الأقباط متحدون | العــرّافـــة .... قصة قصيرة
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٠:٥٤ | الاثنين ٢٢ اغسطس ٢٠١١ | ١٦ مسرى ١٧٢٧ ش | العدد ٢٤٩٣ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

العــرّافـــة .... قصة قصيرة

الاثنين ٢٢ اغسطس ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم : هانى رمسيس

بينما تهطل الثلوج ، ترتفع الضحكات داخل السيارة التى لفّ زجاجها بخار الأنفس ، حتى صرت بالكاد أرى أمامى ، فى ليل بهيم ثقيل بارد .

ثمة شئ ما يخيّم على يافوخى ، أشبه بموسيقى " ألف ليلة و ليلة" تتموّج على دخان كثيف ، وصوت شهرزاد يتمايع : بلغنى أيها الملك السعيد .

تتساقط الثلوج ، و ترتفع الضحكات ، و تنزلق السيارة يميناً و يساراً ، فيمتزج شعور المخاطرة مع لغو عن كلام العرافة مع قهقهات زاعقة بلا استحياء مع شقاء يوم طويل ، فيحيلنا كل هذا إلى حالة من الإنفصال عن الواقع ، أشبه بعدمية المُخدرين و السكارى .
كلمات بصعوبة تلتقطها ، و بالكاد تدرك معانيها ، تستحضر روح العرافة و صوتها و فنجانها و ملاك (أنجلينا) صغير يجاورها و نعمة (جريس) تحوّط بها .
***

و حيثما تجلس العرافة ، فهناك على رأس الطاولة صديق ، و فى مقابلها أجلس أنا ، يجاورنى عن يمينى صديق ثان .

تشتعل الرؤوس بالأفكار . يقفز الصديق الأول من على رأس الطاولة مسرعاً ، و قد فرغ من فنجان قهوته ، فيقلبه رأسا على عقب منتظراً ما يشكله القدر من أشكال ، و ما ترسمه الأشكال من أقدار . يتمتم أدعيته و تضرعاته و أمنياته فى مسكنة مسرحية أتلذذ برؤيتها ، و هو نصف جالس نصف واقف .

تتلاحق الأفكار و العرافة تمد يدها تحمل الفنجان بثقة و هدوء الخبير ، تنظر إليه و أصابعها تدور نصف دائرة ، تحملق بعينيها ، و سمات المعرفة و الرضا تبدو على ملامحها ، و صاحبنا لا تعرفه إن كان جالساً أم واقفاً ، تأخذ نفساً عميقاً ، بينما عيناها تنتقلان إلى وجهه الذى هرب منه الدم فصار شاحباً .

تتكلم بلهجتها اللبنانية ، مما يخفف من وقع الحدث و القدر و المكتوب ، حينما تنطلق الضحكات مستفسرة عن معنى بعض الكلمات ، فتأتينا الإجابة ممن لعب دور الوسيط والذى يعرف الكثير من الخبايا و الأسرار ، فيختلط ما يعرفه مع ما ينقله مع ما يشعره و يفسره ، مع ما قد يراه فرصة سانحة للسخرية و التلاعب .

تمتد يد العرافة جاذبة فنجانى ، تطالبنى أن أبصم بالإبهام الأيمن فى الفنجان و أنا أفكر فى أكثر ما يهمنى و يشغلنى ، فيفيض خيالى أفكاراً و صوراً و أحداثاً ، و يخفق قلبى ، و تتملكنى شهوة معرفة المخبوء و سبر أغوار المستقبل المجهول . أعود طفلاً يصدق كل شئ و يسعى نحو اى شئ .

تترك فنجانى لتمسك بفنجان الصديق الثانى ، فيبدى صاحبه صلابة أعصاب تفوق حدود الطبيعى ، و تلوك شفتاه عبارات اللامبالاة ، فتظهر أكثر مما تخفى وراءها ، و يفضح الفضول القاتل عينيه ، وتهرب ضحكاته خجلى .

تبدو الآن ضحكاتنا متراجعة مغلفة بقشرة من تساؤلات .

***
تنزلق السيارة يميناً و يساراً خارجة عن مسارها ، فلم يعد هناك فواصل أو حدود ، و لم يعد هناك قانون للسير ، و قد تلاشى ما بين الواقع و الخيال كما تلاشت أوليات القيادة بتأثير الثلوج .

أترك الطريق السريع إلى طريق داخلى ، و فى الطرق الداخلية تكثر إشارات المرور . تتوقف السيارة أمام إشارة ، و يخيّم صمت كئيب و يعلو الوجوم الوجوه .

- ما الذى يجعلنا نقف أمام هذه الإشارة ؟ و من الذى يحدد متى نتحرك ؟ و ماذا يا ترى ينتظرنا فى الإشارات القادمة ؟ هل نقف فيها أم يحالفنا الحظ فنتجاوزها ؟

لم أعد أذكر مَن مِنّا طرح هذا التساؤل ، و الذى أسقط من خلاله كلام قارئة الفنجان حتى أن احداً لم يجب ، و ظل الصمت هو مالك المكان و رئيس جمهوريته ، فأطبق سيطرته .

- انت سبت كل حاجة و مسكت فى الاشارات .

لم أعد أذكر أيضاً من كان صاحب المبادرة ، و الذى كسر بعبارته –هذه- المعلبة فى ضحكة متهدجة ، الجو الخانق ، وفك رباط الصمت من على أفواهنا ، ليُستأنف حواراً أحادي الأفكار ثلاثى الكلام .

- خلينا فى الغول أو فى السمكة
- و الفرق بين كلب الصيد فى فنجانى و كلب الحراسة فى فنجانك
- هى قالت الحصان فى الفنجان يرمز لإيه ؟
- أنا فاكر قالت الأسد يعنى انك هـتكون شديد فى بيتك
- زى سى السيد يعنى !
- يا خوفى يا بدران !
- ولا البومة و الافعى ... حاجة تجيب التشاؤم
- بس شفت انت لما قالتلك انك بتحب على حبيبتك
- اوبس ... دى لو عرفت تطين عيشتك
- بس أنا عارف مين هى الأفعى ... روحى يا اللى فى بالى
- كل ما تدعى عليها كل ما عمرها يطول
- انا حاسس ان كلامها كله مظبوط خاصة الإشارات
- دى تبقى وقعة سودا
- دا إحنا قدامنا ييجى 100 اشارة
- يبقى مش هنخلص حاجة فى سنتنا دى
- موت يا حمار
- يا ريت تيجى عـ الحمار
- مش ملاحظين ان الحمار هو الحيوان الوحيد اللى ماكنش فـ الفنجان
- دا عشان كان بره الفنجان يا برنس
- ..........................
- .....................................

***

تصل السيارة الجراج ، تتحرك بثبات و هدوء ، على أرض صلبة متماسكة لم تعرف ثلجاً ولا مطراً ، فتوقظنا على واقع رتيب ، حيث مصابيح الجراج الصفراء الناعسة ، حيث لا ثلوج ولا قهقهات ولا اشارات ، ولا سمك ولا بوم ولا أحصنة ولا كلاب صيد أو حتى كلاب حراسة .

 

 

 

 




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :