رفع خانة الديانة من الرقم القومي
يوسف سيدهم
السبت ٨ ديسمبر ٢٠١٨
بقلم: يوسف سيدهم
جاءنا من محرر الشئون البرلمانية في وطني أن النائب البرلماني الدكتور إسماعيل نصر الدين تقدم للمجلس بمشروع قانون يلزم الحكومة بحذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي ومن جميع الأوراق الرسمية للدولة التي يتم تداولها بين المواطنين, وذلك اتساقا مع نصوص الدستور التي تنص علي عدم التمييز بين المواطنين وأن المواطنة هي أساس المساواة بينهم, فلا يجب أن يكون هناك مظهر من مظاهر التفرقة بينهم ويتم ترسيخ الهوية المصرية عوضا عن الهوية الدينية.
وأشار النائب الدكتور إسماعيل نصر الدين إلي أن مشروعه الذي يحظي حتي الآن بتأييد نحو مائتي نائب برلماني لا يعني إسقاط الهوية الدينية تماما من الأوراق الرسمية المحفوظة في سجلات وقاعدة بيانات الدولة مثل شهادات الميلاد وقسائم الزواج وغيرها من مرجعيات تحديد الهوية الدينية, إنما المقصود من مشروعه سحب كل ما يشير إلي الهوية الدينية من البطاقات والأوراق المتداولة بين المواطنين وبينهم وبين سائر الأجهزة والمؤسسات التي يتعاملون معها والتي لا تقتضي في طبيعتها الإفصاح عن الهوية الدينية ضمن البيانات التي يشملها ذلك التعامل.
هذا المنحي من النائب البرلماني يستحق التأييد منا جميعا لأنه يتصف بالعقلانية والواقعية, فهو يدعو للاستغناء عن تحديد ديانة المواطن حيثما تكون معلومة شكلية لا دور لها في التعامل معه, مع الإبقاء عليها حيثما تكون معلومة فاعلة مؤثرة.. ودعوني أسجل بعض الملاحظات المهمة في هذا السياق:
** إلغاء خانة الديانة من بطاقات الرقم القومي ليس من شأنه القضاء فورا علي كل الممارسات التي تفرز بين المواطنين أو تميز بينهم علي أساس الدين, فلايزال معظم المصريين تفصح أسماؤهم عن هويتهم الدينية سواء كانت أسمائهم الشخصية أو ألقابهم الأسرية والعائلية, فقلما نجد مصريا أو مصرية يخلو اسمه أو اسمها الرباعي المسجل في بطاقة الرقم القومي من لقب يفصح عن ديانته أو ديانتها, إذا إلغاء خانة الديانة من بطاقات الرقم القومي هو رمز مهم جدا لإعلاء الدولة للهوية المصرية ورسالة مؤداها أن الهوية الدينية لا تتدخل في أية تعاملات تتم مع المواطن في حياته اليومية, ولا يترتب عليها أي ميزة تفضيلية أو تمييز سلبي له, بل يتمتع بكل معايير المساواة والمواطنة فله كل الحقوق وعليه كل الواجبات.
** آن الأوان لحذف خانة الديانة من بطاقات الرقم القومي كأداة من أدوات ترسيخ المساواة وعدم التمييز, مثلما سبق وأن فعلت مصر مع جوازات السفر عندما توقفت عن تسجيل الهوية الدينية فيها إدراكا منها أن جوازات السفر هي بطاقات هوية المواطن المصري في تعامله مع سائر دول العالم, وأن ذلك لا يقتضي إبراز هويته الدينية وأن الدولة المصرية وهي تصدر جواز السفر الخاص به إنما تدعو سائر دول العالم -طبقا للقانون الدولي- إلي التعامل معه وتسهيل مهمته في التنقل عبر أراضيها باعتباره مواطنا مصريا فقط لا غير دون التعرض لهويته الدينية.
** أما عن اختفاء سائر الممارسات التمييزية بين المواطنين وبين أقرانهم في المجتمع وبينهم وبين الكيانات والأجهزة والمؤسسات في جميع أنشطة المجتمع فهذا يلزم لإدراكه سلسلة من الإصلاحات ينبغي عدم إغفالها تعليميا وثقافيا ودينيا واجتماعيا, علاوة علي تفعيل ما نادي به الدستور من آليات رصد جميع سبل التمييز الديني بين المواطنين وتجريمها وتعقب المسئولين عنها وتقديمهم للعدالة.
** لكل من يأخذه الحماس ويندفع للدعوة إلي إلغاء الديانة تماما من كل تعاملات الدولة مع المواطن -وليس من بطاقة الرقم القومي فقط- أقول مهلا… فلا يستقيم أن نتغافل عن التركيبة الحالية الراسخة في مجتمعنا والتي ماتزال تتمسك بالهوية الدينية في تحديد الأنساب والمواليد والأحوال الشخصية المرتبطة بالأسرة كالزواج والطلاق والوفاة والمدافن والمواريث… وغيرها من الأنماط الاجتماعية الأخري التي تفصلنا عن التحول الكامل إلي الدولة المدنية حيث القانون هو المرجعية الوحيدة للمواطن في حياته في المجتمع ولا شأن للهوية الدينية في تعاملاته الرسمية… فيجب أن نعترف أننا كمصريين -مسلمين ومسيحيين- مازلنا متمسكين بالالتزام بتعاليم هويتنا الدينية في كل ما ذكرت عاليه من أنماط الأحوال الشخصية.
** يتبقي أن يدرك المصريون المسيحيون أنهم وإن كانوا يتوقون إلي إلغاء خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي, يظل عليهم أن يساهموا إيجابيا في بلوغ الغاية التي تستهدفها تلك الخطوة عن طريق إعلاء الاختلاط الحياتي الطبيعي بينهم وبين إخوتهم المسلمين باعتبار ذلك الدرع الواقي الحقيقي والفاعل ضد سائر أوجه التعصب أو الممارسات التمييزية في المجتمع.. كما يظل عليهم أن ينتهوا في أقرب فرصة من صياغة وتشريع لائحة الأحوال الشخصية التي كفلها لهم الدستور لتكون لهم خصوصيتهم في أمور الأسرة وأحكام الزواج والطلاق والمواريث طبقا لشريعتهم المسيحية.