الصورة: دولة مدنية.. الحقيقة: دولة دينية اسلامية
المبادئ العالمية " الحرية والمساواة " اصبحت مقيدة واسيرة نصوص دينية
بقلم: د. نجيب جبرائيل
لقد كثر الكلام وازاد الحراك السياسى وما يزال حول شكل الدولة وعما اذا كانت سوف تكون دولة مدنية او دولة دينية اسلامية وحاول البعض ان يغلف شكل الدولة المدنية بان تكون ذات مرجعية دينية اسلامية ثم جاءت وثيقة الازهر التى حاولت ان ترضى كافة الاطراف وتخفف من وطئ التيار الدينى المتشدد وراحت لتؤكد ان الاسلام هو دين الدولة وان الشريعة الاسلامية هى مرجعية الدستور ولا يمكن التنازل قط عن ان الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيس للتشريع لاى دستور فى البلاد ثم قامت هذه الوثيقة بمغازلة الاقباط بقولها ان غير المسلمين سوف يحتكمون الى شرائعهم ويقصد بذلك فى الاحوال الشخصية . ثم قامت مشيخة الازهر بدعوة معظم القوى السياسية والتيارات الدينية بمناقشة وثيقة الازهر فوافقت عليها معظم القوى السياسية وتحفظ البعض ثم جاءت الجماعات الاسلامية لتؤكد رفضها التام على مدنية الدولة مؤكدة ان الشريعة الاسلامية ليست المبادئ الرئيسية او العامة كمصدر رئيسى للتشريع بل لابد ان تكون مبادئها الكلية والجزئية واحكامها واصولها وفروعها لابد ان تكون هى المصدر الرئيسى للتشريع والاول وان مبادئ الشرائع السماوية الاخرى هى مصدر تشريعى لاصحابها فى احوالهم الشخصية , ولابد ان يضاف كما طلب السلفيين نص مفاده انه عند اختلاف الدين تحكم الشريعة الاسلامية ونصا اخر ان كل ما يخالف الشريعة يقع باطلا وان الحرية والمساواة لابد ان تقيدا بضوابط الشريعة وضرورة التمسك بمرجعية الشريعية وفوقيتها على كل من يخالفها . وهنا انتهى موقف السلفيين من الوثيقة .
ثم جاء تصريحات الفريق سامى عنان لتؤكد ان مدنية الدولة ضرورة لا بديل عنها بل انها امن قومى للبلاد مؤكدا ان الدول التى اخذت بنظام الدولة الدينيةنرى ما حدث بها مثل افغانستان وغيرها . وكان قبل ذلك قد اعلن الدكتور / على السلمى نائب رئيس الوزراء للتحول الديمقراطى ان مجلس الوزراء بصدد اصدار وثيقة دستورية جديدة تجمع بين كل الوثلئق التى اصدرتها القوى الوطنية بما فيها وثيقة الازهر لتؤكد النص على مدنية الدولة .
ووسط هذا الجدل الهائل والزخم الزاخر الذى جمع كافة القوى السياسية والتيارات الدينية الاسلامية بما فيها مؤسسة الازهر نجد الملاحظة الاولى والهامة:-
- غياب الكنيسة او ممثليها عن كل هذا الزخم والحراك فى تحديد شكل الدولة وهل سوف تكون لها مرجعية دينية اسلامية وما شكل هذه المرجعية تحديدا ورغم ان الكنيسة لا تتدخل فى السياسة الا ان هذا الامر لا يعتبر من قبيل التدخل فى السياسة وانما عملا وطنى يخص كافة مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسات الدينية اذ سوف يتم مناقشة كيفية احكام غبر المسلمين الى ديانتهم وخاصة فى مسائل الاحوال الشخصية اى مشاكل الزواج والطلاق والارث والوقف والتبنى ثم نأتى بعد ذلك لنلطم الخدود ونتقدم بالالتماسات ونطلب الرجاءات ونتهم بالاعتراض على احكام المحاكم اذ قد سبق ولم يكن لنا رأى عند مناقشة دستور البلاد وقوانينها.
- ولكن مع تسليمنا وترحيبنا بكافة الكلمات والتعابير التى اتؤكد على مدنية الدولة وما حفلت به وثيقة الازهر بانه لابد من ان تكون مرجعية الدستور اسلامية وان الشريعة الاسلامية هى خطا احمر اى المادة الثانية ثم ياتى فى رأينا هذا التناقض الفج فيما اعلن بهذه الوثيقة بان الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى للشريع وما اعلن بها ايضا بانها هى الحافظة والحامية لحقوق غير المسلمين الامر الذى جعلنا نلقى بمزيد من الضوء على ما يجرى من حراك داخل مصر من شكل الدولة محللين ذلك على النحو الاتى :-
اولا : ان الملاحظ ان كافة القوى السياسية فى مصر بما فيها معظم الاقباط انهم لم يختلفوا على ان تظل المادة الثانية من الدستور وهى التى تنص على ان مبادئ الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع كما هى بدون تغيير وان هناك محاولات من جانب الاقباط ومن جانب بعض المثقفين لاضافة فقرة لتلك المادة مفادها ان يحتكم اهل الديانات الاخرى فى احوالهم الشخصية الى شرائعهم وان كان ذلك محل خلاف شديد عند السلفيين والاخوان .
ثانيا : ان هناك شبه بما فى ذلك الاقباط فى شكل الدولة المدنية ما عدا التيار السلفى فى اشتراطه بان تكون مرجعية الدولة هو الاسلام بكل تفاصيله واحكامه .
ثالثا : لم يحدد احد حتى الان شكل او المقصود بالمرجعية الاسلامية وعما اذا كانت الشريعة الاسلامية كما حددها السلفيون هى الشريعة الفوقية التى لابد حتى لمبادئ الحرية والمساواة العالمية ان تتقيد بضوابطها وان كل ما يخالف الشريعة الاسلامية يقع باطلا .
- وهنا حتى يفهم القارئ ويستوعب مخاطر هذا الموضوع سوف نعطى بعض الامثلة :-
رفقا لنظرية المرجعيات الدينية فى دساتير العالم وخاصة الدول المسيحية والتى يؤخذ القليل منها بهذه النظرية تكون المرجعية المسيحية هى فقط تضع الاطر العامة فى الدستور وان تكون مجرد مصدر قيمى له دون ان تكون حاكمة او نصوصا فيه وللتقريب اكثر للمعنى لقد نتصور مثلا ان وفقا للمرجعية الدينية انه لا يجوز مثلا اصدار قانون مها كان سقف الحريات باباحة الجنس او قانون يسمح بالزواج المثلى او بعبادة الشمس او النار . اما المرجعية الدينية الاسلامية التى يراها السلفيين ويتأكد منها الازهر هم من يقولون ان الشريعة الاسلامية لابد ان تكون هى الشريعة الفوقية ويقع باطلا كل من يخالفها ولابد ان تطبق بأصولها وجزئياتها وكلياتها وفروعها نرى مثلا ان هذه النظرية التى هى محل السياده بين التيارات الدينية والتى لم يوضح الازهر مفهوما غيرها انه يمكن ان تصدر قوانين وفقا للدستور ذات المرجعية الدينية الحاكمة تنص على الاتى :-
1- حظر شرب الخمر حتى فى الفنادق .
2- حظر الرقص الشرقى فى الملاهى وغلقها .
3- حظر فوائد البنوك .
4- حظر اقامة كنائس جديدة وترميم القديم فى اضيق نطاق .
5- حظر دق النواقيس فى الكنائس .
6- الغاء اى مظاهر عامة لللاحتفالات بالاعياد المسيحية .
7- اعتبار غير المسلمين هم اهل ذمة وليسوا مواطنون وانما فى ذمة المسلمين .
8- حظر شهادة غير المسلم على المسلم .
9- حظر التحول الدينى الا اذا كان الى الاسلام .
10- حظر التبنى حتى لو كان مباحا فى المسيحية .
11- تحول الصغير الى الاسلام قسرا وجبرا ونزعه من حضانه امه المسيحية دون سن الحضانة فى حالة اشها اسلام الاب .
- تلك هى المرجعية الدينية التى ينادى بها السلفيين والتى لم تدحضها او تكذبها القوى السياسية وفقا للنظرية السلفية وتلك هى دعوة عنصرية تميز بين الاديان فمثلا يقولون : ان الحرية والمساواة لابد ان تتقيد بضوابط الشريعة الاسلامية وهذا تعارض صارخ ليس فى مسائل حرية الاعتقاد فحسب وانما فى مبدأ الولاية اى لا وية لغير المسلم على المسلم . فاذا اعملت قاعدة المساواة عند اختيار المحافظ او رئيس الجامعة او رئيس هيئة القضاء ا ذا تساوى شخصان فى كافة الشرائط المطلوبة فى هذه الوظيفة فلابد من تقديم الشخص المسلم لان تلك الوظيفة من وظائف الولاية واعمالا للقاعدة سالفة الذكر والتى تصتدم بقاعة المساواة والعدالة وتلك معايير دولية ..... هذه هى المرجعية الدينية الاسلامية .
- فى مسائل الاحوال الشخصية عند اختلاف الدين سوف تكون الشريعة الاسلامية هى الحاكمة .
لنأخذ مثلا لتقريب وجهة النظر فاذا ما تزوج اثنان على الشريعة المسيحية ثم اسلم الزوج طبقا لهذه النظرية لابد من اسلمة صغاره المسيحيين ونزع حضانتهم من امهم المسيحية ليتربوا مع زوجة ابيهم المسلمة كما حدث فى العديد من القضايا واشهرها قضية ماريو واندرو وهذا ما عانيناه طول ثلاثة عقود من الزمن من تطبيق المادة الثانية من الدستور وما اقصى بشأنه العشرات من الكفاءات القبطية من تولى مناصب هامة فى الدولة لا لشئ الا لكونهم مسيحيين .
- وكم قيدت الحريات الدينية ومنع بناء الكنائس بل تم التضيق فى ترميمها
- وكم قتل الاقباط وانتهكت حقوقهم وتم تهميشهم فى الحياة السياسية فما بالك بجعل الشريعة الاسلامية هى الشريعة الفوقية وان الحرية والمساواة والتى هى مبادئ عالمية فى المواثيق الدولية والاعلان العالمى لحقوق الانسان اصبحت اسيرة ومقيدة بنصوص دينية .
اذن حتى فى كل هذه الفروض وازاء اصرار الازهر وكافة القوى السلفية ومعظم التيارات السياسية على ان تكون الشريعة الاسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع هذا فى ادنى فروض موافقة التيار السلفى واعتقد ان هذا بعيد المنال بل من المستحيل كما قال متحدث الجماعة الرسمى طارق الزمور باننا سوف نعمل بكل ما اوتينا من قوة على ان تكون الشريعة الاسلامية هى المبادئ الحاكمة فعلا والغاء ما يسمى بالوثيقة الحاكمة للدستور والقضاء على كل مسميات الدولة الدينية .
ازاء كل هذا الحراك الذى سوف يظل يدور فى دائرة فرغة غير واضحة البيان والمعالم فنحن وشركاء هذا الوطن فى مصر بالاضافة الى كافة المنظمات التى تهتم بالعدالة والمساواة وحقوق الانسان واننا نحذر المجلس العسكرى ومجلس الوزراء ونناشدهما .
بان تكون الامور واضحة و كما قال الفريق عنان انه لا دين فى السياسية ولا سياسة فى الدين واننا لا نقبل ان تكون مصر كأيران او افغانستان فان مصر تستوعب كافة الثقافات والاديان وان يتم النص صراحة فى اى دستور على حرية العقيدة وان الحرية والمساواة لا يمكن ان تقيد بقيود دينية وانما الاديان جميعها هى مصدر قيمى للدستور والتشريع وانها فقط تضع الاطر العامة لكن لا يمكن ان تكون بحال من الاحوال الشريعة الاسلامية هى وحدها ودون غيرها بكا جزئياتها وكلياتها واصولها وفروعها هى الحاكمة للدستور وان الاوان للكنيسة ان تفيق من سباتها وتنتفض من حالة السكون التى تعيشها وتدلوا بدلوها فى كل ما يخص امرها ونحن سوف نكون مناضلين مستأسدين من اجل مصر دولة مدنية قوامها الديمقراطية وحقوق الانسان ولا نرضى مطلقا بشكلية الدولة المدنية وحقيقة الدولة المدنية وانما بحقيقة المدنية وقيم الدينية .
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :