الأقباط متحدون - وزارة التموين بين الرقابة على الأسواق والدعم
  • ٠٧:٣٥
  • الثلاثاء , ٤ ديسمبر ٢٠١٨
English version

وزارة التموين بين الرقابة على الأسواق والدعم

د. نادر نور الدين

مساحة رأي

٥٣: ٠٨ ص +02:00 EET

الثلاثاء ٤ ديسمبر ٢٠١٨

وزارة التموين
وزارة التموين

نادر نور الدين محمد
ينص التوصيف الوظيفى لإنشاء وزارة التموين على أن مهامها الرئيسية هى «الرقابة والتوزيع»، والرقابة هنا تشمل جميع السلع التى يتم تداولها فى الأسواق المصرية، بدءا من قطع غيار السيارات وحتى غش الوقود والمبيدات والسلع الغذائية. أضاف الرئيس جمال عبدالناصر مهاما جديدة للوزارة حين أصدر قرارا بإنشاء الهيئة العامة للسلع التموينية لتوفير احتياجات الشعب المصرى من جميع السلع الاستراتيجية سواء بالشراء من الأسواق المحلية أو بالاستيراد. ولذلك كان تسلم الوزارة لمحاصيل القمح والذرة لاستخدامها فى إنتاج الرغيف البلدى ومعها الأرز واستكمال باقى احتياجات الشعب المصرى بالاستيراد. وبالمثل تطرق الأمر إلى استيراد كامل زيوت الطعام والعدس وأغلب احتياجاتنا من الفول والسكر واللحوم الحمراء والدواجن والألبان المجففة. وصل الأمر بهيئة السلع التموينية خلال الفترة ما بين عامى 1967 وحتى 1973 إلى أن استوردت مستلزمات ورش النجارة والموبيليا، ثم استيرادها للسمن البقرى حتى ثمانينيات القرن الماضى ومنعت العديد من أزمات الدقيق والسمن واللحوم والسكر وزيوت الطعام ومستلزمات الورش، حيث كانت تستورد نحو 77 سلعة لدعم أنشطة الاقتصاد القومى.

وعند تولى الدكتور عاطف عبيد لرئاسة مجلس الوزراء وكان مؤمنا بتحرير التجارة وخروج الدولة منها، التحول من الرؤية الخدمية لوزارة التموين إلى الرؤية الربحية، فتقل تبعية المجمعات التعاونية إلى وزارة الاستثمار، ولكن ذلك لم يتحقق على مدار عشرين حيث لم تحقق الأرباح إلا شركات السكر فقط من إجمالى 44 شركة. هذا الأمر لم يخل بتدخل الدولة ومراقبتها للأسواق وتقديمها للدعم والتوسع فيه، حيث حدثت أزمة كبيرة فى أسعار المخبوزات والبقول والمكرونة والأرز والزيوت والسكر بسبب أول قرار لتحرير الجنية المصرى ووصوله إلى سبعة جنيهات، بما أدى إلى توقف القطاع الخاص عن استيراد السلع بما فيها دقيق فينو المدارس، وسرعان ما تدخلت الدولة لشعورها بالمسؤولية الاجتماعية. قررت الدولة رفع عدد السلع التموينية التى تصرف على البطاقات إلى 17 سلعة بعد أن كان تم تخفيضها إلى ثلاثة فقط قبل الأزمة، فتمت إضافة الفول والعدس والمكرونة والأرز والمسلى النباتى والبقول، بالإضافة إلى مضاعفة كميات السلع الأساسية من شاى وسكر وزيت، وصرف دقيق فينو المدارس إلى الأفران الأفرنجية.

وموضوعيا فإن تحديد المستحقين عن الدعم ليس مسؤولية وزارة التموين لأن مهمتها الأولى هى توفير الغذاء لكامل الشعب المصرى وتقديم الدعم الغذائى للفقراء والرقابة على الأسواق والأسعار. ونرى أن مسؤولية تحديد المستحقين للدعم تقع على عاتق وزارة التضامن الاجتماعى والجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بما لديه من بيانات الفقراء.

يتطلب الوقت الحالى عودة وزارة التموين إلى مهامها فى «الرقابة والتوزيع» وتوفير احتياجات الشعب المصرى من السلع الاستراتيجية وضبط انفلات الأسعار، وأيضا تطبيق التجارة الشريفة وخفض أسعار السلع التى انهارت فى البورصات العالمية من شهور طويلة ولم تتراجع فى مصر ومثال لها حاليا السكر وزيوت الطعام والألبان المجففة.

منذ خمس سنوات طلب وزير التموين، محمد أبوشادى، عودة المجمعات التعاونية إلى الوزارة حتى يكون للدولة قبضتها التى تمكنها من ضبط الأسواق عند انفلاتها بدخولها كمنافس قوى يشترى من المصانع ومن المزارع مباشرة ويطرح السلع بأسعار أقل من الأسواق المنفلتة، بما يجبر التجار على خفض الأسعار. هذا الأمر تم تجميده تماما ويكاد يقتصر دور المجمعات على ممارسة دورها الاجتماعى فقط فى اللحوم والسكر، أما باقى السلع الأساسية، التى تدخل فى جوف الإنسان وتصل إلى 55 سلعة، فإن أسعارها فى المجمعات تفوق أسعارها فى السوبر ماركت. فإذا استمر هذا الأمر، فعلى الحكومة أن تعيد هذه المجمعات إلى وزارة الاستثمار لتمارس دورها كشركات قابضة هادفة للربح وليست شركات خدمية.

التحول إلى الخصخصة ليس الهدف منه الشفاء من صداع فى رأس الحكومة، فالقطاع الخاص له أخطاؤه التى تتكرر مع تحرير العملة وتقلبات الأسواق العالمية فتتوقف عن استيراد السلع الرئيسية وأيضا المبالغة فى رفع الأسعار، وهو ما وضح بعد تخارج الدولة من استيراد المبيدات وتقاوى البطاطس منذ عام 1994 والتى كانت تقوم بها الهيئة الزراعية فتضاعفت أسعارها، وبالمثل ما حدث فى استيراد القطاع الخاص لقمح متدنى الدرجة بما أحدث أزمة تموينية طاحنة وأوضح أهمية دور هيئة السلع.

من المفترض أن تعود وزارة التموين لمهامها فى «الرقابة والتوزيع» ثم استكمال حاجة الشعب من السلع الأساسية محليا وبالاستيراد واتركوا تحديد المستحقين للدعم للوزارات المختصة، ولا تتركوا الأسواق مرتعا لبعض الجشعين، لأن انفلات الأسعار يقلل من الرضاء العام عن الأداء الحكومى، وأن تقييم نجاح الحكومات فى العالم يتم وفقا لنجاحها فى تثبيت الأسعار، والأمر يحتاج إلى إحكام الرقابة والاستعداد للتدخل عندما يتطلب الأمر، خاصة فى سلع الفول والدقيق والبطاطس والطماطم والبصل وزيوت الطعام والسكر والأرز والدقيق وغيرها.

* الأستاذ بجامعة القاهرة ومستشار أسبق بوزارة التموين
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع