الأقباط متحدون - الخطاب الديني المسيحي والتغيير الضرورة
  • ٠٤:٤٤
  • السبت , ١ ديسمبر ٢٠١٨
English version

الخطاب الديني المسيحي والتغيير الضرورة

مدحت بشاي

بشائيات

١٢: ٠٤ م +02:00 EET

السبت ١ ديسمبر ٢٠١٨

 الخطاب الديني المسيحي والتغيير الضرورة
الخطاب الديني المسيحي والتغيير الضرورة
كتب : مدحت بشاي
" ربنا بيحب الحُسن.. والسلام حُسن.. والخير حُسن.. والتعاطف حُسن.. وأي حاجة قبح، مالهاش مكان، أي قبيح مالهوش مكان. الجمال فقط هو اللي ليه مكان ، واحنا هنا في بلدنا هنقدّم دا، هنقدّم الجمال والحُسن للعالم كله.." .. كانت تلك الفقرة من أجمل ارتجالات الرئيس السيسي في الفترة الأخيرة وهو يوجه خطابه  للشعب المصري من داخل الكاتدرائية المصرية في مستهل مشاركته أقباط مصر الاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح العام الماضي ...
 
وقد حاولت الكنيسة المصرية في الفترة الأخيرة أن تشير في خطابها لأتباعها إلى التركيز على الأدوار المأمولة من المواطن  فى المجتمع ، ونقصد بها التفاعل الاجتماعى، والنشاط الإنساني و السياسي الإيجابى ، وعدم الانسحاب من الأنشطة العامة فى المجتمع ، والتي من بينها وكما جاء على لسان أسقف الشباب الأنبا موسى :
 
أداء الواجب الانتخابى... بدافع وطنى يهدف إلى بناء الوطن، واختيار المرشح الصالح، بغض النظر عن الدين أو الحزب.
الاشتراك الفعال فى الأحزاب السياسية... فمع أن الكنيسة لا تشتغل بالسياسة إلا أنها تشجع أولادها على أداء دورهم الوطنى فى المجتمع.
الاشتراك فى النقابات المهنية بإيجابية.. وتقديم نموذج طيب للنقابى الإيجابى والموضوعى، الذى يخدم مهنته ومواطنيه.
الاشتراك فى اتحادات الطلاب.. وعدم الانسحاب منها، لكى تكون فاعلة ومفيدة للمجتمع الطلابى، إذ تقدم خدمتها للجميع، بمحبة إيجابية.
العمل فى الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدنى.. وها هو يتنامى فى مصر، بطريقة طيبة.
 
إجمالاً.. أن يكون المسيحى مواطنًا صالحًا يسلك بالانتماء للوطن لا للطائفة.. فالانتماء الطائفى يفرق، وأحيانًا يمزق الوطن.. أما الانتماء الوطنى فيجمع ويوحّد الكل فى محبة مصرنا العزيزة والغالية التى تحتاج إلى مواطنين صالحين، يرفعون شعار المواطنة التى فيها يتساوى الجميع فى الحقوق والواجبات.
إن الجيل الرقمى لديه وسائل كثيرة للتفاعل الاجتماعى. ومن خلال إمكانيات الإنترنت والتكنولوجيا، ومواقع الفيس بوك وغيرها يستطيع أن يستثمرها حسناً لبناء الجماعة الوطنية فى محبة ووحدة وتآلف.
 
منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي مهام منصبه ، وهو يتحدث و يطالب بلجاجة تغيير الخطاب الإعلامي والثقافي والديني.. لقد ناشد مؤسساتنا الدينية إعادة صياغة رسائلها للمواطن في الداخل والخارج .. وإلى حد وصف المأمول من التغيير بأنه يمثل ثورة يطالبهم بتفجيرها ، وحذرهم من يوم الحساب عندما يُسألوا عن تقصير أو تلكؤ أو إهمال في تحقيق الإصلاح والتغيير .. 
 
التغيير والإصلاح والتجديد والتحديث والتطوير والثورة وإعادة الهندسة وإعادة البناء.. وغيرها الكثير من المصطلحات الفكرية والعلمية وأحياناً " الحنجورية " التي تطالعنا عبر كل وسائل الإعلام تستصرخ أولي الأمر منا أن افعلوا أي شيء وكل شيء من أجل تغيير ملامح الواقع الرتيب والمخيف أيضاً ..وصولاً إلى  واقع الحياة التي ينبغي أن يعيشها البشر لتحقيق ما اتقق على تسميته " جودة الحياة " ..
 
يجدر الإشارة إلى أن السيد المسيح قد أحدث وقاد ثورة للتغيير والاصلاح‏,‏ ثورة في التفكير والتدبير‏,‏ وفي إرساء المفاهيم السليمة للقيم إلا أن تعاطينا وتعاملنا مع قضايا المجتمع الآنية لا يمكن أن تكون بنفس السبل وآليات إيقاع تنفيذها ما كان في زمن الأجداد أو حتى الآباء .. وهنا تكمن أولى إشكاليات التغيير فنحن في أحيان كثيرة وعند تعاملنا مع القضايا الجوهرية التي تحتاج إلى إحداث تغيير نتبع نفس الخطوات التقليدية النمطية غير مدركين لقوانين ومعطيات العصر ومنجزاته التي قد تتيح لنا حلولاً عبقرية تعبر بنا رتابة وبلادة أزمنة الأمية والتخلف .. 
 
في هذا الصدد ، نتذكر قول قداسة البابا شنودة الثالث  في إحدى عظاته أن السيد المسيح كان وديعا‏,‏ وكان أيضا شجاعا‏:‏ يستخدم الوداعة حين تحسن الوداعة‏,‏ ويستخدم الشجاعة حين تلزم الشجاعة‏ ، وقيل عنه أنه لايخاصم ولا يصيح‏,‏ ولايسمع أحد في الشوارع صوته‏.‏ قصبة مرضوضة لايقصف‏,‏ وفتيلة مدخنة لايطفئ‏..(‏ مت‏12:20,19).‏ ولكنه كان جريئا في الحق‏,‏ لايجامل فيه أحدا‏.‏ يقف إلي جوار الحق والقدسية بكل قوة في هيبة واقتدار‏.‏ لما وجد اليهود لايتصرفون بما يليق بكرامة الهيكل‏,‏ قام بتطهير الهيكل بكل حزم‏.‏ أخرج كل الذين كانوا يبيعون فيه ويشترون‏.‏ وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام‏.‏ وقال لهم مكتوب بيتي بيت الصلاة يدعي وأنتم جعلتموه مغارة لصوص‏(‏ مت‏21:13,12).‏ ولما وجد قادة الدين في أيامه من الكتية والفريسيين يحملون الناس في تعليمهم أحمالا عسرة الحمل‏,‏ إنتهرهم وقال لهم‏:‏ الويل لكم ايها الكتية والفريسيون المراؤون‏.‏ لأنكم تغلقون ملكوت السموات قدام الناس‏,‏ فلا دخلتم أنتم ولا جعلتم الداخلين يدخلون‏(‏ مت‏23:13).‏ في هذا الإطار أرى أهمية ماقاله نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب في ضرورة التغيير من وجهة نظر المسيحية.. قال "  أن يكون التغيير شاملاً للكيان الإنسانى كله  وقادراً على الاستمرارحتى إلى الخلود.. فما قيمة تغيير يصيب الجسد والمادة والزمن فقط ، ولا يقود إلى تغيير الفكر والنفس والروح ، ويقود إلى حياة أبدية ؟!   ..من هنا جاء السيد المسيح بشعار أفضل وأكمل وأشمل...لخصة لنا بولس الرسول بقوله " تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم "..
 
ويبقى السؤال : متى تتوفر لنا إرادة التغييرلدى المواطن وأصحاب القرار ؟!