فى ذكرى اليوم العالمى لحقوق الإنسان
مقالات مختارة | منى مكرم عبيد
الاثنين ١٠ ديسمبر ٢٠١٨
منى مكرم عبيد
خلال أيام، تتسلم العراقية الإيزيدية نادية مراد مع الدكتور الكونغولى دينيس موكويجى جائزة نوبل للسلام 2018، لدوريهما فى مكافحة استخدام العنف الجنسى فى النزاعات والحروب، وهى خطوة مهمة تكلل جهودهما بهذه الجائزة العريقة، ولكن ماذا بعد؟!.
فى ديسمبر 2015، استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسى وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، الإيزيدية نادية مراد، والتأكيد على أن مصر موقفها ثابت وواضح من الجماعات الإرهابية، وأن هناك ضرورة لإيجاد دور قوى لملاحقة عناصر تنظيم داعش وغيره من الجماعات الإرهابية، وبعد أن كانت مجرد شاهدة تروى الجرائم التى ارتكبها التنظيم بحق الإيزيديين خاصة والأقليات العراقية عامة، تحولت إلى شخصية معروفة عالميا، وساهم الدعم المصرى المتمثل فى لقائها الرئيس السيسى، وكذلك دعم الأزهر منحها ثقلاً كبيراً فى الدول الإسلامية، حتى تنقلت من بلد إلى آخر وحصلت على عدد من الجوائز، أبرزها جائزة الاتحاد الأوروبى لحقوق الإنسان 2016، ومؤخرا، تكللت جهودها بالحصول على نوبل للسلام.
الآن، هناك حاجة لاستغلال فوز نادية مراد بهذه الجائزة فى تكوين رأى عام دولى ضاغط لملاحقة عناصر داعش ومحاكمتهم، وعدم الاكتفاء بالإدانة والشجب، وعلى الدول الغربية إدراك خطورة تنقل العناصر الإرهابية من سوريا والعراق إلى الغرب، وأصبح الخطر يتنقل من مكان لآخر، ولابد من الفصل بين حقوق الإنسان والحق فى التنقل، وبين اندساس المتطرفين وسط المجتمعات الأوروبية وتوفير حماية لها باعتبارها قادمة من مناطق النزاع بالشرق الأوسط، وهو الخطر الذى لم تضعه الدول الغربية فى حساباتها حتى تم الاستيقاظ على الهجمات الإرهابية التى ضربت برلين، وباريس، وبروكسل فى السنوات الأخيرة.
أيضا هناك حاجة للتعامل مع جرائم الإبادة الجماعية التى ارتكبها تنظيم داعش ضد الأقليات بالشرق الأوسط على أنها جرائم حرب، وينبغى مقاضاة عناصر التنظيم، وهى من الأمور التى لا تسقط بالتقادم، وتفتح الباب للحديث عن استهداف داعش وغيره من الجماعات الإرهابية ضد الأقليات بالشرق الأوسط، وخاصة المسيحيين والإيزيديين، والعمل على وقف تمويل هذه الجماعات التى لا تزال تتواجد وتقوم بعدد من العمليات الإرهابية، وإن كانت وتيرتها فى تراجعٍ عكس ما كان عليه الحال منذ خمس سنوات.
فى منتدى الشباب العالمى الذى نظمته مصر الشهر الماضى، أكد الرئيس السيسى أن مصر ستقود العالم للاعتراف بجرائم داعش، وهذا بلا شك يمنح ثقلاً كبيراً للجهود الدولية التى تقوم بها المحامية أمل كلونى لمقاضاة التنظيمات الإرهابية، ومثلما كانت مصر البداية نحو طريق نادية مراد للحصول على نوبل للسلام، ستكون البداية أيضا نحو مكافحة الإرهاب وملاحقة عناصره وقطع كل أشكال التمويل عنه، بل تعويض الضحايا عن كل ما ارتكب بحقهم، ولكن هذا يتطلب أولا توقف الغرب عن اتباع ازدواجية المعايير التى ينظر لها فى مثل هذا النوع من القضايا.
لا داعى للتذكير بما حدث من جرائم إبادة جماعية ضد الأرمن، وشاهدنا جميعا إحياء أرمينيا لذكرى المئوية وتذكير المجتمع الدولى بما حدث بحقهم، حتى لو لم يتم ملاحقة المجرمين، فى ظل عدم اعتراف الأتراك بما ارتكبوه بحق الأرمن، لذا لا داعى لتكرار ما حدث وانتظار 100 عام أخرى لانتزاع اعتراف من هذا أو ذاك بجرائم داعش، وإنما ملاحقة هؤلاء ومحاسبتهم قبل أن يحاسبنا التاريخ على تقاعسنا عن إعادة الحقوق لأصحابها.
المرحلة الثانية تتلخص فى كيفية إعادة تأهيل الضحايا وإعادتهم للحياة الطبيعية، بدلا من انعزالهم أو ميل البعض منهم للانتحار هربا مما تعرضوا له من معاملة وحشية ومهينة، وهو ما يلقى الضوء على ما قام به الدكتور الكونغولى دينيس موكويجى من إعادة تأهيل أكثر من 70 ألف ضحية، وأدعو السلطات المصرية للمشاركة فى هذا النوع من التأهيل لمرحلة ما بعد العملية، العلاج الصحى من العملية الإرهابية، وتوفير دعم من نوع آخر ثبت خطورته النفسية العميقة، وهذا ما يدعونى للسؤال عن أحوال ضحايا العمليات الإرهابية فى مصر، وخاصة تفجيرات كنيسة القديسين فى الإسكندرية 2011، تفجير الكنيسة البطرسية 2016، تفجيرات طنطا والإسكندرية 2017، ودير الأنبا صموئيل 2017، 2018، هل تمت إعادة تأهيلهم من مشاعر الخوف والهلع التى ارتبطت بهم، أم الاكتفاء بما حصلوا عليه من تعويضات مادية دون دراسة للأبعاد النفسية التى وقعت عليهم؟.. هل لدينا أماكن لتقديم هذا النوع من الدعم والإعداد النفسى أم لا؟.. وهل لدينا نية لتوفير هذا النوع من الدعم أم لا؟.. كلها تساؤلات مهمة ننتظر الإجابة عنها، خاصة أن مصر احترقت بنيران الإرهاب كثيرا، وآن الأوان لدراسة كل أنواع العلاج اللازمة لمحاربته ومواجهة تداعياته.
فى النهاية.. أتمنى دعوة نادية مراد وموكويجى لزيارة مصر خلال الفترة المقبلة، واستغلال هذه الزيارة لتجديد الدعم المصرى لضحايا الجرائم الإرهابية، ومخاطبة المجتمع الدولى مجددا بتضافر الجهود لوقف تمويل الإرهاب وملاحقة عناصره، والاعتراف بجرائم الإبادة الجماعية ضد الأقليات الدينية، وبالرغم من الإدانة المستمرة دوليا ورفض العواصم الغربية لجرائم داعش، إلا أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان الدولى لم يعترفوا حتى الآن بأن جرائم داعش إبادة جماعية.. فهل ننتظر منهم شيئا ونحن نحتفل بذكرى اليوم العالمى لحقوق الإنسان؟!.
*برلمانية سابقة وأستاذ العلوم السياسية
نقلا عن المصري اليوم