فأستدعى ابن كلس واحداً من بنى قومه يدعي موسى ليجادل البابا الأنبا ابرام في مجلس الخليفة. أرسل الخليفة للآب البطريرك قائلاً: إن شئت يوماً أن تحاجج اليهود بنفسك أو بواسطة من تختار من الأساقفة، فتعال إلى دارى وناقشهم أمامى. حضر الاب ابرام ومعه الاب الانبا ساويرس ابن المقفع أسقف الاشمونين، وأمرهما المعز بالجلوس فجلسا صامتين، فقال لهما “ لماذا لا تتجادلان ؟ “ فأجابه الأنبا ساويرس: كيف نجادل في مجلس أمير المؤمنين من كان الثور اعقل منه؟ فاستوضحه المعز عن ذلك، فقال: إن الله يقول علي لسان أشعيا النبي "ان الثور يعرف قانيه والحمار معلف صاحبه أما إسرائيل فلا يعرف" ( اش 1 : 2 ) ثم جادلا اليهودي وأخجلاه بما قدما من الحجج الدامغة المؤيدة لصحة الدين المسيحى وخرجا من لدن المعزّ مكرمين، فأوغر ذلك صدري اليهودي والوزير. كان من أثر تلك المجادلة الحادة أن تضايق الوزير بن كلس للغاية هو ورفيقه موسى اليهودى فقررا الأنتقام من الأنبا ابرآم والأنبا ساويرس بتدبير مؤامرة تقضى على الأقباط جميعاً. راح موسى اليهودى يفتش فى الأنجيل المقدس عن شئ يساعده فى تحقيق غرضه الخبيث، فوجد الآية المقدسة التى قالها رب المجد يسوع المسيح "لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل ، لكنتم تقولون لهذا الجبل أنتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولايكون شئ غير ممكن لديكم" (مت 17 : 20).

وبعد ايام دخل الوزير علي المعز وقال له إن مولانا يعلم إن المسيحية ليست علي حق، وهذا إنجيلهم يقول "لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل " ولا يخفي علي أمير المؤمنين أن هذا ادعاء باطل، وللتحقق من ذلك يُستدعي البطريرك لكي يقيم الدليل علي صدق دعوى مسيحهم، ففكر الخليفة في ذلك ووجدها فرصة إن صدقت تتيح التوسع لمدينة القاهرة وإن لم تصدق تعطييه المبرر لاضطهادهم، ثم دعا المعز الاب البطريرك وعرض عليه هذا القول، فطلب البطريرك مهلة ثلاثة ايام فأمهله، ولما خرج من لدنه جمع الرهبان والأساقفة القريبين، ومكثوا بكنيسة المعلّقة بمصر القديمة ثلاثة ايام صائمين مصلين إلى الله، وفي آخر الليلة الثالثة ظهرت له السيدة الغذراء، وأخبرته عن إنسان دباغ قديس وهو سمعان الخراز، سيجري الله علي يديه هذه الآية، فاستحضره الاب البطريرك وأخذه معه وجماعة من الكهنة والرهبان والشعب، ومثلوا بين يدي المعز الذي خرج ورجال الدولة ووجوه المدينة إلى قرب جبل المقطم. وقف الاب البطريرك ومن معه في جانب والمعز ومن معه في جانب أخر، ثم صلي الاب البطريرك والمؤمنون وسجدوا ثلاث سجدات. في كل سجدة كانوا يقولون كيرياليسون يارب ارحم، وكان عندما يرفع الاب البطريرك والشعب رؤوسهم في كل سجدة يرتفع الجبل ويظهر ضوء الشمس من تحته، وكلما سجدوا ينزل الجبل ويلتصق بالأرض، وإذا ما ساروا سار الجبل أمامهم وزلزلت الأرض زلزلة عظيمة ارتجت لها كل جنبات الأرض. فوقع الرعب في قلب الخليفة وقلوب أصحابه، وسقط كثيرون منهم علي الأرض. تقدم الخليفة علي ظهر جواده نحو الاب البطريرك وقال له: أيها الآب لقد أيقنتت الآن ان دينكم هو الصحيح بين الأديان، فاطلب ما تشاء وأنا أعطى، فلم يرض إن يطلب منه شيئا. ولما ألح عليه قال: "أريد عمارة الكنائس وخاصة كنيسة القديس مرقوريوس (أبو سيفين) التي بمصر القديمة. فكتب له منشورا بعمارة الكنائس وقدم له من بيت المال مبلغا كبيرا، فشكره ودعا له وامتنع عن قبول المال فازداد عند المعز محبة نظرا لورعه وتقواه.

وقد سجل الانبا ساويرس ابن المقفع أسقف الاشمونين هذه المعجزة، بصفته شاهد عيان وسط المئات من شهود العيان فى كتاب تاريخ البطاركة، و قد سجلتها الباحثة مدام بوتشر المؤرخة البريطانية فى كتابها "تاريخ الكنيسة القبطية". بجانب أن العديد من المسلمين تخوفوا من أنتشار خبر هذه المعجزة، و أختلقوا القصص الوهمية و خافوا من قول الحقيقة التى ترجح كفة المسيحية بنسبة مائة في المائة. وقد أستطردت مدام بوتشر وقالت أن المعز لدين الله الفاطمى قد آمن بالمسيح وتعمد وأصبح مسيحيا، و لكن المسلمين لا تستطيع أن تستخلص من تاريخهم شئ مفهوم فلم يذكروا بشكل علنى أرتداد المعز وأعتناقه المسيحية، ولكن المؤرخين الأقباط أعلنوا حقيقة تنصر المعز لدين الله الفاطمى. وقد أكد أبو المكارم حادثة إعادة بناء الكنائس السابقة فى زمن الخليفة المعز لدين الله الفاطمى. أما جاك تاجر فقد جاء فى كتابه أقباط ومسلمون: يؤكد المؤرخون النصارى أن المعجزه حدثت بالفعل وأن الخليفة أبدى دهشته وأمر بإعادة بناء جميع الكنائس المخربة ثم أرسل فى طلب كبار الأقباط والعلماء المسلمين وأمر بقراءة الإنجيل والقرآن أمامه، ولما إستمع إلى النصين ما كان منه إلا أن أمر بهدم المسجد القائم أمام كنيسة أبو شنودة وبناء كنيسة مكانه وتوسيع كنيسة أبى سيفين وترميمها. كما ذكرها بتلر في كتابه. والجدير بالذكر أن هذه المعجزة قد حدثت في 18 هاتور سنة 695 للشهداء الموافق 27 نوفمبر 979م. ويحكي يحي بن سعيد الأنطاكي المتوفي سنة 1066م في كتابه "صلة كتاب سعيد بن بطريق المسمى التاريخ المجموع على التحقيق والتصديق" إن خبر موت المعز ظل مكتوماً زهاء ثمانية أشهر.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد